أوروبا على المحك

أوروبا على المحك

المغرب اليوم -

أوروبا على المحك

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

يمكن القول بما لا يدع أي مجال للمبالغة إن أوروبا تعيش أزمة تموقع دولي، إضافة إلى الصعوبات التي تعيشها في الداخل، فما يجري داخلها قد انعكس بدوره سلباً على كلمة أوروبا في التوازنات الدولية. ويبدو أنه لا موقع لها على الخريطة الدولية الجديدة التي بصدد التشكُّل من أجل نظام دولي جديد.

طبعاً تأزُّم أوروبا ليس جديداً؛ إذ منذ سنوات انطلق التراجع الذي كشفت عنه أرقام البطالة وتراجع مستوى المعيشة. وباختصار، فإن صعود الأحزاب اليمينية، التي لم تستطع تحقيقه منذ عقود، هو في حد ذاته دليل على أنه ينتعش من ضعف أوروبا الراهن، وتحديداً فرنسا وألمانيا وإيطاليا.

الجديد الذي عمّق تأزُّم أوروبا وجعله ظاهراً للعالم وأكثر قوة، هو دور الولايات المتحدة الأميركية في تهميشها. وهو تهميش من نتاج الرئيس الأميركي دونالد ترمب الذي يرى في المواقف الأوروبية عقبة أمام مصالح بلاده. وإضافة إلى الخصومة الأميركية - الأوروبية في قضايا عدّة، فلا بد من الإشارة إلى التقارب الأميركي - الروسي الذي سيعمق الهزال الأوروبي دولياً، خصوصاً في المواقف من الحرب الروسية - الأوكرانية.

مؤشرات عدّة تدل على أن أوروبا أيضاً ستكون من ضحايا ترمب الذي يجيد الانقضاض على الخصوم، الذين يمرون بوعكة. لنقل إن لديه حاسة سادسة لا ترحم من يَدُبّ في جسده وهن. ومن هذه المؤشرات ما ورد على لسان نائب الرئيس الأميركي، جي دي فانس، خلال فعاليات مؤتمر «ميونيخ للأمن 2025»، الذي عكس عمق التوتر واختلاف الرؤى الناتج أساساً عن تضارب المصالح... إضافة إلى انتقاده الديمقراطيات الأوروبية بشأن حرية التعبير، وعدم سيطرتها على الهجرة غير النظامية، حين قال بالحرف الواحد: «التهديد الذي يقلقني أكثر من أي شيء آخر بشأن بأوروبا ليس روسيا، ولا الصين، ولا أي طرف آخر... ما يقلقني هو التهديد من الداخل». وهنا من المهم التنبه إلى ترحيب الإدارة الأميركية الجديدة بصعود اليمين المتطرف في بلدان أوروبا، وميل هذه الإدارة إلى بلدان أوروبا الشرقية في سياساتها تجاه ملف الهجرة، واختلافها في المقاربات مع دول أوروبا ذات الصف الأول. من ضمن ذلك تهديد ترمب بسحب آلاف من جنوده من ألمانيا لفائدة أوروبا الشرقية. وكي يضايق أوروبا اقتصادياً ويرفع من علوّ الحائط معها، فرض تعريفات جمركية على الواردات الأميركية من أوروبا.

طبعاً مجالات التضارب في المصالح والمواقف واضحة في قضايا عدة؛ على رأسها الصراع الروسي - الأوكراني الذي يجسّد الخلاف المركزي بين الدول الأوروبية من ناحية، والولايات المتحدة من ناحية أخرى، فقد أبدت الدول الأوروبية تحفظها على خطة السلام الأميركية في أوكرانيا.

وأول ما يمكن استنتاجه هو أن التقارب الروسي - الأميركي، الذي يتميز ببراغماتية ومصلحية، كما هو شأن السياسة، سيكون في وجه من وجوهه الرئيسية على حساب أوروبا. وهذا التقارب خطير جداً بالنسبة إلى أوروبا، فقد بدأت تداعياته في التهديد بتصدع «حلف شمال الأطلسي (ناتو)» وكل ما فعلَته ودفعَته وصرحَت به أوروبا لمناصرة أوكرانيا أصبح على المحك؛ لأن الوعود الأوروبية تجاه أوكرانيا مهددة بعدم الإيفاء بها بفعل اختلال موازين القوى ودور التقارب الروسي - الأميركي في تأكيد ضعف أوروبا في حماية مصالحها وتعهداتها تجاه أوكرانيا ونفسها.

إلى جانب الخلاف في الملف الروسي - الأوكراني، نذكر ملف غزة والموقف الأوروبي من خطة ترمب الداعية إلى تهجير الفلسطينيين، فقد أبدت أوروبا رفضاً لها، وورد في بيان فرنسي - ألماني - إيطالي - بريطاني مؤخراً ما يفيد بتأييد الخطة العربية لإعمار غزة. مع التوضيح أن الخلاف الرئيسي هو مناصرة أوروبا أوكرانيا.

الغالب على تصريحات الإدارة الأميركية أن أوروبا ليست طرفاً في النظام العالمي الجديد، فتشكُّله يصطدم من حيث التحالفات والحلول مع مصالح أوروبية... وأن اعتبار حماية المصالح الأميركية غير مضمون. ناهيك بأن وضع أوروبا في الحالتين ضعيف، فهي إن حاولت التمسك بمواقفها، فلن تستطيع الذهاب بعيداً في ظل التقارب الأميركي - الروسي والتعنت الروسي في الملف الأوكراني. وإذا رضخت لموازين القوى فإنها تكون قد رسمت لنفسها موقع التابع لهيمنة الولايات المتحدة، وهو موقع لا يجعل منها طرفاً.

أوروبا في تراجع بالداخل والخارج، وسيزداد تراجعها من منطلق أن وراء التقارب الروسي - الأميركي مصالح تتعلق بمستقبل الطاقة والغاز الطبيعي وغيرهما، أي إن الصراع حيوي جداً، وتضرر أوروبا منه لن يكون قليلاً.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوروبا على المحك أوروبا على المحك



GMT 18:24 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

الملكة تُلَقِّنُ العالَمَ دَرْسًا أخلاقيًا

GMT 18:15 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

لائحة الشرف

GMT 18:14 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

العلم هو الحل

GMT 18:12 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

لحم أحمر ولحم أبيض!

GMT 18:11 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

الدول الفاشلة

GMT 18:03 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

جي دي فانس... الخروج إلى دائرة النور

GMT 18:00 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

طبول الحرب تقرع في طرابلس

GMT 17:57 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

كنا نظنها حالة فريدة

داليدا خليل تودّع العزوبية بإطلالة بيضاء ساحرة وتخطف الأنظار بأناقة لا تُنسى

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 23:02 2025 الأحد ,07 أيلول / سبتمبر

حماس تعلن استعدادها للتفاوض بشأن إطلاق الأسرى
المغرب اليوم - حماس تعلن استعدادها للتفاوض بشأن إطلاق الأسرى

GMT 00:30 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

غضب أوروبي بعد أعنف هجوم جوي روسي على أوكرانيا
المغرب اليوم - غضب أوروبي بعد أعنف هجوم جوي روسي على أوكرانيا

GMT 01:26 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

جنات تطلق ألبومها الجديد وسط حضور زوجها وابنتيها
المغرب اليوم - جنات تطلق ألبومها الجديد وسط حضور زوجها وابنتيها

GMT 13:30 2025 الأحد ,07 أيلول / سبتمبر

مواعيد خسوف القمر المرتقب بالدول العربية
المغرب اليوم - مواعيد خسوف القمر المرتقب بالدول العربية

GMT 14:33 2013 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

تصميمات حديثة وأنيقة لأحواض السمك

GMT 16:53 2023 الأربعاء ,20 أيلول / سبتمبر

ميرفت أمين ترفض التكريم في مهرجان الجونة السينمائي

GMT 09:59 2023 الأربعاء ,05 تموز / يوليو

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 05 يوليو / تموز 2023

GMT 12:05 2023 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

4 دوريات كبرى تَتَسابق لٍضم المغربي عز الدين أوناحي

GMT 15:46 2022 الأحد ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

كل ما تريد معرفته عن لعبة جوجل السرية على آيفون

GMT 04:12 2022 الخميس ,27 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح هامة يجب اتباعها عند تصميم غرف المنزل

GMT 10:28 2021 الثلاثاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كوياطي يبعث رسالة اطمئنان إلى جماهير الرجاء قبل مواجهة آسفي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib