ترمب وفخ المرشد

ترمب وفخ المرشد

المغرب اليوم -

ترمب وفخ المرشد

أمير طاهري
بقلم - أمير طاهري

بعد انقطاع دام ثلاث سنوات، من المتوقع أن يعود مسلسل بدأت حلقاته قبل نحو خمسين عاماً، إلى شاشات العرض العالمية في موسم جديد: العم سام يتودد إلى ملالي طهران.

جاءت انطلاقة الموسم الجديد برسالة بعث بها الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المرشد علي خامنئي، قبل ثلاثة أسابيع، يُقال إنها تحمل دعوة إلى لقاء ودّي مباشر.

كان الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر قد بعث برسالة مشابهة إلى الخميني، في أثناء وجوده في المنفى بإحدى ضواحي باريس عام 1978. وتولى مهمة تسليم الرسالة المدعي العام الأميركي السابق رامزي كلارك. كما كتب كارتر رسالة أخرى إلى الخميني بعد عام، عندما استولى الخميني على السلطة في طهران. وقد سلمها مستشار الأمن الوطني لكارتر، زبيغنيو بريجنسكي، في اجتماع مع رئيس وزراء الخميني، مهدي بازركان. وكررت الرسالة رغبة واشنطن في التعاون الودي مع النظام الجديد في إيران. وغادر كارتر البيت الأبيض من دون أن يتلقى رداً مكتوباً على رسالته. ناهيك بذلك، وافق الخميني على مداهمة السفارة الأميركية في طهران، واحتجاز دبلوماسييها بوصفهم رهائن.

ورغم ذلك، استغلّ الرئيس رونالد ريغان، خليفة كارتر، موهبته في كتابة الرسائل في صياغة رسالة من خمس صفحات إلى الخميني، مرفقة بكعكة ضخمة وإنجيل مغلّف بشكل مغربي جميل، ومسدس كولت-45 نصف آلي. وجاء رد الخميني في صورة أوامر باحتجاز المزيد من الرهائن الأميركيين لتمويل الهجوم على ثكنة أميركية عام 1983، مما أسفر عن مقتل 241 عسكرياً أميركياً، قرب مطار بيروت.

ورغم كل ذلك، لم يستطع الرئيس جورج بوش الأب، خليفة ريغان، مقاومة إغراء كتابة الرسائل، فوجّه دعوة خاصة إلى ملالي طهران لإجراء محادثات، مستنداً إلى شعار «النيّات الحسنة تولد النيّات الحسنة». وقرر بيل كلينتون، بصفته رئيساً، التودد إلى الملا الذي خلف الخميني، عبر «الاعتذار» إليه عن أخطاء غير محددة ارتكبتها واشنطن. رداً على ذلك، صعّدت طهران حملتها «لتصدير الثورة»، عبر قصف مواقع مختلفة في الشرق الأوسط يتمركز بها الجيش الأميركي.

من جهته، أطاح الرئيس جورج دبليو. بوش بألدّ أعداء طهران في العراق وأفغانستان، من خلال الإطاحة بصدام حسين والملا عمر. وجاء رد طهران في صورة حملة هجمات متواصلة ضد القوات الأميركية في العراق وأفغانستان، إلى جانب حشد ونشر المرتزقة في لبنان وسوريا والعراق، وبين اللاجئين الفلسطينيين في المنطقة وخارجها.

في أثناء فترة رئاسته، حاول الرئيس باراك أوباما اتباع نهج مختلف: فبدلاً من إرسال «الخطابات الغرامية» إلى الملالي، قرر إغداقهم بالهدايا، بما في ذلك تهريب الأموال إليهم عبر قبرص، ومعاملة إيران بوصفها قوة غير مُلزمة بميثاق الأمم المتحدة. إلا أن هذا النهج مُني بالفشل هو الآخر.

بعد ذلك، جاءت رئاسة ترمب الأولى لتوقف مخطط أوباما، وأحيت تقليد الرسائل الذي أرساه كارتر. وبالفعل، أقنع ترمب رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، لتسليم الرسالة إلى خامنئي. رفض الأخير تسلم الرسالة، وأرسل آبي في طريق العودة بعد خطاب مُهين. وردّ ترمب بإعلان قائمة مطالب من 12 نقطة، قال إن على طهران الوفاء بها، وإلا واجهت «أقصى قدر من الضغط». من جهته، تجاهل خامنئي الأمر برمته، بل أعلن أنه غير مسموح بالحديث مع الأميركيين. وجاءت رئاسة بايدن، التي كانت قصيرة الأجل، لتسير على نفس نهج أوباما، وعمدت إلى تدليل طهران، مكررةً المطلب الأميركي الذي لا ينتهي بعقد «مفاوضات». والآن، في ولايته الثانية، عاد ترمب برسالة جديدة. إلا أنه هذه المرة، قبِلَ خامنئي الرسالة، بل وقّع رداً عليها بعد أسبوعين فقط من تصريحه بأن الحديث إلى ترمب «أمر مخزٍ».

ربما لا يُفضي هذا إلى أي نتيجة مرة أخرى. ومع ذلك، فإن شيئاً كبيراً قد حدث بالفعل؛ فللمرة الأولى في عقده الرابع بوصفه حاكم إيران، تحمّل خامنئي مسؤولية قرار رئيس، بدلاً من ممارسة السلطة من دون مسؤولية.

في الوقت نفسه، دفع خامنئي الكرة مجدداً إلى ترمب، عبر رفضه الدخول في محادثات مباشرة، واقتراحه عقد محادثات غير مباشرة. إذا قبل ترمب فسيكون باستطاعة المرشد الادعاء بأنه حقق نصراً آخر. أما إذا رفض فسيزعم المرشد أنه أظهر حسن نية، لكنه قوبل بالرفض.

اليوم، هدف طهران إما إفشال الأمر برمته وإلقاء اللوم على ترمب، وإما التباطؤ على أمل أن تُضعف الانتخابات النصفية الأميركية حظوظ ترمب. في مثل هذا السيناريو، قد تستغرق المحادثات حول مَن سيلعب دور الوسيط أسابيع، إن لم تكن أشهراً. ويتمثل الخيار المنطقي، هنا، في تسمية سويسرا، التي تُمثل المصالح الأميركية في طهران، أو باكستان التي تضطلع بالدور ذاته لصالح إيران داخل واشنطن.

ومع ذلك، ألمح نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي ريابكوف، الثلاثاء، إلى اهتمام موسكو بالاضطلاع بدور الوسيط. وألمحت طهران إلى تفضيلها سلطنة عُمان، بينما قد ترى واشنطن أن عمان قريبة للغاية من إيران على نحو لا يسمح لها بإنجاز هذا الدور.

بمجرد أن يتفق الجانبان على وسيط، إذا ما اتفقا، ستكون هناك حاجة إلى عقد محادثات حول مستوى المفاوضات الرئيسية ومكانها. بعد ذلك، يمكن إجراء محادثات لتحديد جدول الأعمال. أما الخطوة التالية، فستكون التعامل مع ما تُسمى «القضايا العالقة» -قضايا تسهل تسويتها.

في الوقت الحالي، ليس من الواضح على وجه التحديد ما القضايا التي يرغب ترمب في إدراجها في أي جدول أعمال محتمل لمحادثاته المقترحة. ومع ذلك، تحرص طهران على حصر أي محادثات في القضية النووية مقابل رفع العقوبات. وتقول مصادر داخل طهران إن المرشد قد يوافق على إعلان تعليق لمدة 18 شهراً لمشروعه النووي، بشرط رفع العقوبات وتفكيك آلية إعادة تفعيل العقوبات، التي من المقرر أن يُفعّلها مجلس الأمن الدولي، في أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

والمعنى الضمني خلف كل ذلك يكمن في اعتقاد خامنئي أنه بما أنه والخميني نجحا في التلاعب بسبعة رؤساء أميركيين، كما لو كانا يعزفان على آلة الماندولين، فليس ثمة ما يمنع من نجاح الأمر مع الرئيس الثامن.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترمب وفخ المرشد ترمب وفخ المرشد



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 23:15 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل تتسلم رفات رهينتين من حماس عبر الصليب الأحمر
المغرب اليوم - إسرائيل تتسلم رفات رهينتين من حماس عبر الصليب الأحمر

GMT 13:39 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر
المغرب اليوم - حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر

GMT 18:50 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أروى جودة تتعرض لموقف محرج في «الجونة»

GMT 21:59 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"كيا" تطلق سيارة كهربائية متطورة قريبا

GMT 02:14 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

برج "برواز دبي" يَجذب مليون زائر في عام واحد

GMT 21:28 2018 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

سفير المغرب في هولندا يكرم البطل التجارتي

GMT 02:30 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

"50 فكرة عن" الاقتصاد" كتاب حول النظم الاقتصادية

GMT 02:02 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

عمرو عمارة يبيّن أسباب تسوس الأسنان

GMT 15:25 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

الفنادق الأكثر جاذبية في العالم خلال عام 2018

GMT 18:10 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

لعبة "أسياد الشرق" صراعات ملحميّة تحاكي صراع الجبابرة

GMT 22:51 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يرغب في استقبال الدفاع الجديدي في ملعب العبدي

GMT 04:26 2016 الخميس ,25 شباط / فبراير

حرق سعرات حرارية دون بذل مجهود

GMT 21:07 2015 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

ميرفت أمين بين نجوم فيلم "هتقتل تسعة"

GMT 03:10 2017 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

منتجع جزيرة ميليدهو ملاذ زوار المالديف في فصل الشتاء

GMT 05:56 2015 الأربعاء ,23 أيلول / سبتمبر

أبطال مسلسل "البيوت أسرار" يكملون تصوير مشاهدهم

GMT 09:29 2016 الجمعة ,07 تشرين الأول / أكتوبر

عطور نسائية تجذب الرجال وتزيد من دفء العلاقة الحميمة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib