المجاعة مع سبق الإصرار والترصد

المجاعة مع سبق الإصرار والترصد

المغرب اليوم -

المجاعة مع سبق الإصرار والترصد

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

لا يوجد وصف أكثر دقة من توصيف الرئيس الآيرلندي ما يجري في غزة بأنه فترة مأساوية في تاريخ العالم. بل إن جرائم الحرب المرتكبة من الجانب الإسرائيلي من أبشع ما عرفته الإنسانية إذا ما وضعنا الجرائم في سياقها الرّاهن، الذي يتشدق فيه العالم وبخاصة مؤسساته الأممية بحقوق الإنسان والتنمية المستدامة وغير ذلك من العناوين والأفكار الكبرى، التي لا تكفي الدعوة إليها من دون فرض آليات حمايتها ضد كل المارقين حتى لو كانوا يمتلكون حق الفيتو.

من المهم توضيح نقطة لتبيان أهمية فرض القانون الدولي على الجميع، وهي أن المساس به وارتكاب جرائم في حق شعب وتجويعه لا تمس فقط -على الرغم من أهمية ذلك- الشعب ضحية التجويع، بل تُربك أمن العالم بكل أبعاد الأمن ومعانيه. لذلك فإن الفواتير الباهظة يدفعها كل العالم القريب من التوترات، والبعيد أيضاً، ومثالاً على ذلك فإن الحرب الروسية - الأوكرانية تُكبِّد انعكاساتُها الاقتصادية بلداناً عدة، من حيث ارتفاع أسعار الحبوب بشكل كبير وكذلك أسعار الطاقة، الأمر الذي أثقل ميزانيات الدول التي بالكاد تحاول لملمة الجراح الاقتصادية والاجتماعية لما بعد جائحة «كوفيد - 19».

كما أن كل التداعيات على ميزانيات الدول إنما تترجَم في ارتفاع ظواهر كثيرة؛ مثل معدلات الفقر والبطالة والجريمة والعنف والطلاق... كلنا معنيون بكل حرب تشتعل في أي نقطة في العالم لأننا سندفع بشكل ما الثمن وأحياناً لا نعلم ذلك.

نخلص من كل هذا إلى فكرتنا الجوهرية: إعلان المجاعة في غزة هو فتح جبهات إرباك وتوتر في كل منطقة الشرق الأوسط والعالم. ناهيك بأن إعلان الأمم المتحدة دخول غزة في حالة مجاعة يجرنا إلى التساؤل عمَّا لم تفعله هذه المؤسسة الأممية كي لا تحدث هذه المجاعة، لأن دورها ليس إعلامياً، بل هو تأمين الأمن والقانون الدولي في العالم.

فأي مصداقية لمجلس الأمن اليوم؟ أين هذا المجلس مما يجري في قطاع غزة وما يحصل من جرائم للفلسطينيين أطفالاً ونساءً وكباراً في السن ومعوقين...؟

الإعلان من المنظمة الدولية بأنَّ غزة دخلت في مسغبة ليس كافياً بكل المقاييس، بل يجب أن تتخذ المنظمة خطوات عملية لإنقاذ الأرواح في القطاع.

ها هو رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو يحتل غزة ويعمل يومياً، من خلال آليات الحرب من قصف وتجويع وتهجير، على تصفية كل شيء حي في القطاع، ولا أحد يحاسبه... فهل يكفي الإعلان الأمميّ عن دخول غزة في المجاعة الآن، مع العلم أننا نشاهد صور الأطفال الذين أنهاهم الجوع تملأ الإعلام منذ أسابيع؟ ففي الحقيقة ما يحدث في غزة كشف عن هزال الضمير العالمي.

طبعاً موجة الاعترافات بالدولة الفلسطينية التي بلغت 147، إضافةً إلى نيّات الاعتراف بها، مهمة في حد ذاتها، وهي ثمرة رمزية جداً مقابل عشرات آلاف القتلى من أهالي غزة. أو أكثر دقة هي اعترافات الحد الأدنى لرفع الحرج.

لقد أحرجت إسرائيل بعربدتها بلداناً كثيرة. حتى الاعتراف الذي يمثل ضربة لإسرائيل لم يُثنِها عن عزمها على احتلال غزة، وبالتالي الرجوع عن كل الحدود المعلنة بما فيها الحدود التي تكرمت بها إسرائيل في السابق. هناك انقلاب هائل حتى على القليل وربع الحق الفلسطيني.

إن القضية الفلسطينية منذ حرب أكتوبر (تشرين الأول) في أسوأ مراحلها. ومن الواضح أن إسرائيل بمعاضدة الولايات المتحدة قررت إنهاء هذه القضية على النحو المخطط له. ولقد كان واضحاً جداً هذا المخطط منذ اللحظة التي دعا فيها رئيس الولايات المتحدة مصر والأردن لإيواء أهالي غزة؛ أي إنه أعلن صراحةً عن نية ترحيلهم. وباعتبار أن هذه الدعوة صعقت العالم ولم يتقبلها أحد، فإنه جرى تغيير الأسلوب لتحقيق الهدف؛ وهو أسلوب التجويع، وتقتيل أهالي غزة، ومنع وصول المساعدات الإنسانية إليهم، حيث إنه بعد تدمير غزة لم يبقَ غير تصفية ما تبقى من أهاليها.

كل مؤشرات التخطيط للاحتلال وللقضاء على الفلسطينيين في غزة كانت واضحة، إذ إن الاستهداف الممنهج للأطفال والنساء كان أهم ما يميز العدوان الإسرائيلي على غزة، مما يعني تصفية الجيل القادم.

وماذا بعد موجة الاعترافات بدولة فلسطين؟ هل من وقفة دولية ضد إسرائيل؟ وهل مِن كابحٍ لليد الأميركية الداعمة؟

أكبر خسارة نعيشها اليوم هي أن كل مقاربات القضية الفلسطينية في مأزق، وذلك لأن المشروع الإسرائيلي ينص على ألّا توجد دولة فلسطينية ولو على شبر واحد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المجاعة مع سبق الإصرار والترصد المجاعة مع سبق الإصرار والترصد



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 13:39 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر
المغرب اليوم - حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 19:09 2022 الخميس ,13 تشرين الأول / أكتوبر

مارك زوكربيرغ يفقد أكثر من 118 مليون متابع على فيسبوك

GMT 16:18 2024 الخميس ,01 شباط / فبراير

الوداد يُعلن عّودة إسماعيل الحداد

GMT 06:06 2012 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تراجع معدلات النمو العالمي إلى 2.7 %

GMT 09:31 2017 الأربعاء ,19 تموز / يوليو

حادث سير مروّع بين 3 سيارات في طريق الناظور

GMT 23:52 2023 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

زياش يطلب مغادرة نادي "غلطة سراي"

GMT 09:50 2023 الجمعة ,21 تموز / يوليو

عجز الميزانية يصل إلى 27.8 مليار درهم

GMT 11:52 2020 الجمعة ,03 إبريل / نيسان

شركة تبغ في طور اختبار مادة مضاد لفيروس كورونا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib