خياطة الخبر

خياطة الخبر

المغرب اليوم -

خياطة الخبر

آمال موسى
بقلم - آمال موسى

غداً السبت هو اليوم العالمي لحرية الصحافة: إنه من الأيام الدولية التي تزداد قيمتها من سنة إلى أخرى لسببين اثنين: الأول، أهمية الصحافة نفسها إلى درجة أن اعتبارها السلطة الرابعة بات اليوم بحاجة إلى مراجعة، حيث أصبحت الصحافة طرفاً فاعلاً وأداة في الوقت ذاته، وأبعد ما تكون عن كونها مجرد وسيط ناقل. والسبب الآخر يعود إلى ما يحف اليوم وسائل الإعلام من إشكاليات، تشمل دور الصحافة وتحديات الحرية وشروط المهنية والضمير. وأيضاً من المهم الإشارة إلى أن الحرية هي اختزال لمشكلات عدّة متشابكة ومعقدة تهم الصحافة، والمؤكد هو أن الحرية مطارَدة في كل هذه المشكلات. قبل الحديث عن حرية الصحافة من عدمها، يبدو لنا أنه من المهم إلقاء نظرة على واقع الأخبار والمعلومات اليوم: مَن يصنع الخبر؟ وكيف؟

هناك اليوم نوعان من الأخبار: أخبار ينتجها الواقع بوقائعه وأحداثه، وأخبار يجري تصنيعها في «معمل خياطة» يُعنى بخياطة الأخبار. والمؤسف أن في النوع الأول مصير الخطير منها التعتيم عليها وتعويضها بأخبار أخرى وقعت خياطتها وفق المقاس اللازم، وهو مقاس المصالح والتأثير. لذلك فإنه في عصر المعلومات -وتدفق المعلومات كما يقال- نسجِّل ظاهرة تعتيم المعلومات، وهو تعتيم تقوم به المعلومات البديلة المزيفة. ومثل هذه العملية هي أخطر عملية تلاعب تُحاك ضد ما يسمى الرأي العام، إذ إن ضبابية المعلومات والأخبار وتناقضها يمنعان ويعطِّلان بروز رأي عام حول قضية معينة. ذلك أن المعلومات الواضحة وذات المصداقية يلتفُّ حولها الناس بالسلب أو بالإيجاب، ومن ثمَّ تتشكل قوى الضغط ويمارس المجتمع المدني دوره في الذود عن الحق والعدالة والسلام.

إذن ما نلاحظه هو الطابع الملتبس لشعار «زمن تدفق المعلومات»، إذ إن المعلومات الحقيقية والصحيحة هي بين التعتيم والتهميش. وفي هذا السياق لا يمكن التغافل عن دور شبكات التواصل الاجتماعي في احتضان المعلومات المضادة في شكل بحار وشلالات تغرق فيها المعلومات الصحيحة وتموت.

إن ظاهرة التعتيم لا يمكن الفطنة إليها بسهولة، لأن الأمر لا يشمل المعلومات والأحداث كافة بقدر ما يتصل بالأحداث الكبرى والحروب والتوترات، ونحن في مرحلة توتر عالية جداً، الأمر الذي جعل التعتيم سمة بارزة. وكي نفهم هذه النقطة أكثر فإنه يكفي أن تُطرح أسئلة واضحة بسيطة حول الصراعات الراهنة، وتحديداً وسائل الإعلام المساندة لكل طرف من أطراف الصراع، إذ إن لكل طرف إعلاماً يصنع له السردية والقصة الخبرية التي تخدم موقعه في الصراع والمصالح التي دفعت به إلى الصراع. بمعنى آخر، فإن وسائل الإعلام المرتبطة بأطراف الصراعات الدولية الراهنة تحولت إلى معامل لصناعة الأخبار، ومطابخ لإعداد وجبات الأخبار وفق المقادير اللازمة أو هي ورشات خياطة تحيك الخبر على مقاس المصلحة والهدف.

لنتذكر جيداً أن الإعلام ليس حراً في المطلق ولم يكن يوماً كذلك. فقط ارتباطه بالآيديولوجيات والقضايا الكبرى في وقت ما جعل من الخطاب الإعلامي متعلقاً بالفكر في جانب وافر منه. ومنذ سنوات أصبحنا نتحدث عن أجندات خاصة بوسائل الإعلام تظهر في الصراعات الكبرى: بيار بورديو في كتابه «التلفزيون والتلاعب بالعقول» تناول ظاهرة التشابه بين وسائل الإعلام، وكيف أن الأخبار هي نفسها والمعالجات هي ذاتها. وهي ظاهرة قائمة الذات، غير أن الاختلاف بين وسائل الإعلام لا يمكن تحديده إلا في الصراعات التي تفرض على وسائل الإعلام الكشف عن أقنعة أجنداتها المخفية.

إذن في اليوم العالمي للصحافة نستنتج أن حرية الصحافة ليست فقط نسبية ومرتبطة بأجندات وموازين قوى، بل إن ما يستحق التفكير فيه اليوم هو إلى أي حد أصبح تهديد حرية الصحافة خطيراً؟

عندما كانت الصحف تعتمد على المبيعات وعلى القراء، كانت مواجهتها للضغوط وكسب معركة الحد الأدنى من الحرية والنقد نلمسها في المعالجة الإخبارية وكمِّ المعلومات ذات المصداقية. في حين أن الثورة في تكنولوجيا الاتصال قضت على القارئ الذي كان ينتظر الغد ليطلع على الأخبار والمعلومات الجديدة. لذلك فإن حرية الصحافة تواجه تحديات اقتصادية عميقة بسبب موت القارئ الذي كان يدفع ثمن الحد الأدنى من المصداقية، ولن تستطيع المنصات الإلكترونية البديلة مجهولة الهويات اليوم أن تعوِّض وسائل الإعلام التي على الأقل كنا قادرين على تمييزها ونقدها وتسميتها. سنغرق أكثر في أكذوبة تدفق المعلومات إلى حين إعادة إنتاج الصحافة لدور يجعل منها مرآة نقيس من خلالها حرية التعبير والمصداقية والضمير.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خياطة الخبر خياطة الخبر



GMT 15:42 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

سيارات على طريق القدس

GMT 15:40 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

اختفاء موسى الصدر... المجد للصحافة

GMT 15:38 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

قمة شنغهاي وإقامة نظام عالمي جديد

GMT 15:36 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

القرار والأخطار والمستشار

GMT 15:35 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

بيولوجيا السياسة... شي وبوتين

GMT 15:32 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

معادلة برّي: تطبيع ما هو غير طبيعي

GMT 15:30 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

طب الفاتيكان كمان وكمان

GMT 15:28 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

القضية فى ست كلمات

داليدا خليل تودّع العزوبية بإطلالة بيضاء ساحرة وتخطف الأنظار بأناقة لا تُنسى

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 22:09 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

سيلينا غوميز تحتفل بمرور عشر سنوات على ألبوم Revival
المغرب اليوم - سيلينا غوميز تحتفل بمرور عشر سنوات على ألبوم Revival

GMT 15:40 2017 الإثنين ,17 إبريل / نيسان

جمهور "الرجاء" ضمن أفضل عشرة مشجعين في العالم

GMT 02:22 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شركة "DFSK" تطرح السيارة "K01" في مصر بـ46 ألف جنيه

GMT 10:13 2023 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يُؤكد أنه يقف بنسبة 100 بالمئة إلى جانب إسرائيل

GMT 16:52 2022 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

منتخب البرازيل يعلن مدة غياب نيمار عن الملاعب

GMT 18:23 2022 الإثنين ,10 كانون الثاني / يناير

المغرب يعلن اكتشاف كمية مهمة من الغاز قبالة سواحل العرائش

GMT 06:33 2021 الثلاثاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تضاعف الاستثمارات الخارجية للمغرب 5 مرات مع نمو الصادرات

GMT 18:10 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 06:05 2020 الجمعة ,12 حزيران / يونيو

أحذية رجالية بتصاميم استثنائية من "ستيف مادن"

GMT 20:18 2020 الإثنين ,27 إبريل / نيسان

مطعم أسترالي ينقل البيتزا بالطائرة دليفري
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib