الاستعداد لمحن إعمار غزة

الاستعداد لمحن إعمار غزة

المغرب اليوم -

الاستعداد لمحن إعمار غزة

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

لنبدأ بما هو إيجابي ومطمئن، وهو موقف الدول العربية والإسلامية الرافض لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، ومن ثم فهو رفض لخطة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، التي يُطالب فيها الأردن ومصر باستقبال الفلسطينيين الذين سيتم تهجيرهم.

وفي الحقيقة، فإن المواقف التي استنكرت خطة ترمب كثيرة وقوية، وأكدت أن ضمير العالم، وإن لم يكن في أفضل حالاته، ليس جثة هامدة كما يخطر لنا من حين إلى آخر.

ذلك أن الأفكار ذات الجرعة الزائدة جدّاً من الاستهانة والقهر تستفز أجهزة الدفاع الطبيعية العفوية على نحو يؤكد أن للخنوع حدّاً، يمكن إن تم تجاوزها أن تَحدُث استفاقة. فردود الأفعال الرافضة والمستنكرة إنما تُمثل رفضاً للقضاء النهائي على القضية الفلسطينية، وتذكيراً بها، إضافة إلى أن الخطة الرامية إلى تهجير الفلسطينيين من أرضهم تُشكل صدمة وقوة قهر، ما جعل كثيراً من الأسئلة تجد إجاباتها، واتضح بشكل كامل ما كان وراء القصف العدواني منذ أكتوبر (تشرين الأول) 2023، إلى غاية القبول بصفقة وقف إطلاق النار. ونقصد بالأسئلة، تلك المتعلقة بطول فترة العدوان الإسرائيلي على غزة، ولماذا كان الإصرار على تدميرها بالكامل وإسقاط آلاف الشهداء من الأطفال والنساء والرجال. فالجزء الأول من الخطة الإسرائيلية هو قتل أكثر ما يُمكن، والجزء الثاني هو تهجير البقية التي لم تقتل.

إذن، موقف الدول العربية رغم كل الضغوطات والصعوبات الاقتصادية، واستغلال ورقة المساعدات، ومحاولة إحراج النخب العربية الحاكمة أمام شعوبها، كان الرفض، وهو الموقف الذي تم الإجماع عليه.

بالتوازي مع خطاب الرفض، نجد خطاباً داعياً إلى الإسراع في إعمار غزة، وهو خطاب يكاد يجمع عليه كل القادة العرب.

لنأتِ هنا إلى المشكلة الحقيقية.

أولاً، الإعمار يحتاج إلى وقف إطلاق نار حقيقي، ورغم الصفقة التي حصلت، فإن تجاوزات إسرائيل قائمة. ونعتقد أن الإعمار كثيراً ما يرتبط بالسلام والاستقرار، ولا يمكن أن يكون هناك إعمار والحرب أو مشتقاتها (الاعتداءات) لم تتوقف بعد. بل إن إسرائيل التي على امتداد قرابة سنة ونصف السنة وهي تدمر في قطاع غزة، هل ستسمح بسهولة بعملية الإعمار أن تتم، وتفشل مخططاتها؟ ثم مَن سيمنعها من التخلِّي عن الصفقة في حين أنه لا أحد منعها من قتل الأطفال والنساء، وقصف المستشفيات، ومنع الأطفال من التلقيح، ورفض تمرير المساعدات طيلة الأشهر الماضية؟

يُمكن القول إن إسرائيل لن تُمكن قطاع غزة من الاستقرار الذي تحتاج إليه كل عملية التعمير والإعمار، وإذا كانت العزيمة قوية، والوعي بضرورة الإعمار من أجل الفلسطينيين وصالح الدول التي لا تتحمل بكل المعاني التهجير وتداعياته -التي من أهمها نقل الصراع إلى مناطق أخرى- فإن ذلك يستدعي كلمة موحدة، ورباطة جأش مشتركة في الفضاء العربي الإسلامي. ولا ننسى أن التهجير لن يشمل أهل غزة فقط، بل القضية والصراع أيضاً.

لذلك فإنه إلى جانب الحديث عن ضرورة إعمار غزة، والإسراع في ذلك، فإن هذا الموقف الواعي لا بد من أن ينتبه إلى أن الاستعداد لتخطي محن الإعمار لا يقل قيمة عن الإعمار ذاته. فالعدو الإسرائيلي لن يدخر جهداً من أجل وضع كل العقبات الممكنة والمستحيلة (إلى حد الساعة) من أجل إحباط عزيمة إعمار غزة.

المعادلة كما يلي: هناك خطة جهنمية تحتاج في مقابلها إلى عزيمة فولاذية من أجل الإعمار.

وفي الحقيقة، نرى أن العقلانية تقتضي صنع هذه العزيمة الفولاذية، والتصدي لكل محاولات الضغط والإضعاف، خصوصاً أن الإعمار سيتطلب وقتاً، والعملية ليست قصيرة الأمد. فالقبول بخطة التهجير أو الرضوخ للصعوبات التي ستمنع الإعمار من أجل الإرغام على التهجير إنما يعني الوقوع في مشكلات أكثر تعقيداً، والتفريط نهائياً في الحق الفلسطيني، وإهدار كل التضحيات التي تمت عبر أجيال من أجل عدم التفريط في القضية. ونحن اليوم بعد اتفاق أوسلو لم يبقَ غير الحد الأدنى من القضية، الذي أصبح -أي الحد الأدنى- مهدداً بخطة التهجير المطروحة.

ثانياً: الإعمار يحتاج إلى المال الذي هو قوامه. وأغلب الظن أن المال لن يكون إلا عربياً، وهنا من المهم أن تشارك كل الدول، حتى الفقيرة منها، لأن فلسطين هي امتداد للخريطة العربية، وشأن الجميع من دون استثناء.

إن إعمار غزة ضرورة، ومن دون ذلك فإن خطة التهجير ستجد ضالتها. وليس مقبولاً أن يكتب التاريخ أن الأمة العربية فرَّطت في أرض فلسطين؛ لذلك فإن الإعمار هو قطع الطريق ضد قُطَّاع طرق الحق الفلسطيني.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الاستعداد لمحن إعمار غزة الاستعداد لمحن إعمار غزة



GMT 20:14 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

بيروت والكلام المغشوش

GMT 20:11 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

التغييرات المناخية... الأمل بالطيران في بيليم

GMT 20:05 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

انتحار الصِغار و«رقمنة» اليأس

GMT 20:00 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

الحبل السُّرِّي بين العالم العربي وحل الدولة الفلسطينية

GMT 19:47 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

عالم من الضواري

GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 20:08 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

مجلس الأمن يؤيد مقترح المغرب للحكم الذاتي في الصحراء
المغرب اليوم - مجلس الأمن يؤيد مقترح المغرب للحكم الذاتي في الصحراء

GMT 13:39 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر
المغرب اليوم - حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 19:09 2022 الخميس ,13 تشرين الأول / أكتوبر

مارك زوكربيرغ يفقد أكثر من 118 مليون متابع على فيسبوك

GMT 16:18 2024 الخميس ,01 شباط / فبراير

الوداد يُعلن عّودة إسماعيل الحداد

GMT 06:06 2012 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تراجع معدلات النمو العالمي إلى 2.7 %

GMT 09:31 2017 الأربعاء ,19 تموز / يوليو

حادث سير مروّع بين 3 سيارات في طريق الناظور

GMT 23:52 2023 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

زياش يطلب مغادرة نادي "غلطة سراي"

GMT 09:50 2023 الجمعة ,21 تموز / يوليو

عجز الميزانية يصل إلى 27.8 مليار درهم

GMT 11:52 2020 الجمعة ,03 إبريل / نيسان

شركة تبغ في طور اختبار مادة مضاد لفيروس كورونا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib