لبنان ارتطام الملك

لبنان... ارتطام الملك

المغرب اليوم -

لبنان ارتطام الملك

مصطفى فحص
بقلم : مصطفى فحص

بين قضاء وقدر يلفظُ الكيانُ والدولةُ والمؤسساتُ والأحزابُ اللبنانية أنفاسَهم الأخيرة، بعد انقسام القضاء بين من يبحث عن عدالة مرجوة في جريمة موصوفة، وبين من يريد طمسها وكأن قدر اللبنانيين التعايش معها، لم يبق من أساسات الملك إلا حطامه بعد ارتطام العدالة بجدران السلطة، جدران محصنة بكل ما توفر من فتن وتزوير وفساد وجريمة منظمة واغتيالات وانقلابات، كان آخرها انقلاب قضائي قضى على القضاء وقد يقضي على لبنان.
«نيترات» قضائية فجرها المحقق العدلي بقضية انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار بوجه الطبقة السياسية، كاسرا ما تبقى من محرمات سياسية وطائفية تحاول المنظومة الحاكمة الحفاظ عليها، حفاظاً على ما تبقى من هيبتها على الشارع وسطوتها على الدولة، بعد أن فرضت عليها انتفاضة 17 تشرين 2019 وانفجار 4 آب 2021 التراجع خطوات كبيرة إلى الوراء تحت ضغوط معيشية وجنائية، ففي مقاربة أخرى للقوانين والأحكام تمكن البيطار من استعادة صلاحيته وقاد هجوما قضائياً واسع النطاق استدعى المنظمة بفروعها السياسية والأمنية والقضائية إلى التحقيق.
لم يتأخر الرد على البيطار أكثر من 24 ساعة، ولكن الصدمة أنه لم يكن سياسيا بل جاء من الجسم القضائي، بقرارات ألغت كل مفاعيل البيطار وحولته إلى شبه متهم، وهي مقدمة من أجل نسف التحقيق وتقويضه من الداخل، وربط العدالة بالسياسة وربط السياسة بالتسوية، وربط التسوية بمساومة مع الخارج، مساومة تعيد ترتيب بيوتات المنظومة الحاكمة الطائفية والحزبية، وفقاً لقواعد جديدة بدأ الانقلاب القضائي في بلورتها.
منذ خروج ميشال عون من قصر بعبدا (القصر الجمهوري) دخل لبنان مرحلة فراغ مدروس، تديره قوى المنظومة التي تواجه صعوبة في إعادة تشكيل السلطة على غرار ما حدث سنة 2016، حيث نجحت في فرض انتخاب ميشال عون رئيساً، وسنة 2018 في إجراء انتخابات تشريعية وفقاً لقانون انتخابات يؤمن سيطرتها المطلقة على البرلمان، إلا أنَّ هذه المنظومة وبرغم مما يواجهه لبنان دولة وشعباً من نكبات اقتصادية وجنائية وأزمات سياسية، لم تتخل عن أطماعها في استعادة كامل السلطة التي خسرت جزءاً منها في انتخابات 2022، وأن تعيد فرض مشيئتها على الداخل والخارج.
لذلك تحركت القوى الحاكمة أو المتحكمة بالمؤسسات نحو استحقاقاتها في توقيتات مريبة، تدخل في طياتها عوامل عدة محلية وأخرى دولية إضافةً إلى أبعاد قضائية وسياسية واقتصادية. محليا فقد أطلقت محركاتها الرئاسية بوجه برلمان معقد التركيبة قد تحتاج إلى استخدام أدوات غير تقليدية لكي تحصل على الأغلبية الدستورية - أي النصف زائد واحد - من أعضائه، ولكن حتى لو فرضت تفسيرها الخاص للدستور في آلية انتخاب الرئيس، فإنَّها ستواجه صعوبات كبيرة في إعادة تدجين بعض الكتل ودفعها إلى التصويت لصالحها، إضافةً إلى معارضة خارج السلطة وعدد من المستقلين والتغييريين يشكلون عائقاً حقيقياً ينزع منها شريعة الاستحقاق.
في المقلب الآخر ما بين التحقيق والاستحقاق، دخلت العملة الوطنية مرحلة تهاوٍ أشبه بالسقوط الحر، حيث لم يعد هناك أي مكابح توقف ارتفاع سعر صرف الدولار أمام العملة الوطنية، أو تضع حداً لحجم التضخم والغلاء وسط انعدام كامل في الرؤية وإمكانية حتى التفكير بمخارج تخفف الأعباء عن المواطنين، الأمر الذي دفع الأنظار نحو الشارع الذي يمكن أن ينفجر في أي لحظة وفي ظروف مختلفة عن تلك التي حدثت في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2019، ما قد يؤدي إلى فوضى أهلية مكلفة في الأرواح والأرزاق، خصوصاً أن هناك أطرافاً تدفع إلى تحريك شارعها ضمن مخطط أهدافها الخاصة، ولكن القلق أنها غير قادرة على الإمساك طويلاً به وهذا قد يؤدي إلى أعمال شغب أو احتكاكات بينه وبين شارع «التشارنة»، قد يعجز ما تبقى من أجهزة الدولة على احتوائه، فيكون نهاية استقرار هو أصلاً هش.
وعليه، فإن الارتطام الذي تكهن اللبنانيون بتوقيته وبشكله وحجمه أصبح واقعاً، ولكن الصدمة أنه جاء قضائياً ليقول للجميع إنه لم يعد لديكم ما تخسرونه فإما القضاء وإما القدر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان ارتطام الملك لبنان ارتطام الملك



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

شريهان تتألق بالملابس الفرعونية في احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير

القاهرة _ المغرب اليوم

GMT 21:19 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

هولندا تعيد تمثالاً فرعونيًا عمره 3500 عام إلى مصر
المغرب اليوم - هولندا تعيد تمثالاً فرعونيًا عمره 3500 عام إلى مصر

GMT 21:56 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

تركيا تُعلن استعداد حماس لتسليم حكم غزة إلى لجنة فلسطينية
المغرب اليوم - تركيا تُعلن استعداد حماس لتسليم حكم غزة إلى لجنة فلسطينية

GMT 18:48 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مايكروسوفت توقع صفقة حوسبة ضخمة بقيمة 9.7 مليار دولار
المغرب اليوم - مايكروسوفت توقع صفقة حوسبة ضخمة بقيمة 9.7 مليار دولار

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 13:46 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

القلق يسيطر علي إدارة اتحاد طنجة بسبب النتائج السلبية

GMT 09:54 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

ديكورات حدائق منزلية صغيرة خارجية مميزة

GMT 08:36 2018 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

تعرفي على كيفية صنع صبغات شعر طبيعية لتغيير لونه

GMT 07:36 2018 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

"مرسيدس الفئة S" تمثل أفضل سيارة في العالم

GMT 09:53 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

AZZARO WANTED العطر المناسب للرجل الذي لا يعرف المستحيل

GMT 14:11 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

أتلتيكو مدريد يلجأ إلى أسلوب ذكي ليحشد الجماهير في الملعب

GMT 07:50 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل المعاطف للشتاء بأسعار معقولة وألوان حيادية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib