الوالدية الإيجابية

الوالدية الإيجابية

المغرب اليوم -

الوالدية الإيجابية

آمال موسى
بقلم - آمال موسى
 

قد تبدو هذه التسمية غريبة بالنسبة إلى الكثير من الآباء والأمهات، ونفترض أن هناك من يرفضها من منطلق أنه لا توجد والدية سلبية حتى نتناول مفهوم الوالدية الإيجابية.

كما أن لا أحد يستطيع أن يزايد على الآباء والأمهات في صدق الأبوة والأمومة وعظمتهما، الشيء الذي جعل الشعراء والفنانين المبدعين بشكل عام ينتجون أجمل الأعمال الفنية التي تتغنَّى بعاطفة الأمومة والأبوة.

أظنُّ أنَّنا ليس في وارد وضع الوالدية في الغربال أو في الميزان، بل إننا في منطقة من الفهم مختلفة ولها كل المقومات التي تجعل منها بنّاءة.

إنَّ الحديث عن التغيير الثقافي والقيمي يستمد مشروعيته ووجاهته من الآليات التي يتم اعتمادها لتحقيق أكثر الأهداف صعوبة واستغراقاً للوقت والزمن والجهد: التغيير الثقافي.

لقد انطلق الغرب من عقود في الاشتغال على الوالدية الإيجابية كتتمة للمشروع التحديثي ككل. ففي المجتمعات التقليدية قبل هبوب رياح التحديث كانت مؤسسات التنشئة الاجتماعية هي الحاكمة والمتحكمة في سلوك الفرد وأفكاره ومواقفه وخياراته. غير أنَّ الحداثة التي جاءت لتنتصر للفرد رفعت من مكانة الفرد، وهناك نظريات في علم الاجتماع تظهر بشكل عام عملية الانتقال هذه وتكشف عن تضاريسها الكبرى؛ إذ الانتقال من الفكر البنيوي الوظيفي إلى الفردانية المنهجية مع رايمون بودون والفعلانية مع ماكس فيبر، هو تحول في توزيع السلطة بين الفرد والمؤسسات، وعلى رأس هذه المؤسسات نشير بطبيعة الحال إلى مؤسسة الأسرة.

إذن، مقاربة الوالدية الإيجابية هي آلية من آليات معالجة الظواهر السلبية التي يمكن أن تعرفها الأسرة، والتي قد يتسبب فيها الأولياء بغير قصد، بل إنَّ برامج الوالدية الإيجابية هي بكل بساطة برامج تهدف إلى دعم قدرات الأسر ورفع الوعي لدى الأولياء وتمكينهم من أساليب التربية الحديثة.

ويبدو لنا نحن في الفضاء العربي الإسلامي أننا بحاجة إلى إيلاء مقاربة الوالدية الإيجابية، وبرامجها القائمة على الحوار والتوعية والتثقيف، الأهمية الكبيرة. فالأمر يحتاج إلى التحلي بالشجاعة والاعتراف بأنَّ هناك أولياء يحتاجون إلى دعم قدراتهم المعرفية في مجال تربية الأطفال؛ لأنَّ الطفل في بداياته هو محل رعاية من أسرته، ولكن عندما يكبر فإنَّ كل المجتمع هو الذي سيتحمل تداعيات التربية غير الإيجابية وغير السليمة.

من المهم الإشارة إلى أنَّ التربية الوالدية لا غنى عنها إذا كنا على وعي بوظيفتها الإيجابية اليوم؛ إذ إنَّ كل شيء تغير، ولكن ثقافة الوالدية ظلَّت هي نفسها تقريباً، أو أنَّها تعاني من انفصام وانشطار بين والدية تقليدية في طريقة التربية ووالدية حديثة.

مما لا شك فيه أن مقاربة الوالدية الإيجابية تهم الجيل الجديد والأولياء حديثي العهد بالأبوة والأمومة والمقبلين على الزواج أيضاً ويعتزمون بناء أسرة؛ ذلك أنَّنا لا نختلف في أنَّ التربية علم وتراكم تجارب وخبرات، واليوم لم يعد مقبولاً اعتماد الضرب في تربية الأطفال مثلاً أو تعنيفهم لغوياً. فهذا الأسلوب الذي نشأت عليه أجيال وأجيال أصبح اليوم يتعارض مع القوانين والحقوق، علاوة على أنَّ طفل اليوم يختلف في علاقته بالمؤسسات والغيرية وبنفسه عن طفل الأمس.

لذلك فإنَّ دعم قدرات الأولياء وتمكينهم من أفكار ومبادئ الوالدية الإيجابية، هو دعم للأسرة وتحصين لها من العنف، ودعم للمجتمع كي ينشأ الفرد على التوازن النفسي والتحقق الذاتي. فالحوار وإيثار العلاقات الأفقية وتعزيز شخصية الطفل بالثقة والبوح والعقلانية... من شأن كل هذا أن يجنّب المجتمعَ ويلاتٍ كثيرة. ولا ننسَ أنَّ ظواهر الانحراف والجريمة والعنف... كلها تعبير عن خلل نفسي عادةً ما تكون له علاقة بالوالدية ذات المضامين والطرائق التي لم تعد صالحة اليوم.

إنَّ منظومة حقوق الطفل لها أثر في الدفع نحو اعتماد الوالدية الإيجابية كمقاربة جديدة في التربية في العصر الراهن؛ إذ إنَّ غالبية الدول قد صادقت على الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل، إضافة إلى التشريعات ذات البعد الوطني والتي هي في تناغم مع الصكوك الدولية في مجال حقوق الطفل التي لا توليها منظومة القيم التقليدية اهتماماً.

الوالدية الإيجابية هي مقاربة تثمّن الحوار في العلاقة مع الأبناء والتخاطب معهم بنبرة أفقية واحترام جسدهم وحريتهم في الاختيار. وبمعنى آخر، فإن التربية الإيجابية هي هدم مضامين الوالدية التقليدية ذات النسق السلطوي العمودي الذي ينتج أفراداً بعلاقات متوترة مع الذات والغيرية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الوالدية الإيجابية الوالدية الإيجابية



GMT 18:24 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

الملكة تُلَقِّنُ العالَمَ دَرْسًا أخلاقيًا

GMT 18:15 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

لائحة الشرف

GMT 18:14 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

العلم هو الحل

GMT 18:12 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

لحم أحمر ولحم أبيض!

GMT 18:11 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

الدول الفاشلة

GMT 18:03 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

جي دي فانس... الخروج إلى دائرة النور

GMT 18:00 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

طبول الحرب تقرع في طرابلس

GMT 17:57 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

كنا نظنها حالة فريدة

داليدا خليل تودّع العزوبية بإطلالة بيضاء ساحرة وتخطف الأنظار بأناقة لا تُنسى

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 23:02 2025 الأحد ,07 أيلول / سبتمبر

حماس تعلن استعدادها للتفاوض بشأن إطلاق الأسرى
المغرب اليوم - حماس تعلن استعدادها للتفاوض بشأن إطلاق الأسرى

GMT 00:30 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

غضب أوروبي بعد أعنف هجوم جوي روسي على أوكرانيا
المغرب اليوم - غضب أوروبي بعد أعنف هجوم جوي روسي على أوكرانيا

GMT 01:26 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

جنات تطلق ألبومها الجديد وسط حضور زوجها وابنتيها
المغرب اليوم - جنات تطلق ألبومها الجديد وسط حضور زوجها وابنتيها

GMT 13:30 2025 الأحد ,07 أيلول / سبتمبر

مواعيد خسوف القمر المرتقب بالدول العربية
المغرب اليوم - مواعيد خسوف القمر المرتقب بالدول العربية

GMT 14:33 2013 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

تصميمات حديثة وأنيقة لأحواض السمك

GMT 16:53 2023 الأربعاء ,20 أيلول / سبتمبر

ميرفت أمين ترفض التكريم في مهرجان الجونة السينمائي

GMT 09:59 2023 الأربعاء ,05 تموز / يوليو

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 05 يوليو / تموز 2023

GMT 12:05 2023 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

4 دوريات كبرى تَتَسابق لٍضم المغربي عز الدين أوناحي

GMT 15:46 2022 الأحد ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

كل ما تريد معرفته عن لعبة جوجل السرية على آيفون

GMT 04:12 2022 الخميس ,27 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح هامة يجب اتباعها عند تصميم غرف المنزل

GMT 10:28 2021 الثلاثاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كوياطي يبعث رسالة اطمئنان إلى جماهير الرجاء قبل مواجهة آسفي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib