أيام ازدهار السياسات «الترمبية»

أيام ازدهار السياسات «الترمبية»

المغرب اليوم -

أيام ازدهار السياسات «الترمبية»

أمير طاهري
بقلم - أمير طاهري

لم يكد يمضي شهرٌ تقريباً على اليوم، الذي تابع خلاله مُشاهدو التلفزيون عبر مختلف أنحاء العالم مشهداً ظهر فيه الرئيس الأميركي دونالد ترمب يعامل الرئيس الأوكراني الزائر فولوديمير زيلينسكي، كإحدى دمى الفودو المُصممة لغرس الإبر وتحطيم اللعنات.

وبعد انقضاء المشهد، تكهّن مُقدّمو البرامج التلفزيونية بأن زيلينسكي، بمجيئه إلى البيت الأبيض مرتدياً ملابس جعلته يبدو أقرب إلى أحد نجوم موسيقى «الروك»، وليس رجل دولة، أغضب ترمب، وبالتالي استحق ما لقيه من معاملة.

ومع ذلك، فوجئنا الأسبوع الماضي بأن ترمب استقبل شاباً آخر ارتدى مثل نجوم «الروك»، وليس رجال الدولة، لكن هذه المرة بدفءٍ ولباقةٍ واضحين. ولم يكن هذا الضيف المحظوظ سوى رئيس السلفادور نجيب بقيلة، البالغ 37 عاماً.

إذاً، ما سر هذا الاختلاف في معاملة رئيسَي دولة أجنبيين؟

الجواب؛ زيلينسكي يُمثل نمطاً سياسياً هيمن على الديمقراطيات الغربية، على مدى العقود الثلاثة الماضية، على الأقل نمط يرمز إليه أشخاصٌ مثل باراك أوباما وجو بايدن، أي كل ما ثار عليه ترمب. في المقابل، فإن بقيلة، وإن كان مبتدئاً في عالم السياسة، فإنه «ترمبي» النزعة بالفطرة.

والآن، ما السمات المميزة لـ«الترمبية»؟

حاول منتقدو ترمب الكسالى الإجابة عن هذا السؤال بأوصاف مثل «الاستبدادي» حتى «الفاشي»، مثلما فعلت الراحلة مادلين أولبرايت. ومع ذلك، قد تكون السمة الأولى للترمبية، تركيزها على قضايا ملموسة، بدلاً عن القضايا الفكرية المجردة؛ قضايا مثل تفاقم معدلات الجريمة، والهجرة غير الشرعية، وازدياد معدلات الفقر، والصوابية السياسية، والتجارة غير العادلة، والتمييز باسم مكافحة التمييز.

أما السمة الثانية، فتتركز حول قناعتها بأن السياسة فن الفعل، لا الحديث عما يتعين فعله. ومن الأمثلة على الوجه الأخير، أوباما، الذي كان كلما واجهته مشكلة، ألقى خطاباً، ثم انتقل إلى موضوع آخر. وصدق أو لا تصدق، لقد ألقى أوباما خطاباً عن الحاجة إلى جمهور المتحولين جنسياً، وآخر نسب فيه الفضل وراء اختراع السينما إلى صانع عدسات في بغداد في العصور الوسطى.

في المقابل، نجد أن السياسي «الترمبي» رجل أفعال، وحريص على عدم تجاوز الحد الأقصى الذي حدده موقع «إكس»، «تويتر» سابقاً، البالغ 280 حرفاً. أضف إلى ذلك، أنه ليس مغرماً بقراءة التقارير، التي تُعدّها الأجهزة البيروقراطية الحديثة المتضخمة. يذكر أن الرئيس الراحل جيمي كارتر سبق أن ادّعى أنه كان يقضي 5 ساعات، على الأقل، يومياً في قراءة مثل هذه التقارير، وبالطبع نحن على دراية بسجله.

في الواقع، منذ فجر البشرية، لطالما شهدت السياسة أولئك الذين يتحدثون، والآخرين الذين يفعلون. على سبيل المثال، كان ماركوس أوريليوس فيلسوفاً، لم يشأ أن يُشتّت انتباهه بالعمل، وانتهى به الأمر إلى كونه آخر «الأباطرة الخمسة الصالحين».

الآن، دعونا نعود إلى بقيلة. عندما تولى الرئاسة، كانت السلفادور أكثر دول العالم عنفاً، متقدمةً على هندوراس وجنوب أفريقيا في جرائم القتل. بعد 5 سنوات، ومع فوزه بفترة رئاسة ثانية بأغلبية ساحقة، أصبحت أكثر دول العالم أمناً في نصف الكرة الغربي، متقدمةً على كندا. وحقق بقيلة ذلك بسحق مئات العصابات، التي أرهبت البلاد وشلّت اقتصادها.ومع ذلك، وصفته «منظمة العفو الدولية» بأنه «ديكتاتور يتجاهل حقوق الإنسان»، وعدّته وسائل الإعلام الليبرالية العالمية في الغرب «عدواً للديمقراطية». ومع ذلك، أُعيد انتخابه بنسبة 84 في المائة من الأصوات، في انتخابات اتفق الجميع على أنها الأكثر نزاهة في تاريخ أميركا الوسطى. ونجد سياسي «ترمبي» آخر في بؤرة الضوء اليوم، في الرئيس الأرجنتيني خافيير ميلي. حتى قبل عام، وصفته النخب الليبرالية الجديدة بأنه «مستبد»، ورجل يستولي على خبز الفقراء ليعطيه للأغنياء. اليوم، تحاول النخب نفسها داخل فرنسا وألمانيا محاكاة سياسته في خفض الإنفاق العام، وبالتالي الدين العام، في الوقت الذي يوقع أقرانهم في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي شيكات لحساب الأرجنتين.

ومن أوائل السياسيين «الترمبيين»، الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي (2016 - 2022)، الذي تولى رئاسة واحدة من أكثر دول العالم التي كانت تعاني تفشي المخدرات، وتركها خالية نسبياً من هذا الوباء. اليوم، أصبح الحصول على المخدرات في ساحة ماكاتي في مانيلا أكثر صعوبة من ساحة الكونكورد في باريس.

كما يحاول وزير العدل الفرنسي جيرار دارمانين، الآن، أن يحذو حذو دوتيرتي بإعلان الحرب على عصابات المخدرات، وبناء أكثر من 3000 زنزانة سجن جديدة.

وتتشارك هايتي وجمهورية الدومينيكان جزيرة واحدة. ومع ذلك، في الوقت الذي تتدهور الأوضاع داخل هايتي، التي يحكمها المحامون وتتفشى فيها العصابات، باعتبارها دولة فاشلة، فإن جارتها الدومينيكية تزدهر في عهد رئيس «ترمبي» لويس أبي نادر، الذي تبلغ نسبة تأييده نحو 70 في المائة، خلف نسبة تأييد بقيلة البالغة 84 في المائة.

هل يجرؤ أحد على إضافة فيكتور أوربان، عدوّ النخبة في الاتحاد الأوروبي، إلى قائمة القادة «الترمبيين»؟

كان أوربان دونما شكّ رجل أفعال لا أقوال، إذ ترجم مزاج الشعب المجري إلى سياسات ملموسة، بدلاً من الانغماس في تحليله حتى الغثيان.

ويُدرج بعض المحللين فلاديمير بوتين، الرئيس الروسي، ضمن القادة «الترمبيين». لا شك في أنه كان رجل أفعال بغزوه جورجيا وأوكرانيا، لا أقوال. إلا أنه، على عكس «الترمبيين» سالفي الذكر، أفعاله لم تُعالج أياً من مشكلات روسيا الحقيقية، فقد جرّ بلاده إلى حرب مكلفة من دون أي أمل في خدمة المصالح الروسية على المدى الطويل.

باختصار... تميل «الترمبية» إلى التعامل بحزم مع القضايا التي تهم المواطنين العاديين، الذين وصفتهم هيلاري كلينتون بـ«المُستهجنين»، بدلاً من تحليل هذه القضايا ومحوها من الوجود عبر لغة النخبة وإنسانية زائفة.

الحقيقة أن الفترة الراهنة أيام واعدة للنهج «الترمبي» على الصعيد السياسي. مع ذلك، لا يوجد بالطبع ما يضمن نجاح النهج «الترمبي» على المدى المتوسط أو البعيد، في منع عودة الأمور إلى مسارها السابق، لكنه بالتأكيد يستحق المحاولة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أيام ازدهار السياسات «الترمبية» أيام ازدهار السياسات «الترمبية»



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 23:15 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل تتسلم رفات رهينتين من حماس عبر الصليب الأحمر
المغرب اليوم - إسرائيل تتسلم رفات رهينتين من حماس عبر الصليب الأحمر

GMT 13:39 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر
المغرب اليوم - حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر

GMT 18:50 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أروى جودة تتعرض لموقف محرج في «الجونة»

GMT 21:59 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"كيا" تطلق سيارة كهربائية متطورة قريبا

GMT 02:14 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

برج "برواز دبي" يَجذب مليون زائر في عام واحد

GMT 21:28 2018 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

سفير المغرب في هولندا يكرم البطل التجارتي

GMT 02:30 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

"50 فكرة عن" الاقتصاد" كتاب حول النظم الاقتصادية

GMT 02:02 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

عمرو عمارة يبيّن أسباب تسوس الأسنان

GMT 15:25 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

الفنادق الأكثر جاذبية في العالم خلال عام 2018

GMT 18:10 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

لعبة "أسياد الشرق" صراعات ملحميّة تحاكي صراع الجبابرة

GMT 22:51 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يرغب في استقبال الدفاع الجديدي في ملعب العبدي

GMT 04:26 2016 الخميس ,25 شباط / فبراير

حرق سعرات حرارية دون بذل مجهود

GMT 21:07 2015 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

ميرفت أمين بين نجوم فيلم "هتقتل تسعة"

GMT 03:10 2017 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

منتجع جزيرة ميليدهو ملاذ زوار المالديف في فصل الشتاء

GMT 05:56 2015 الأربعاء ,23 أيلول / سبتمبر

أبطال مسلسل "البيوت أسرار" يكملون تصوير مشاهدهم

GMT 09:29 2016 الجمعة ,07 تشرين الأول / أكتوبر

عطور نسائية تجذب الرجال وتزيد من دفء العلاقة الحميمة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib