في ما خصّ «الدفاع عن لبنان»

في ما خصّ «الدفاع عن لبنان»!

المغرب اليوم -

في ما خصّ «الدفاع عن لبنان»

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

ربّما جاز وصف الخلاف بين مدرستين فكريّتين رائجتين بأنّه نابع من تعيين الأسباب وطرق تأويلها. فهناك مدرسة ترى أنّ الأسباب تلك إنّما هي أحداثٌ ووقائع بعينها، من غير نفي خلفيّات نفسيّة أو اقتصاديّة أو غير ذلك. فاليابان مثلاً كانت لديها طموحات توسّعيّة وعسكريّة في أربعينات القرن الماضي، إلاّ أنّ عمليّة بيرل هاربر هي التي تفسّر الحرب بينها وبين الولايات المتّحدة. أمّا المدرسة الأخرى فتستعين، في عرضها الأسباب، بماهيّات جوهريّة لا مفرّ منها. فبما أنّ اليابان توسّعيّة، تبعاً للمدرسة هذه، كان لا بدّ من اندلاع الحرب، أكان ببيرل هاربر أو من دونها. ولو لم تكن بيرل هاربر، لكان هناك حدث آخر يؤدّي إلى النتيجة ذاتها.

والحال أنّ المدرسة الثانية، حتّى لو صيغت أفكارها صياغة علمانيّة أو حتّى إلحاديّة، تبقى أسيرة تأويل مصدرُه الأبعد هو الدين. ذاك أنّ أحداث العالم نتاج إرادات لا رادّ لها، أكانت خيّرةً يقف وراءها الخالق، أو شرّيرةً يقف وراءها الشيطان. وهذا في مقابل تعويل المدرسة الأولى على دور المبادرة الإنسانيّة وقدرتها على التدخّل في النتائج وفي تعديلها، ومن ثمّ إيكال دور أكبر للسياسة والديبلوماسيّة والموقف، وبالتالي لمسؤوليّات البشر عن أفعالهم.

ومن ينظر في الحجّتين الأكثر تداولاً في ما خصّ «الدفاع عن لبنان»، يقع على تأثيرات هاتين المدرستين عليهما وعلى نهج أتباعهما في التفكير.

فالمدافعون عن المقاومة بوصفها ما يحمي لبنان يسندون حجّتهم إلى أنّ إسرائيل دولة توسّعيّة وعدوانيّة، ولا بدّ أن تعتدي على لبنان، إن لم يكن اليوم فغداً.

ومن دون التقليل من استعدادات إسرائيل العدوانيّة، يستبعد التأويلُ هذا الأحداثَ والتجارب الملموسة لمصلحة الماهيّات المفترضة، على ما توحي به نظريّة «الشرّ المطلق» الإيرانيّة. هكذا مثلاً لا يُشار إلى هدنة رودس في 1949 والتي افتتحت حقبة هادئة امتدّت حتّى أواخر الستينات، ولا يُشار إلى أنّ العمليّات الفلسطينيّة المسلّحة انطلاقاً من الحدود اللبنانيّة، ولا سيّما بعد اتّفاقيّة القاهرة في 1969، هي التي تأدّى عنها الغزو الإسرائيليّ الصغير في 1978 ثمّ الغزو الكبير في 1982، كما لا يُشار إلى أنّ خطف جنديّن إسرائيليّين، وكان قد انقضى ستّ سنوات على التحرير، هو الذي أفضى إلى حرب 2006 ودمارها، أو أنّ «حرب الإسناد والمشاغلة» الحاليّة هي التي تسبّبت وتتسبّب بالكوارث الحاليّة.

بمعنى آخر، لا توجد أسباب حدثيّة وراء ما يجري في العالم، بل توجد فحسب نوايا ومطامع تستعصي على التأثير والتغيير واحتمالات التدخّل، فيما التدخّل الوحيد المتاح في تعاطينا مع أقدار محتومة هو فناء الذات أو إفناء الآخر. وقبل يومين فحسب، عشنا عيّنة مصغّرة عن اشتغال هذا الوعي: فقد شُنّت غارة إسرائيليّة على قرية أيطو المارونيّة في شمال لبنان أسفرت عن مقتل 22 شخصاً. لكنّ الإعلام الممانع رفض الإقرار بأن نزوح أحد كوادر «حزب الله»، المدعوّ أحمد فقيه، إلى أيطو، هو ما جلب عليها هذا الويل. ذاك أنّ الشرّ الإسرائيليّ لا بدّ أن يستهدف تلك القرية، بأحمد فقيه أو من دونه.

وكما يُستبعد الحدث يُستبعد التأمّل في النتائج التي يُفترض، على ضوئها، أن تُحاكَم الأعمال، من موت ودمار، إلى تفتّت أهليّ متزايد، إلى خسارة لبنان أصدقاءه المؤثّرين، سياسيّاً أو اقتصاديّاً، في العالم العربيّ والعالم، إلى توسّع رقعة النفوذ الإيرانيّ التي تتكاثر التقديرات بأنّه بات مصدر القيادة البديلة لـ «حزب الله». وهنا أيضاً، وبدل نقاش النتائج، تنتصب تعويذة أخرى عن الأكلاف التي لا بدّ منها لبلوغ التحرّر الوطنيّ، علماً بأنّ الأكلاف الباهظة التي يدفعها اللبنانيّون هي الطريق إلى بلوغهم عالماً أقلّ تحرّراً بلا قياس، وفي الآن نفسه أقلّ ازدهاراً وأقلّ وحدة داخليّة.

كذلك تُستبعد المقارنة، كلّ مقارنة، فلا يقال مثلاً إنّ الحماية التي كان في وسع معاهدة 17 مايو (أيّار) 1983 أن توفّرها، وهي المعاهدة التي تعرّضت، ولا تزال، للتشهير والتخوين، تفوق بملايين المرّات الحماية المزعومة التي توفّرها لنا اليوم مقاومة «حزب الله». كما لا يقال أنّ مصر والأردن اللذين تربطهما معاهدتا سلام بالدولة العبريّة لم تُحتلّ أرضهما، ولم تعتدِ عليهما إسرائيل، وهما على حال لا تُقارن بأحوال لبنان وسوريّا اللذين رفضا الصلح والسلام. ولا يقال كذلك أنّ إسرائيل سلّمت إلى مصر طابا، في جزيرة سيناء، عملاً بقرار هيئة التحكيم الدوليّة في 1988.

وحين يموت الناس فدى لنظريّات لا تفسّر العالم بالأحداث، ولا تحاكم الأفعال بناء على النتائج، كما لا تقارن بين حالات متفاوتة في بواعثها ومتفاوتة تالياً في حصائلها، نكون أمام لحظة تجمع الزيف إلى ما نشهده من قتل وتدمير. والزيف هذا قد يعبّر عن وعي مُخرَّب وهرِم، لكنّه بالتأكيد ينتهي إلى أكاذيب صريحة تمتهن العقل ولا تحمي إلاّ تجهيل المواطنين وتطفيلهم.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في ما خصّ «الدفاع عن لبنان» في ما خصّ «الدفاع عن لبنان»



GMT 00:06 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

استقرار واستدامة

GMT 00:01 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

نسخة ليبية من «آسفين يا ريّس»!

GMT 23:59 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

بضع ملاحظات عن السلاح بوصفه شريك إسرائيل في قتلنا

GMT 23:58 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

ليبيا... أضاعوها ثم تعاركوا عليها

GMT 23:55 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

الأديان ومكافحة العنصرية في أوروبا

GMT 23:52 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

إن كنت ناسي أفكرك!!

GMT 23:49 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

سوء حظ السودان

نجمات الموضة يتألقن بإطلالات صيفية منعشة تجمع بين البساطة والأنوثة

دبي - المغرب اليوم

GMT 10:25 2016 الأربعاء ,18 أيار / مايو

أمير قطر يتسلم رسالة خطية من الرئيس السوداني

GMT 18:16 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

زيت شجرة الشاي لعلاج التهاب باطن العين

GMT 04:56 2016 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حركة النقل الجوي في مطارات المغرب بنسبة 1.79 %

GMT 13:04 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة "المغانا" تتبرأ من "تيفو" مباراة المغرب والغابون

GMT 22:00 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

ناصيف زيتون يحي صيف النجاحات وسط حضور جماهيري حاشد

GMT 19:55 2022 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

هبوط أسعار النفط مع تنامي مخاوف الصين من فيروس كورونا

GMT 15:06 2022 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أرباح "مصرف المغرب" تبلغ 438 مليون درهم

GMT 12:29 2022 السبت ,07 أيار / مايو

أفضل أنواع الهايلايتر لجميع أنواع البشرة

GMT 17:41 2022 السبت ,09 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4,3 درجات في إقليم الدريوْش

GMT 23:50 2022 الأربعاء ,26 كانون الثاني / يناير

"ناسا" ترصد مليون دولار لمن يحل مشكلة إطعام رواد الفضاء

GMT 20:42 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

مدريد تستعد لأشد تساقط للثلوج منذ عقود

GMT 01:34 2020 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

الحكم على المودل سلمى الشيمي ومصورها

GMT 22:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مُساعد جوسيب بارتوميو يظهر في انتخابات نادي برشلونة المقبلة

GMT 15:54 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز التوقعات لعودة تطبيق الحجر الصحي الكامل في المغرب

GMT 19:12 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أمن طنجة يحقق في اتهامات باغتصاب تلميذ قاصر داخل مدرسة

GMT 23:35 2020 الأحد ,13 أيلول / سبتمبر

فساتين سهرة باللون الأخضر الفاتح

GMT 23:41 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

بلاغ هام من وزارة "أمزازي" بشأن التعليم عن بعد
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib