عن الدّيمغرافيا وخطط الإنماء

عن الدّيمغرافيا وخطط الإنماء

المغرب اليوم -

عن الدّيمغرافيا وخطط الإنماء

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

يمثل التعداد العام للسكان في أي بلد أداة مهمة للدولة وأجهزتها التنفيذية كي تُحسن وضع المخططات الاقتصادية والاجتماعية المناسبة لخصائص السكان، وذلك استناداً إلى متغيرات عدّة، نذكر منها التوزيع السكاني حسب الجنس والفئات العمرية والمستوى التعليمي والوضعية المدنية والاقتصادية، وغيرها من المعطيات التي يهم الدولة الحصول على بيانات دقيقة وآنية بشأنها.

إلى جانب الدولة يعد التعداد العام للسكان بمثابة المرآة التي يرى فيها الشعب ملامحه بشكل جيد. أما الباحثون، وعلى رأسهم علماء الاجتماع، فقد جبلوا على تصيّد المعطيات الدقيقة والأرقام الرسمية لفهم بعض الظواهر وتحديد أسبابها، وأيضاً للتعرف إلى التغيرات الاجتماعية وخصائص المجتمع والتحولات في المتغيرات الاجتماعية.

هناك بيانات عامة نجدها في أي تعداد عام للسكان، منها ما يتصل بتوزيع السكان حسب متغير الجنس، والتي تعد بيانات مهمة في حد ذاتها وأثرها يساعد في فهم بعض المسائل.

وهنا سأتخذ من تونس مثلاً لتوضيح حديثي فتونس من البلدان التي دأبت على إيلاء التعداد العام للسكان أهميته، ودائماً تحرص على القيام به في كل عشر سنوات باعتباره تقليداً شبه مقدس، وأيضاً أساس صياغة المخططات التنموية.

في هذا السياق، نتوقف قليلاً عند نتائج التعداد العام للسكان الذي أُعلن عن مخرجاته هذا الأسبوع. وهي نتائج حملت للتونسيين بعض المعطيات المفرحة مثل تراجع نسبة الأمية، ولكنها حملت معطيات أخرى مثّلت مادة دسمة للنقاش الاجتماعي والإعلامي حولها. من هذه المعطيات التي كانت الأسرع رواجاً والأكثر إثارة للنقاش ما يتعلق بنسبة الإناث والذكور في المجتمع التونسي اليوم؛ إذ تقول نتائج التعداد السكاني إن عدد الإناث يبلغ 50.7 والذكور 49.3 في المائة؛ أي إن عدد الإناث في تونس يفوق عدد الذكور، الأمر الذي يعكس تغيراً في التوزيع السكاني حسب الجنس مقارنة بنتائج تعداد عام 2014؛ أي قبل عشر سنوات حيث كانت نسبة الإناث 49.9 ونسبة الذكور 50.1 في المائة.

طبعاً الزيادة ليست كبيرة، ولكن كما نعلم، المخيال الاجتماعي العربي العام تعوّد أن تكون نسبة الذكور أكثر من نسبة الإناث. فهو مخيال تعوّد على مبدأ الهيمنة الذكورية... لذلك فإن أهمية هذا المعطى تكمن في كون تونس تقريباً الدولة العربية الوحيدة حالياً التي يكون فيها عدد الذكور أقل قليلاً من عدد الإناث. ففي مصر حالياً نسبة الذكور في المجتمع 51.4 في المائة. وتقريباً النسبة ذاتها في الأردن. وفي المغرب والجزائر نجد تساوياً في نسبة الجنسين مع زيادة طفيفة جداً لصالح الذكور.

في دول الخليج العربي تصل نسبة الإناث 40 في المائة، مع بعض الاستثناءات.

إذاً، رغم أن النسبة الراهنة للإناث في المجتمع التونسي ليست عالية، ولكن مقارنة بالمجتمعات العربية فهي الأعلى، وتونس حالياً الوحيدة التي تعرف هيمنة عددية طفيفة مقارنة بنسبة الذكور الأقل من الإناث.

ومن المهم في هذا الصدد أن نشير إلى أن مسألة الهيمنة الطفيفة لنسبة الإناث على نسبة الذكور وإن استأثرت بالرواج الإعلامي، فإنها لم تحدث صدمة، وكأنها بدت مواكبة لتراكم من المعطيات والحقائق التي أثبتت حضوراً نوعياً للنساء والفتيات؛ إذ إن الأرقام صاغت مخيالاً يتوقع حصة مهمة للإناث، ولا يستغرب أن تكون الأعلى بلفت النظر عن مجال التفوق وسياقه ونوعيته. وهنا نستحضر بعض المعطيات التي صاغت هذا المخيال، ومنها أن نسبة التمدرس لدى الفتيات تصل إلى 98.3 في المائة. ويتواصل حضور الإناث لافتاً حتى في مرحلة التعليم العالي؛ إذ يمثل نسبة 68 في المائة.

إن أي تدنٍّ لنسبة الإناث في تونس سيزيد من تراجع نسبة تجديد الأجيال؛ إذ إن الأسرة التونسية اليوم الغالب عليها إنجاب طفلين أو طفل واحد، بخاصة مع ظاهرة تأخر سن الزواج. لذلك لا نجد تأثيراً على نسبة الخصوبة في مجتمعات أخرى رغم أن نسبة الإناث أقل بشكل كبير من الذكور؛ لأن معدل عدد الولادات يتجاوز الطفل أو الطفلين للأسرة الواحدة.

الملاحظة الأخرى التي تسترعي الانتباه والتفكير أن هناك نقطة مشتركة بين بلدان أوروبية عدة مثل فرنسا وإسبانيا وألمانيا وإيطاليا، وهي أن نسبة الإناث أكثر من نسبة الذكور في هذه البلدان بما يقارب 1.5 في المائة؛ بمعنى أننا يمكن الاستنتاج - وبحذر طبعاً - أن الهيمنة الطفيفة لنسبة الإناث داخل المجتمع هي خاصية أوروبية.

وبشكل عام، فإن المؤكد أن نتائج هذا التعداد العام التونسي للسكان سيحرك عجلة البحوث السكانية والاجتماعية التي ستشفي غليل الأسئلة بالأجوبة العلمية الموضوعية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الدّيمغرافيا وخطط الإنماء عن الدّيمغرافيا وخطط الإنماء



GMT 18:24 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

الملكة تُلَقِّنُ العالَمَ دَرْسًا أخلاقيًا

GMT 18:15 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

لائحة الشرف

GMT 18:14 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

العلم هو الحل

GMT 18:12 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

لحم أحمر ولحم أبيض!

GMT 18:11 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

الدول الفاشلة

GMT 18:03 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

جي دي فانس... الخروج إلى دائرة النور

GMT 18:00 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

طبول الحرب تقرع في طرابلس

GMT 17:57 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

كنا نظنها حالة فريدة

داليدا خليل تودّع العزوبية بإطلالة بيضاء ساحرة وتخطف الأنظار بأناقة لا تُنسى

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 23:02 2025 الأحد ,07 أيلول / سبتمبر

حماس تعلن استعدادها للتفاوض بشأن إطلاق الأسرى
المغرب اليوم - حماس تعلن استعدادها للتفاوض بشأن إطلاق الأسرى

GMT 00:30 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

غضب أوروبي بعد أعنف هجوم جوي روسي على أوكرانيا
المغرب اليوم - غضب أوروبي بعد أعنف هجوم جوي روسي على أوكرانيا

GMT 01:26 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

جنات تطلق ألبومها الجديد وسط حضور زوجها وابنتيها
المغرب اليوم - جنات تطلق ألبومها الجديد وسط حضور زوجها وابنتيها

GMT 13:30 2025 الأحد ,07 أيلول / سبتمبر

مواعيد خسوف القمر المرتقب بالدول العربية
المغرب اليوم - مواعيد خسوف القمر المرتقب بالدول العربية

GMT 14:33 2013 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

تصميمات حديثة وأنيقة لأحواض السمك

GMT 16:53 2023 الأربعاء ,20 أيلول / سبتمبر

ميرفت أمين ترفض التكريم في مهرجان الجونة السينمائي

GMT 09:59 2023 الأربعاء ,05 تموز / يوليو

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 05 يوليو / تموز 2023

GMT 12:05 2023 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

4 دوريات كبرى تَتَسابق لٍضم المغربي عز الدين أوناحي

GMT 15:46 2022 الأحد ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

كل ما تريد معرفته عن لعبة جوجل السرية على آيفون

GMT 04:12 2022 الخميس ,27 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح هامة يجب اتباعها عند تصميم غرف المنزل

GMT 10:28 2021 الثلاثاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كوياطي يبعث رسالة اطمئنان إلى جماهير الرجاء قبل مواجهة آسفي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib