طبيعة الحرب الأوكرانيّة تغيّرت…

طبيعة الحرب الأوكرانيّة تغيّرت…

المغرب اليوم -

طبيعة الحرب الأوكرانيّة تغيّرت…

خيرالله خيرالله
بقلم : خيرالله خيرالله

وعد الرئيس دونالد ترامب مع عودته إلى البيت الأبيض مطلع العام الجاري بوضع حدّ للحرب الأوكرانيّة. أكّد أنّه لو كان رئيسا في حينه، لما كانت هذه الحرب اندلعت أصلا. ما يحصل حاليا، خلافا لكلام ترامب ووعوده، يشير إلى أن الحرب التي تشنّها روسيا على أوكرانيا منذ 24 شباط – فبراير 2022 دخلت مرحلة جديدة مع اختراق مسيّرات روسيّة أجواء بولندا ورومانيا.

يؤكّد هذا التطوّر، الذي غيّر طبيعة الحرب، أنّ سقوط أوكرانيا أمام روسيا ليس سقوطا لدولة أوروبيّة بمقدار ما أنّه سقوط لأوروبا كلّها، خصوصا متى أخذنا في الاعتبار أنّ بولندا ورومانيا تنتميان إلى الحلف الأطلسي (ناتو).

من وجهة النظر الروسيّة، توجد فرصة للعودة إلى ما كانت عليه القارة العجوز قبل سقوط جدار برلين في تشرين الثاني – نوفمبر 1989 وإعادة توحيد ألمانيا. باتت أوكرانيا، ذات الأهمّية الكبيرة بسبب موقعها الجغرافي وثرواتها، ضحيّة أخرى لسياسة اعتمدها دونالد ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض من جهة وإيمان الرئيس فلاديمير بوتين بقدرته على استعادة الحلم الذي كان يجسّده، بالنسبة إليه، الاتحاد السوفياتي من جهة أخرى. لا يزال بوتين الضابط السابق في جهاز الاستخبارات السوفياتيّة (كي. جي. بي) عاجزا عن استيعاب أنّ الاتحاد السوفياتي سقط إلى غير رجعة وأنّ لا مجال للذهاب بعيدا في استغلال دونالد ترامب وموقفه من أوروبا كي يستعيد مرحلة ما قبل سقوط جدار برلين.

هل يؤدي تهاون ترامب مع بوتين إلى نتائج سلبية على أوكرانيا في وقت لم يعد الرئيس الروسي يتردّد في تحدي أوروبا المكرهة على التعايش مع حرب تدور على أبوابها

يوجد عاملان يعملان ضدّ الرئيس الروسي. أولّهما أن بلده، على الرغم من كلّ ما لديه من أسلحة، لا يمتلك الثروة الإنسانيّة ولا الاقتصاد اللذين يسمحان له بخوض حروب طويلة. تبدو مخيفة المعلومات الأكيدة عن الاستعانة بكوريين شماليين من أجل متابعة روسيا الحرب الأوكرانية. لا يقتصر الأمر على الكوريين الشماليين، توجد معلومات عن اللجوء إلى تجنيد روسيا لشبان يمنيين من أجل إرسالهم إلى جبهات القتال مع أوكرانيا.

في النهاية، إنّ الحرب مع أوكرانيا تكلّف الشعب الروسي كثيرا. هذا الشعب يتناقص عدده سنويا في ضوء المعدل المنخفض للولادات وبسبب معاناة الشعب الروسي من مشكلة الإدمان على الكحول. صحيح أن روسيا تمتلك صناعة عسكرية كبيرة، لكن الصحيح أيضا أن الحرب الأوكرانيّة والفشل في السيطرة على كييف كشفا ضعف الجيش الروسي من جهة ومدى تخلّف السلاح الذي يمتلكه هذا الجيش من جهة أخرى.

لا تمتلك روسيا ما يمكنها من الذهاب بعيدا في ابتزاز أوروبا عبر تهديد بولندا ورومانيا ومولدافيا ودول أخرى مثل دول البلطيق (لاتفيا وإستونيا وليتوانيا). لا يمكن لأوروبا، بقيادة ألمانيا وفرنسا وبريطانيا، الرضوخ لمشيئة روسيا وذلك على الرغم من كلّ المشاكل الداخليّة التي تعاني منها كلّ دولة من هذه الدول، وعلى الرغم من وجود طابور خامس روسي في الاتحاد الأوروبي الذي صارت بريطانيا خارجه. يتمثل هذا الطابور الخامس في هنغاريا التي فيها رئيس للوزراء يدعى فكتور أوربان يعتبر نفسه حليفا لبوتين. بدأت الدول الأوروبيّة تعيد النظر في سياساتها الدفاعية في ضوء الاستفزازات الروسية وموقف المتفرج منها الذي اعتمدته إدارة ترامب.

من الواضح أنّ الرئيس الروسي استعاد حديثا كلّ حيويته في أوكرانيا وباشر حملة عسكرية جديدة عليها بعيد مشاركته في قمة انعقدت في الصين لتجمع شنغهاي (انعقدت القمة في تيانجين). ظهر بوتين في تلك القمة على وفاق تام مع الصين والهند وكوريا الشمالية و”الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران. لا يدرك الرئيس الروسي أن لكلّ دولة من هذه الدول، بما في ذلك الصين، حسابات خاصة بها لا يمكن أن تساعده في المدى الطويل في إقامة حلف متماسك يساعده في وضع اليد على أوكرانيا.

لم يستوعب ترامب بعد ما استوعبته أوروبا، بمعنى أن الحرب على أوكرانيا هي حرب على العالم الحرّ وأن أوكرانيا باتت خط الدفاع الأوّل عن أوروبا ما بعد سقوط جدار برلين

يبقى أن مشكلة أوروبا تكمن في دونالد ترامب الذي لم يستوعب إلى يومنا هذا معنى وجود شخص مريض نفسيا في الكرملين. قدّم الرئيس الأميركي لبوتين كلّ الفرص من أجل البقاء أسير رهانه على تحقيق انتصار على أوكرانيا ورئيسها فولوديمير زيلينسكي. لا يزال ترامب يضع شروطا تعجيزيّة على أوروبا من أجل توفير المساعدات العسكرية التي تحتاج إليها أوكرانيا لمواجهة العدوان الروسي. آخر هذه الشروط توقف دول أوروبيّة عن شراء النفط الروسي!

لم يستوعب ترامب بعد ما استوعبته أوروبا، بمعنى أن الحرب على أوكرانيا هي حرب على العالم الحرّ وأن أوكرانيا باتت خط الدفاع الأوّل عن أوروبا ما بعد سقوط جدار برلين.

من هذا المنطلق، لم يعد مستبعدا استمرار الحرب الأوكرانيّة طويلا في وقت بدأ الأوكرانيون يعانون فعلا من نتائج هذه الحرب، من دون أن يعني ذلك انهيارا لدولتهم.

ليس لدى أوروبا ما يكفي من الأسلحة لجعل هذا البلد يحقق انتصارا ساحقا على الجيش الروسي، لكن لديها ما يسمح بالحؤول دون استسلام أوكراني كامل. يظلّ السؤال الأساسي ما الذي يريده ترامب الذي لا يزال فلاديمير بوتين يتلاعب به مثلما تلاعب في الماضي بباراك أوباما؟ من يتذكّر كيف تلاعب بوتين بأوباما صيف العام 2013 عندما أقنعه بعدم توجيه ضربة إلى الجيش التابع للنظام السوري بعد استخدام بشّار الأسد السلاح الكيميائي في الحرب التي كان يشنّها على الشعب السوري.

اقتنع الرئيس الأميركي السابق بأن معاقبة بشّار الأسد تكون باعتماد اقتراح فلاديمير بوتين القاضي بالتخلص من مخزون السلاح الكيميائي الروسي. أدى ذلك إلى بقاء النظام العلوي ما يزيد على عشر سنوات أخرى كلفت الشعب السوري وسوريا نفسها الكثير.

الخوف كلّ الخوف حاليا أن يؤدي تهاون ترامب مع بوتين إلى نتائج في غاية السلبية على أوكرانيا وشعبها. يأتي ذلك في وقت لم يعد الرئيس الروسي يتردّد في تحدي أوروبا التي لم يعد لديها من خيار غير التعايش مع حرب تدور على أبوابها قابلة للاستمرار سنوات أخرى!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طبيعة الحرب الأوكرانيّة تغيّرت… طبيعة الحرب الأوكرانيّة تغيّرت…



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 19:13 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة
المغرب اليوم - ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة

GMT 13:27 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل تعمل على تثبيت قواعد إطلاق نار جديدة
المغرب اليوم - إسرائيل تعمل على تثبيت قواعد إطلاق نار جديدة

GMT 17:49 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها
المغرب اليوم - بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها

GMT 13:39 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر
المغرب اليوم - حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر

GMT 19:34 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الشيخة حسينة تتحدث لأول مرة منذ الهروب
المغرب اليوم - الشيخة حسينة تتحدث لأول مرة منذ الهروب

GMT 15:55 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 02:18 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

سهام العزوزي تتوج بلقب مسابقة "ميس أمازيغ" في دورتها الخامسة

GMT 14:13 2016 الإثنين ,31 تشرين الأول / أكتوبر

فرقة «رضا» تتألق في الأقصر عاصمة السياحة لعام 2016

GMT 23:59 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

تعرف على تفاصيل طلاق "أبو جاد" وزوجته سارة

GMT 19:07 2019 السبت ,22 حزيران / يونيو

الكرنب يحتوي على مغذيات تحارب مرض الخرف

GMT 13:24 2019 السبت ,01 حزيران / يونيو

ودي تكشف عن موديلات S من سياراتها Q5 وA6 وA7

GMT 14:44 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

حرّاس صدام حسين يكشفون تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياته

GMT 07:20 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

الأغذية منخفضة الكربوهيدرات تسهم في علاج السكري

GMT 16:22 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

العروبة الإماراتي يتعاقد مع ياسين الصالحي لموسم واحد

GMT 20:51 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

قطر تستعد لتنظيم بطولة العالم للجمباز بمشاركة إسرائيلية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib