خيار فؤاد شهاب… ونجاة لبنان

خيار فؤاد شهاب… ونجاة لبنان

المغرب اليوم -

خيار فؤاد شهاب… ونجاة لبنان

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

يفترض بلبنان إعداد نفسه لكلّ الاحتمالات والمفاجآت على الصعيد الإقليمي، بغضّ النظر عمّا إذا كانت سوريا ذاهبة إلى استقرار أو إلى مرحلة من الاضطرابات الداخلية. لم يزدهر لبنان يوماً إلّا في ظروف تحصين وضعه الداخلي، وذلك عن طريق إبقاء نفسه بعيداً عن التأثير المباشر لأوضاع سوريا عليه.

نجح الرئيس كميل شمعون في ذلك نسبيّاً، لكنّ المواجهة مع جمال عبدالناصر وتمسُّك شمعون بسياسة موالية للغرب، علاوة على استعدائه مجموعة من السياسيين اللبنانيين في مستوى صائب سلام وكمال جنبلاط وغيرهما… ورفض حسم موضوع التجديد بعد انتهاء عهده، جعل لبنان على شفير حرب أهليّة سُمّيت أحداث 1958. تدخّلت سوريا، وكانت في وحدة مع مصر، بكلّ الوسائل المتاحة من أجل التخلّص من كميل شمعون. شمل ذلك إرسال مسلّحين إلى لبنان وأسلحة وذخائر وأموال.

بقي لبنان في منأى عن النفوذ المباشر لحاكم سوريا إبّان الوحدة مع مصر (1958 – 1961). ما لبث جمال عبدالناصر نفسه أن فهم خصوصيّة الوضع اللبناني بعدما تولّى فؤاد شهاب الرئاسة. اعتبر الزعيم العربي أنّه شفى غليله برحيل كميل شمعون عن موقع رئيس الجمهوريّة. رتّب فؤاد شهاب البيت الداخلي اللبناني، ورتّب في الوقت ذاته طبيعة العلاقات اللبنانيّة – العربيّة على الرغم من الشخصيّة الطاغية لجمال عبدالناصر. حرص على أن يكون اللقاء التاريخي مع الزعيم العربي في خيمة نُصبت عند الحدود بين البلدين، نصف الخيمة في الأراضي السورية والنصف الآخر في الأراضي اللبنانية. بالطبع، رافق فؤاد شهاب رئيس الوزراء وكان الحاج حسين العويني. بالطبع أيضاً، قدّم فؤاد شهاب تنازلات كثيرة لجمال عبدالناصر شملت جعل السفير المصري في بيروت عبدالحميد غالب شبيهاً بمفوّض سامٍ.

يفترض بلبنان إعداد نفسه لكلّ الاحتمالات والمفاجآت على الصعيد الإقليمي، بغضّ النظر عمّا إذا كانت سوريا ذاهبة إلى استقرار أو إلى مرحلة من الاضطرابات الداخلية
عجز النّظام الجديد

وضع لقاء الخيمة الذي انعقد في 9 شباط 1959 الأسس الصحّيّة، وغير الصحّيّة أحياناً، لعلاقات بين لبنان وسوريا، وحتّى بين لبنان ومصر، وذلك على الرغم من سقوط مشروع الوحدة المصرية – السوريّة في 28 أيلول 1961. بقي لبنان مزدهراً وبقي حالة فريدة من نوعها في المنطقة. كان أهمّ ما قام به لبنان، وقتذاك، ترتيب أوضاعه الداخلية بمعزل عن التقلّبات السوريّة. أهمّ ما فعله لبنان عدم مشاركته في حرب 1967. لم تحتلّ إسرائيل شبراً من أرضه… إلى أن جاء اتّفاق القاهرة في خريف عام 1969 الذي فُرض عليه في ضوء التشرذم الداخلي. تمثّل هذا التشرذم في الانقياد السنّيّ وراء الشعارات الفارغة من جهة، والجهل المسيحي بخطورة الرغبة في الوصول إلى موقع رئيس الجمهوريّة بأيّ ثمن من جهة أخرى.

ترافق توقيع اتّفاق القاهرة مع بداية صعود نجم حافظ الأسد في سوريا، كوزير للدفاع تولّى في 1967 تسليم الجولان إلى إسرائيل.

في الوقت الراهن، تشير أحداث السويداء، حيث يقيم معظم دروز سوريا، وما تخلّلها من أعمال عنف ذات طابع مذهبي وتدخّل إسرائيلي مباشر، إلى تراجع قدرة النظام الجديد برئاسة أحمد الشرع عن بناء الثقة بينه وبين مختلف مكوّنات الشعب السوري. لا يتعلّق الأمر بالدروز فحسب، بل بالمسيحيين والعلويين وقسم لا بأس به من سُنّة المدن.

أكثر من ذلك، توجد مشكلة حقيقية ما زالت قائمة مع الأكراد، خصوصاً مع “قوّات سوريا الديمقراطيّة” (قسد) التي لا تزال قوّة عسكرية لا يمكن الاستهانة بها في شمال سوريا وشمال شرقها. لا يزال البحث جارياً، على الرغم من تدخّلات المبعوث الأميركي توم بارّاك، عن صيغة تعايش بين النظام الجديد و”قسد” في ظلّ انعدام الثقة بين الجانبين.

ترافق توقيع اتّفاق القاهرة مع بداية صعود نجم حافظ الأسد في سوريا، كوزير للدفاع تولّى في 1967 تسليم الجولان إلى إسرائيل
لبنان أوّلاً

ما الذي يستطيع لبنان عمله في ظلّ الظروف الراهنة؟ الأكيد أن ليس في استطاعة البلد غير التخلّص من سلاح “الحزب”، الذي هو سلاح إيراني أوّلاً وأخيراً، والعودة إلى تجربة فؤاد شهاب، بمعنى أنّ المطلوب التطلّع إلى ما يجري في سوريا، كما يقترح المبعوث الأميركي توم بارّاك، ولكن من دون السقوط في فخّ الرهان على أنّ سوريا ذاهبة “غداً” إلى مرحلة استقرار.

يوجد وضع جديد في سوريا. ليس أمام لبنان سوى التعامل مع هذا الوضع الجديد بحسناته وسيّئاته. من أهمّ الحسنات أن لا عودة إلى النظام العلويّ وحكم آل الأسد والرهان على حلف الأقليّات. من السيّئات أن إسرائيل لا تزال ؤافضة لاستقرار سوريا إلا بشروطها.

إقرأ أيضاً: أكراد سوريا: انقسام غربي حول المستقبل

هل يستطيع لبنان أن يضع نفسه تحت رحمة ما يحصل في سوريا؟ الجواب لا وألف لا. لذلك لا بديل من إعادة ترتيب الوضع اللبناني عبر استعادة تجربة فؤاد شهاب التي حقّقت سنوات طويلة من النموّ والازدهار، بما في ذلك في عهد شارل حلو بين 1964 و1970. كان هذا العهد، في بدايته فقط، امتداداً لعهد فؤاد شهاب. استطاع شارل حلو تفادي خوض حرب 1967، الخاسرة سلفاً، لكنّه سقط في امتحان اتّفاق القاهرة الذي هو في أساس خراب البلد.

في ضوء ما تشهده سوريا والتناقضات التي يتميّز بها كلام توم بارّاك يجد لبنان نفسه أمام أزمة وجوديّة بالفعل لا ينقذه منها غير خيار تجربة فؤاد شهاب وإن في ظروف إقليميّة مختلفة. لن يتجاوز هذه الأزمة في غياب رفع شعار “لبنان أوّلاً”. نعم، “لبنان أوّلاً”.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

خيار فؤاد شهاب… ونجاة لبنان خيار فؤاد شهاب… ونجاة لبنان



GMT 00:06 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

استقرار واستدامة

GMT 00:01 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

نسخة ليبية من «آسفين يا ريّس»!

GMT 23:59 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

بضع ملاحظات عن السلاح بوصفه شريك إسرائيل في قتلنا

GMT 23:58 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

ليبيا... أضاعوها ثم تعاركوا عليها

GMT 23:55 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

الأديان ومكافحة العنصرية في أوروبا

GMT 23:52 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

إن كنت ناسي أفكرك!!

GMT 23:49 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

سوء حظ السودان

نجمات الموضة يتألقن بإطلالات صيفية منعشة تجمع بين البساطة والأنوثة

دبي - المغرب اليوم

GMT 10:25 2016 الأربعاء ,18 أيار / مايو

أمير قطر يتسلم رسالة خطية من الرئيس السوداني

GMT 18:16 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

زيت شجرة الشاي لعلاج التهاب باطن العين

GMT 04:56 2016 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حركة النقل الجوي في مطارات المغرب بنسبة 1.79 %

GMT 13:04 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة "المغانا" تتبرأ من "تيفو" مباراة المغرب والغابون

GMT 22:00 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

ناصيف زيتون يحي صيف النجاحات وسط حضور جماهيري حاشد

GMT 19:55 2022 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

هبوط أسعار النفط مع تنامي مخاوف الصين من فيروس كورونا

GMT 15:06 2022 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أرباح "مصرف المغرب" تبلغ 438 مليون درهم

GMT 12:29 2022 السبت ,07 أيار / مايو

أفضل أنواع الهايلايتر لجميع أنواع البشرة

GMT 17:41 2022 السبت ,09 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4,3 درجات في إقليم الدريوْش

GMT 23:50 2022 الأربعاء ,26 كانون الثاني / يناير

"ناسا" ترصد مليون دولار لمن يحل مشكلة إطعام رواد الفضاء

GMT 20:42 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

مدريد تستعد لأشد تساقط للثلوج منذ عقود

GMT 01:34 2020 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

الحكم على المودل سلمى الشيمي ومصورها

GMT 22:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مُساعد جوسيب بارتوميو يظهر في انتخابات نادي برشلونة المقبلة

GMT 15:54 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز التوقعات لعودة تطبيق الحجر الصحي الكامل في المغرب

GMT 19:12 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أمن طنجة يحقق في اتهامات باغتصاب تلميذ قاصر داخل مدرسة

GMT 23:35 2020 الأحد ,13 أيلول / سبتمبر

فساتين سهرة باللون الأخضر الفاتح

GMT 23:41 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

بلاغ هام من وزارة "أمزازي" بشأن التعليم عن بعد
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib