السياسة بدل السلاح… في تركيا ولبنان

السياسة بدل السلاح… في تركيا ولبنان!

المغرب اليوم -

السياسة بدل السلاح… في تركيا ولبنان

خيرالله خيرالله
بقلم - خيرالله خيرالله

في أحيان كثيرة، تعطي الصورة المأخوذة للحدث بعده السياسي. تشير إلى ذلك تلك الصورة التي يظهر فيها مقاتلو حزب العمال الكردستاني يلقون سلاحهم. تعطي الصورة فكرة عن أهمية القرار الشجاع الذي اتخذه زعيم الحزب عبدالله أوجلان بالتخلي عن السلاح. إذا كانت تلك الصورة، التي التقطت في كردستان – العراق (قرب السليمانية) ويظهر فيها المقاتلون التابعون للحزب التركي يرمون سلاحهم في النار توكّد شيئا، فهي تؤكّد أن القرار المتخذ في 12 أيار – مايو الماضي بحل الحزب والتخلي عن النضال المسلّح الذي استمر أربعة عقود، قرار نهائي وجدّي. قالت الصورة إنّ السلاح ألقي في النار كي يحرق وكي يكون هناك مكان للسياسة في بلد تجري فيه انتخابات حرّة، لكنّه يعاني في الوقت ذاته من رغبة رجب طيب أردوغان في جعل تركيا بلدا يحكمه الإخوان المسلمون وفكرهم المتخلّف إلى أبد الآبدين.

أثبتت تجارب السنوات الأخيرة أن ليس في استطاعة أردوغان فرض إرادته على الشعب التركي. قد يكون ذلك ما جعل شخصا مثل عبدالله أوجلان يقدم على الخطوة التي أقدم عليها. خلاصة ما قام به أنّ السياسة تستطيع الحلول مكان السلاح الذي لا فائدة منه في نهاية المطاف. على العكس من ذلك، لا بد من حرق السلاح بدل تمجيده.

◄ العالم تغيّر منذ خسر الاتحاد السوفياتي الحرب الباردة والمنطقة تغيّرت مع سقوط المشروع التوسعي الإيراني وانتقال الحروب إلى داخل "الجمهوريّة الإسلاميّة" فهل تفهم إيران معنى التغييرين الكبيرين وأبعادهما؟

بالنسبة إلى أوجلان، الذي يناديه مناصروه بلقب “آبو”، لا عودة إلى ممارسات الماضي التي لم تؤد سوى إلى سلسلة من المآسي توجت في العام 1999 بتخلي النظام السوري عنه. اكتشف الرجل، الذي سلّمه النظام السوري السابق بطريقة غير مباشرة إلى تركيا، أنّه لم يكن سوى ورقة في لعبة تتجاوزه. ما لبثت السلطات في تركيا أن أودعته في أحد سجونها. لا يزال نزيل السجن إلى يومنا هذا. لم يمنعه ذلك من التحرّك سياسيا آخذا في الاعتبار ما شهدته تركيا والمنطقة من متغيّرات تسمح للأكراد بطرق أبواب أخرى بعيدا عن العنف والسلاح… والشعارات التي لا طائل منها.

تغيّر عبدالله أوجلان وهو في السجن. استوعب، في ما يبدو، أنه لم يكن في مرحلة معيّنة سوى أداة استخدمها حافظ الأسد في المواجهة التي خاضها مع تركيا، وهي مواجهة خاسرة سلفا. كانت النتيجة خضوع الأسد الأب، في مرحلة معيّنة، للقرار التركي في وقت كان يعدّ لتوريث سوريا لابنه بشّار. بالنسبة إلى حافظ الأسد كانت سوريا مزرعة عائلية اسمها “سوريا الأسد”… وكان عبدالله أوجلان مجرّد أداة في خدمة النظام العلوي الذي لم تكن لديه سياسة يعتمدها مع دول الجوار غير سياسة ممارسة الابتزاز. هل هناك من يريد أن يتذكّر أن الأمر وصل بحافظ الأسد إلى استخدام مجموعة سمّيت “الجيش الأرمني السرّي” في لعبة ممارسة الضغط على تركيا؟

توجد أبعاد عدّة لقرار أوجلان الذي لقي ترحيبا من الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يواجه صعوبات داخلية كبيرة اضطرته إلى سجن رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، بموجب تهم مزعومة. يُعتبر رئيس بلدية إسطنبول أبرز الخصوم السياسيين لأردوغان.

على الصعيد الداخلي التركي، يعني  تخلي حزب العمال الكردستاني عن السلاح انخراطا في اللعبة السياسية التركية في وقت شارف فيه عهد أردوغان على نهايته بسبب تقدّمه في السنّ أوّلا. ثمة رهان، لدى أوجلان، على دور سياسي للأكراد في رسم مستقبل تركيا خصوصا أنّهم يشكلون نسبة تتراوح بين 15 و20 في المئة من السكان في بلد يزيد عدد مواطنيه على 87 مليونا. ثمّة خلافات في تقدير النسبة الحقيقية للأكراد في تركيا، لكن الثابت أنّ عددهم يزداد سنويا نسبة لبقية الإثنيات التركية نظرا إلى ارتفاع معدل الإنجاب لدى العائلات الكرديّة.

يظلّ البعد الإقليمي البعد الأهمّ لقرار حزب العمال الكردي القاضي بالتخلي عن سلاحه. إنّه طي لصفحة السلاح الذي تؤمن به “الجمهوريّة الإسلاميّة” في إيران والذي سبق للاتحاد السوفياتي أن استخدمه إبان الحرب الباردة.

◄ تجارب السنوات الأخيرة أثبتت أن ليس في استطاعة أردوغان فرض إرادته على الشعب التركي. قد يكون ذلك ما جعل شخصا مثل عبدالله أوجلان يقدم على الخطوة التي أقدم عليها

من الواضح أنّ إيران، بإصرارها على استخدام ميليشياتها المذهبية في المنطقة لم تستوعب معنى رسالة أوجلان التي جاءت متأخرة أربعين عاما، لكنها جاءت أخيرا. هل من مجال لاستيعاب “الجمهوريّة الإسلاميّة” المعادلة الإقليمية الجديدة التي تقوم على أن لا سلاح متفلتا في المنطقة في خدمة المشروع التوسعي الإيراني؟

ما دام المشروع التوسعي نفسه انتهى، خصوصا في ضوء هزيمة “حزب الله” في لبنان والتحول الكبير في سوريا، ماذا بقي للسلاح من وظيفة؟ هل بقاء لبنان رهينة لسلاح “حزب الله”، بما يحول دون أيّ إعادة إعمار للقرى المدمرة في جنوبه، وظيفة؟ هل إبقاء العراق تحت رحمة ميليشيات “الحشد الشعبي”، التي تكرّس غياب مؤسسات الدولة، وظيفة؟ هل جرّ اليمن إلى المزيد من الخراب والدمار يبدو مقبلا عليهما، في ضوء ممارسات الحوثيين في البحر الأحمر، وظيفة؟

ثمة أسئلة تفرض نفسها بعدما اتخذ عبدالله أوجلان قراره بالتخلي عن السلاح. يظل السؤال الأهم: أيّ دور للأكراد في رسم مستقبل تركيا؟

بين الأسئلة الأخرى تلك المتعلقة بعالم تغيّر ومنطقة تغيّرت. العالم تغيّر منذ خسر الاتحاد السوفياتي الحرب الباردة. المنطقة تغيّرت مع سقوط المشروع التوسعي الإيراني وانتقال الحروب إلى داخل “الجمهوريّة الإسلاميّة” نفسها. كلّ ما في الأمر هل تفهم إيران معنى التغييرين الكبيرين وأبعادهما؟

يظلّ السؤال على الصعيد اللبناني والعربي عموما هل يغني السلاح عن السياسة؟ لا يغني السلاح عن السياسة لا في تركيا ولا في لبنان. تبقى السياسة أهمّ من السلاح.

يُفترض في “حزب الله”، هذا إذا كان يمتلك قراره التخلي عن سلاحه. يخدم بذلك نفسه ويخدم لبنان. لكن مشكلة الحزب تكمن في أنّه عاجز عن الإقدام على خطوة من هذا النوع نظرا إلى أنّ لا مكان له على صعيد الخارطة السياسية اللبنانيّة من دون السلاح، أي من دون الخراب والدمار…

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السياسة بدل السلاح… في تركيا ولبنان السياسة بدل السلاح… في تركيا ولبنان



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 19:13 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة
المغرب اليوم - ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة

GMT 17:49 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها
المغرب اليوم - بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها

GMT 13:39 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر
المغرب اليوم - حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر

GMT 19:34 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الشيخة حسينة تتحدث لأول مرة منذ الهروب
المغرب اليوم - الشيخة حسينة تتحدث لأول مرة منذ الهروب

GMT 18:50 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أروى جودة تتعرض لموقف محرج في «الجونة»

GMT 21:59 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"كيا" تطلق سيارة كهربائية متطورة قريبا

GMT 02:14 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

برج "برواز دبي" يَجذب مليون زائر في عام واحد

GMT 21:28 2018 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

سفير المغرب في هولندا يكرم البطل التجارتي

GMT 02:30 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

"50 فكرة عن" الاقتصاد" كتاب حول النظم الاقتصادية

GMT 02:02 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

عمرو عمارة يبيّن أسباب تسوس الأسنان

GMT 15:25 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

الفنادق الأكثر جاذبية في العالم خلال عام 2018

GMT 18:10 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

لعبة "أسياد الشرق" صراعات ملحميّة تحاكي صراع الجبابرة

GMT 22:51 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يرغب في استقبال الدفاع الجديدي في ملعب العبدي

GMT 04:26 2016 الخميس ,25 شباط / فبراير

حرق سعرات حرارية دون بذل مجهود

GMT 21:07 2015 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

ميرفت أمين بين نجوم فيلم "هتقتل تسعة"

GMT 03:10 2017 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

منتجع جزيرة ميليدهو ملاذ زوار المالديف في فصل الشتاء

GMT 05:56 2015 الأربعاء ,23 أيلول / سبتمبر

أبطال مسلسل "البيوت أسرار" يكملون تصوير مشاهدهم

GMT 09:29 2016 الجمعة ,07 تشرين الأول / أكتوبر

عطور نسائية تجذب الرجال وتزيد من دفء العلاقة الحميمة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib