جدلية الأنا والآخر

جدلية الأنا والآخر

المغرب اليوم -

جدلية الأنا والآخر

يوسف بلال

يشكل مفهوم العقل أحد المفاهيم الأوسع انتشارا في الساحة العربية الإسلامية منذ أكثر من قرن. وبالنسبة للعديد من دعاة الإصلاح والمثقفين العرب، يحتاج المسلمون إلى «الرجوع» إلى العقل العربي «المتنور» لأن مشروع «النهضة» لا يمكن له أن يتحقق ما دامت المجتمعات المسلمة تتهرب من العقلانية. وإذا كان الخطاب السائد في العالم العربي في  القرن العشرين يدور حول فكرة «النهضة»، فقد تمركز، منذ أواخر الثمانينيات من القرن الماضي حتى اليوم، حول مشروع «الحداثة». وإذا كان مشروع النهضة يسعى إلى تحرير المجتمعات العربية من هيمنة الغرب الاقتصادية والثقافية، فإن أصحاب مشروع الحداثة يعتبرون أن العالم العربي الإسلامي يحتاج فقط إلى استنساخ التجربة الغربية، وتملك الخبرة الفنية وتبني قيم وثقافة الغرب. والمفارقة هي أن كلا المشروعين يعتبران أن المجتمعات العربية الإسلامية عاشت مرحلة «انحطاط» منذ القرن الثامن الهجري (الخامس عشر ميلادي) وزوال «العهد الذهبي» الذي كان يتميز بتطور العلوم والفنون واعتماد «العقل» بالخصوص خلال أيام المعتزلة واعتمادهم المؤلفات الفلسفية اليونانية. وهذا التصور للتاريخ العربي الإسلامي موجود كذلك عند المستشرقين والمستعمرين الغربيين، الذين كانوا يعتبرون أن المجتمعات العربية الإسلامية كانت تحتاج إلى استعمار يمهد لها طريق «الحضارة» بعد «قرون من الانحطاط» و»التخلي عن العقل». وفي الواقع، هذا الفهم للتاريخ يحمل معه عنفا معنويا يضع «الأنا» (أو «الآخر» من منظور المستشرقين والمستعمرين) الفردية والجماعية في علاقة قوة وهيمنة مدمرة مبنية تجعله يحتقر نفسه وتكرار خطاب مشؤوم أو في بعض الأحيان ساذج يعتبر أن لا مستقبل للعرب إلا في ركوب «قطار التاريخ». وفي الحقيقة، الإشكال لا يكمن في الاختيار بين اعتماد «العقل» وعدمه، وإنما يتجلى في قدرة الأنا الجماعية والفردية على التحرر من فكر سجين ثنائية «السيد والعبد» (حسب تعبير الفيلسوف الألماني فريدريش هيغل في كتابه «ظاهريات الروح») والانفتاح على العالم غير الغربي والمكونات المتعددة للعالم الإسلامي نفسه. وبالطبع، هذا لا يعني أنه يجب أن نتجاهل الواقع الذي فرض علينا هذه الثنائية، وإنما يعني أنه إذا كان الأنا يحتاج دائما إلى الآخر من أجل تحقيق ذاته، فهذا لا يعني أن الآخر يجب أن يكون واحدا ثابتا، وإنما يمكن له أن يتغير ما دام يساهم في بناء وتحقيق الذات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جدلية الأنا والآخر جدلية الأنا والآخر



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 16:43 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

منع دخول مغاربة إلى تونس يثير موجة شكاوى واستياء
المغرب اليوم - منع دخول مغاربة إلى تونس يثير موجة شكاوى واستياء

GMT 22:06 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الفيفا يهدد يإنزال الرجاء إلى دوري الدرجة الثانية

GMT 06:33 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض فني بمركز الأطفال المعوقين في عسير

GMT 01:55 2023 السبت ,03 حزيران / يونيو

العصبة تصدر عقوبات بالجملة في حق الأندية

GMT 19:17 2018 الخميس ,06 أيلول / سبتمبر

تعرف على أفضل وأرقى المطاعم في العالم العربي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib