عن «المشرق العربي» و«العالم» وإسرائيل

... عن «المشرق العربي» و«العالم» وإسرائيل

المغرب اليوم -

 عن «المشرق العربي» و«العالم» وإسرائيل

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

«المشرق العربيّ والعالم» لم تكن علاقتهما، في الزمن الحديث، على ما يرام. بـ»العالم» كان يُقصد الغرب ودوله، أي عالم الأطلسيّ، وبـ «المشرق العربيّ» كانت تُقصد أساساً القضيّة الفلسطينيّة على النحو الذي رسمته الأنظمة العسكريّة والأمنيّة، ومعها لسنوات طويلة بدأت في أواخر الستينات، منظّمة التحرير الفلسطينيّة.

صحيح أنّ تلك الصيغة الثنائيّة انطوت على اختزالين كبيرين، إذ «العالم» ليس الغرب وحده، فيما «المشرق» أكثر وأكبر من القوى العربيّة المذكورة ومن همّها الأوحد المذكور. لكنّ الصحيح أيضاً أنّ «العالم»، بالنسبة إلى العالم العربيّ، كان الغرب المؤثّر في سياساته، كما في اقتصاده وتعليمه وتقنيّته، وهذا فضلاً عن الماضي الاستعماريّ، وعن النماذج الحياتيّة والصور الثقافيّة المرغوبة. أمّا الصراع مع إسرائيل فكان أكثر ما يحدّد التوجّهات المعلنة في جوانب ليست بالضرورة متّصلة بهذا الصراع. هكذا سادت لعقود، عربيّاً وليس مشرقيّاً فحسب، نظريّة «التعامل مع العالم تبعاً لموقفه من قضيّة فلسطين»، وكان أهمّ ترجمات النظريّة هذه المقاطَعة النفطيّة لداعمي الدولة العبريّة مع نشوب حرب أكتوبر/ تشرين الأوّل 1973. ذاك أنّ خليطاً من التعاطف مع ضحايا المأساة الفلسطينيّة، وما ترسّب من رطانة قوميّة جامعة، ثمّ الخضوع للابتزاز بالعنف والإرهاب كما مارسهما غير طرف مسلّح، أفضى إلى تلك القراءة الإجماعيّة. ودائماً بدا هذا التمركز حول القضيّة الفلسطينيّة، وهي خارجيّة بالنسبة إلى دول عربيّة كثيرة، وإلى قطاعات كثيرة في تلك البلدان، على شيء من الغرابة، أقلّه عند الذين رأوا أنّ سياسات الدول الناشئة لا بدّ أن تتمحور حول داخلها.

والعلاقة، التي لم تكن على ما يرام بين «العالم» و»المشرق»، ذكّرت كثيرين بانتفاض أبناء الكيانات على أبيهم الذي أنشأ تلك الكيانات. فبعد الحرب العالميّة الأولى نفر الأوّلون من فكرة الانتداب ومن «وعد بلفور» واتفاقيّة سايكس بيكو، واستنتجوا أنّ ما جاء في مراسلات ماكماهون والشريف حسين لم يكن سوى خديعة. وبعد الحرب العالميّة الثانية ساءهم ما نزل بالفلسطينيّين فرفضوا تقسيم فلسطين الذي التقت حوله الكتلتان الشرقيّة والغربيّة. ولئن رأى «العالم» في تمرّد العرب القوميّ حدثاً مستهجَناً، إلاّ أنّه أدرجه في خانة التمردّات المشابهة التي عرفتها أفريقيا وجنوب شرق آسيا وبعض أميركا اللاتينيّة، واستوعبها إطار الحرب الباردة. لكنْ بعد ذاك، ومع تفسّخ الناصريّة وانحطاطها إلى أسديّة وصدّاميّة وقذّافيّة، صعد نجم بن لادن وإخوانه الكثيرين، ولم يعد مفهوماً هذا التمرّد الجذريّ الذي قُدّم كما لو أنّه شيء يختصّ به المسلمون وحدهم. ومع الطور هذا، فقد صلاحَه وصف الآباء والأبناء العصاة، إذ ارتدّ المتمردّون الجدد إلى قَدامة الجَدّ الذي يقطع كلّيّاً مع عالم أنشأه الأب الغربيّ وتصدّى له أب مشرقيّ فاشل.

غير أنّه، وفي طوري التمرّد، ظلّت «أزمة الشرق الأوسط» من غير حلّ، كما لم تنجح اتّفاقيّة أوسلو، في 1993، في طيّ صفحة سوداء وفتح أخرى وُصفت بالبياض.

واليوم، على أيّة حال، تغيّر كلّ شيء تقريباً، وهذا فيما التغيّرات التي تتوالى تصيب معاني الأشياء الأصليّة والأوّليّة. فـ»العالم» انضافت إليه الصين، وإن كان حضورها لا يزال جزئيّاً ومحصوراً بقياس الحضور الغربيّ. أهمّ من ذلك، وخصوصاً في ظلّ رئاسة دونالد ترمب، أنّ الكون الأطلسيّ يتمزّق ما بين أميركا الشعبويّة والقوميّة وأوروبا التي تدافع بصعوبة عن ليبراليّتها، فيما تنشأ أعراف وطرق في النظر إلى الأمور، وإلى العلاقات الدوليّة، غريبة وغير معهودة.

و»المشرق العربيّ»، بدوره، يتمزّق على نحو قد لا يكون جديداً، لكنّه بالتأكيد من صنف غير مألوف. فقضيّة فلسطين لم تعد ما كانته من قبل، وأهمّ من ذلك أنّ المغرب والخليج والمشرق ومصر والسودان سلكت كلّ منها طريقها. وإذا كانت الطرق تتقاطع عند بعض المحطّات فإنّها مستقلّة بذاتها، تمضي واحدتها في توكيد تمايزها عن الأخرى.

بيد أنّ تنافر «العالم» و»المشرق لا يلغي اتّفاقاً حول تفوّق القرن التاسع عشر. فمنذ خطاب تنصيب ترمب رئيساً، ظهرت كتابات كثيرة تتناول تأثّره بالرئيس وليام ماكينلي الذي حكم الولايات المتّحدة بين 1897 و1901 حينما اغتيل. وماكينلي، المتحمّس للحمائيّة الضريبيّة، والذي وصفه ترمب بـ»العظيم»، عُرف، بين أمور أخرى، بخوضه الحرب الأميركيّة – الإسبانيّة واعتماده سياسة توسّع تأدّى عنها إلحاق الفيليبين وبورتو ريكّو وغوام وهاواي.

وفي المشرق، مع انفجار قضايا الأقلّيّات، وتشابُكها مع السياسات الإقليميّة والدوليّة، يزدهر التذكير بـ»المسألة الشرقيّة» التي فجّرها تفسّخ السلطنة العثمانيّة والتسابق على وراثتها، وهو ما افتتحته الانتفاضة اليونانيّة في عشرينات ذاك القرن، ليبلغ ذروته مع نزاع القرم (1853-6) وأزمة البلقان (1875-8) وصولاً إلى حروبه (1912-1913).

وإذا كانت أزمنة استلهام الماضي تثير الكآبة عموماً، فثمّة أمر واحد شديد الترجيح ومؤلم، هو أنّ إسرائيل ستكون الأكثر إفادة من تباعد «العالم» و»المشرق» ومن تقاربهما سواء بسواء.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

 عن «المشرق العربي» و«العالم» وإسرائيل  عن «المشرق العربي» و«العالم» وإسرائيل



GMT 20:14 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

بيروت والكلام المغشوش

GMT 20:11 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

التغييرات المناخية... الأمل بالطيران في بيليم

GMT 20:05 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

انتحار الصِغار و«رقمنة» اليأس

GMT 20:00 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

الحبل السُّرِّي بين العالم العربي وحل الدولة الفلسطينية

GMT 19:47 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

عالم من الضواري

GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 21:29 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء
المغرب اليوم - العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء

GMT 08:58 2025 السبت ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة شمس البارودي تكشف عن تفاصيل أزمتها الصحية
المغرب اليوم - الفنانة شمس البارودي تكشف عن تفاصيل أزمتها الصحية

GMT 17:25 2013 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"ماوس" تطفو اعتمادًا على دوائر مغناطيسية

GMT 09:48 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مطعم "الشلال" يسعى إلى جذب زبائنه بشتى الطرق في الفليبين

GMT 23:15 2023 السبت ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سان جيرمان يكتسح ستراسبورغ بثلاثية في الدوري الفرنسي

GMT 08:04 2023 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سلطنة عمان تحذر مواطنيها من خطورة السفر إلى لبنان

GMT 22:31 2023 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي مهدي بنعطية مرشح لمنصب مدير رياضي بفرنسا

GMT 08:16 2023 الأربعاء ,13 أيلول / سبتمبر

أبرز الأخطاء الشائعة في ديكورات غرف النوم الزوجيّة

GMT 16:04 2023 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

150 قتيلا جراء الفيضانات والأمطار الغزيرة في ليبيا

GMT 13:24 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

''فريد غنام'' يطرح فيديو كليب ''الزين الزين''

GMT 20:55 2022 الخميس ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جوجل تطمح لتقديم خدماتها بألف لغة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib