دروز سوريا… تاريخ لا يمكن تجاوزه

دروز سوريا… تاريخ لا يمكن تجاوزه

المغرب اليوم -

دروز سوريا… تاريخ لا يمكن تجاوزه

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

لدروز سوريا ثقل كبير في ضوء الدور التاريخي الذي لعبوه في مجال قيام الكيان السوري الموحد من جهة والموقع الجغرافي لمحافظة السويداء في الجنوب السوري من جهة أخرى.
ليس الموضوع موضوع وضع الأقلية الدرزية في سوريا ومستقبلها وما إذا كانت لقسم من دروز سوريا علاقة بإسرائيل أم لا. تجاوزت الأحداث التي تمرّ بها المنطقة كلّ هذه الاعتبارات، خصوصا مع التغيير الكبير الذي حدث في سوريا وفرار بشّار الأسد إلى موسكو أواخر العام 2024، وهو فرار يعني بين ما يعنيه، نهاية الحكم العلوي في سوريا الذي استمر 59 عاما.

الموضوع بكل بساطة مرتبط بالنظام الجديد القائم في سوريا وقدرته على أن يكون نظاما مقبولا من جميع السوريين وضمانة لكل الطوائف والمذاهب والمناطق… نظاما يمثل نقلة نوعية في سوريا ويسمح بحياة سياسية طبيعية فيها في ظلّ دولة القانون وليست دولة الأجهزة الأمنيّة التي تأسست مع قيام الوحدة المصرية – السوريّة.

لم يتخلّص دروز سوريا من نظام آل الأسد من أجل السقوط في ظلم وظلام وظلامية من نوع مختلف يقودها تيّار سنّي لا يؤمن بالتنوع السوري وباستعادة البلد لحيويته السياسية التي قادت في الماضي إلى تحقيق إنجازات كبيرة على كل صعيد، بما في ذلك الصعيد الاقتصادي… وإلى كوارث من نوع الوحدة مع مصر بين 1958 و1961. شهدت تلك الوحدة تأسيس النظام الأمني الذي تحكم بسوريا طوال عقود عدّة بعدما تحّكم بالبلد الضابط عبدالحميد السرّاج الذي كان موضع إعجاب لدى جمال عبدالناصر، الضابط الريفي الذي أخذ مصر وسوريا والأردن إلى هزيمة 1967.

ليس الوجود الدرزي في سوريا وجودا عاديا على الرغم من قلة عدد أبناء الطائفة. لدروز سوريا ثقل كبير في ضوء الدور التاريخي الذي لعبوه في مجال قيام الكيان السوري الموحد من جهة والموقع الجغرافي لمحافظة السويداء في الجنوب السوري من جهة أخرى. هذا الجنوب السوري على تماس مع إسرائيل والأردن وقد عملت إيران طوال سنوات من أجل السيطرة عليه لسببين على الأقل. السبب الأوّل الرغبة الإيرانيّة في أن تكون “الجمهوريّة الإسلاميّة” على خط تماس مع إسرائيل والتأكيد لها أنّها دولة شرق أوسطية أيضا ولاعب محوري في المنطقة. أمّا السبب الثاني فيعود إلى أن الجنوب نقطة انطلاق لتهريب أسلحة إلى الأردن ومخدرات، مثل الكبتاغون، إلى دول الخليج العربي عبر الأردن أيضا. إلى ما قبل فترة قصيرة، كان على دروز سوريا، مثلهم مثل أكثرية الشعب السوري مقاومة الاحتلال الإيراني للبلد، وهو احتلال عمل على تغيير طبيعة سوريا من كل النواحي، بما في ذلك الناحية الديموغرافية.

أكثر من ذلك، لعب دروز سوريا عبر التاريخ، خصوصا منذ استقلالها دورا كبيرا على الصعيد الوطني. إنّه تاريخ لا يمكن تجاهله أو تجاوزه. لم يكن ذلك من داخل حزب البعث الذي لا يمكن الفصل بينه وبين المحطات الأساسية التي مرت بها سوريا في مرحلة ما بعد الاستقلال في العام 1946 فحسب، بل من خلال المؤسسة العسكرية السورية أيضا. في أربعينات وخمسينات وستينات القرن الماضي، كان هناك وجود درزي متميّز ووازن في المؤسسة العسكرية السوريّة…

قلب قيام النظام العلوي في سوريا الوضع السوري ابتداء من انقلاب الثالث والعشرين من  فبرابر – شباط 1966. من المفيد هنا الإشارة إلى أنّ هذا الانقلاب الذي قاده الضابطان العلويان صلاح جديد وحافظ الأسد، كان بالتفاهم والتعاون مع ضابط ثالث هو الدرزي سليم حاطوم. ما لبث صلاح جديد وحافظ الأسد أن تخلصا من سليم حاطوم الذي اضطر إلى اللجوء إلى الأردن حيث بقي حتّى العام 1967. وقتذاك، عاد الضابط الدرزي من منفاه الأردني بهدف المشاركة في حرب 1967، لكنّ حكما بالإعدام نُفّذ به. كانت نهاية سليم حاطوم، بالطريقة التي انتهى بها، نهاية للوجود الدرزي في المؤسسة العسكرية السورية. في مرحلة النظام العلوي، لم يعد لأي ضابط درزي يريد الحصول على ترقية سوى أخذ العلم بالتركيبة الجديدة للجيش السوري بقيادة ضباط علويين!

شارك دروز سوريا في الثورة الشعبية التي اندلعت من درعا في آذار – مارس 2011. رفض الدروز الانضمام إلى الجيش العلوي وقتل مواطنين سوريين آخرين، معظمهم من السنّة. تعرّض الدروز لكل أنواع الابتزاز بعدما اعتقد النظام أنّه استطاع السيطرة عليهم بكلّ الوسائل المتاحة بدءا بمنعهم من أخذ مواقع حساسة في الجيش وصولا إلى إفهامهم أنّ هناك “معلّما واحدا وحيدا” في سوريا هو حافظ الأسد الذي خلفه بشّار الأسد. لم يتردّد الأسد الأب في إصدار أمر باغتيال الزعيم الدرزي اللبناني كمال جنبلاط في آذار – مارس من العام 1977. أراد توجيه رسالة واضحة إلى دروز لبنان، إضافة إلى دروز سوريا. فحوى الرسالة أن الدروز، في سوريا ولبنان، يعملون عند النظام العلوي وليسوا شركاء في حكم سوريا. تبيّن لاحقا من خلال نقاط التفاهم التي توصل إليها حافظ الأسد مع إسرائيل في 1974، بواسطة هنري كيسينجر أن حافظ الأسد ضمن حماية إسرائيلية لنظامه قبل بدء عملية تدجين الدروز في سوريا ولبنان حيث ارتكب كمال جنبلاط كمية لا تحصى من الأخطاء لا مجال لتعدادها الآن.

من الواضح أنّ الحاجة في المرحلة الراهنة إلى تعاط مختلف مع الدروز السوريين وليس إلى تكرار تجربة حافظ وبشّار الأسد مع هؤلاء. هل يستطيع الرئيس أحمد الشرع القيام بمثل هذه النقلة النوعيّة؟ ذلك هو السؤال الكبير الذي يفرض نفسه بدل الدخول في متاهات لا فائدة منها، خصوصا أنّ إسرائيل مستعدة للاستفادة من أي خلل داخلي للظهور في مظهر المدافع عن الأقليات من خلال اختراقها للجنوب السوري.

الأكيد أنّ في استطاعة أحمد الشرع التوصّل إلى تفاهمات مع دروز سوريا. يتطلب ذلك إثبات أنّه تغيّر كلّيا وأن لديه القدرة على أن يكون سياسيا عصريا يعرف أن سوريا بلد مركّب وأن لكل طائفة خصوصيتها وأن لدروز سوريا تاريخا لا يمكن لأي حاكم في دمشق تجاهله… أو تجاوزه.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دروز سوريا… تاريخ لا يمكن تجاوزه دروز سوريا… تاريخ لا يمكن تجاوزه



GMT 18:24 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

الملكة تُلَقِّنُ العالَمَ دَرْسًا أخلاقيًا

GMT 18:15 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

لائحة الشرف

GMT 18:14 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

العلم هو الحل

GMT 18:12 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

لحم أحمر ولحم أبيض!

GMT 18:11 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

الدول الفاشلة

GMT 18:03 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

جي دي فانس... الخروج إلى دائرة النور

GMT 18:00 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

طبول الحرب تقرع في طرابلس

GMT 17:57 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

كنا نظنها حالة فريدة

داليدا خليل تودّع العزوبية بإطلالة بيضاء ساحرة وتخطف الأنظار بأناقة لا تُنسى

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 23:02 2025 الأحد ,07 أيلول / سبتمبر

حماس تعلن استعدادها للتفاوض بشأن إطلاق الأسرى
المغرب اليوم - حماس تعلن استعدادها للتفاوض بشأن إطلاق الأسرى

GMT 01:26 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

جنات تطلق ألبومها الجديد وسط حضور زوجها وابنتيها
المغرب اليوم - جنات تطلق ألبومها الجديد وسط حضور زوجها وابنتيها

GMT 13:30 2025 الأحد ,07 أيلول / سبتمبر

مواعيد خسوف القمر المرتقب بالدول العربية
المغرب اليوم - مواعيد خسوف القمر المرتقب بالدول العربية

GMT 14:33 2013 الجمعة ,26 إبريل / نيسان

تصميمات حديثة وأنيقة لأحواض السمك

GMT 16:53 2023 الأربعاء ,20 أيلول / سبتمبر

ميرفت أمين ترفض التكريم في مهرجان الجونة السينمائي

GMT 09:59 2023 الأربعاء ,05 تموز / يوليو

توقعات الأبراج اليوم الأربعاء 05 يوليو / تموز 2023

GMT 12:05 2023 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

4 دوريات كبرى تَتَسابق لٍضم المغربي عز الدين أوناحي

GMT 15:46 2022 الأحد ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

كل ما تريد معرفته عن لعبة جوجل السرية على آيفون

GMT 04:12 2022 الخميس ,27 تشرين الأول / أكتوبر

نصائح هامة يجب اتباعها عند تصميم غرف المنزل

GMT 10:28 2021 الثلاثاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

كوياطي يبعث رسالة اطمئنان إلى جماهير الرجاء قبل مواجهة آسفي
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib