سوريا وإيران… وإدارة أوباما

سوريا وإيران… وإدارة أوباما

المغرب اليوم -

سوريا وإيران… وإدارة أوباما

خيرالله خيرالله


لا وجود، إلى إشعار آخر، لسياسة أميركية واضحة تجاه سوريا، خصوصا في ظل إدارة حائرة اختزلت مشاكل الشرق الأوسط في الملف النووي الإيراني.

بعد أسابيع قليلة، في الحادي عشر من مارس المقبل، تدخل الثورة السورية سنتها الخامسة. مع مرور الأيّام، يتبيّن كم حجم تضحيات الشعب السوري كبير، وكم سيكون صعبا بقاء الكيان السوري موحّدا. يعود ذلك إلى أنّ سوريا عانت منذ الاستقلال من أزمة كيان ونظام في الوقت ذاته. لم تكن هناك أي شرعية لأي نظام فيها باستثناء فترات قصيرة كانت فيها مجالس نيابية منتخبة. ما تبقّى كان أنظمة تستند إلى كلّ شيء باستثناء الشرعية.

بلغ التدهور في سوريا حالا بات فيها النظام يراهن منذ فترة لا بأس بها على الاحتفاظ بقسم من البلد، على أن يكون لهذا القسم ممرّ إلى لبنان، إلى سهل البقاع الذي يسيطر “حزب الله” على جزء منه، خصوصا محيط مدينة بعلبك.

هناك محاولات مستميتة يبذلها النظام منذ فترة من أجل تغيير طبيعة التكوين السكّاني في المنطقة التي ينوي السيطرة عليها، والتي تشمل الساحل السوري ودمشق، مرورا بحمص، وصولا إلى الداخل اللبناني. كان التركيز في كل وقت على تحويل ما بات يعرف بـ”دولة النظام”، إلى دولة تضمّ أقل عدد من المواطنين السنّة. وهذا يفسّر إلى حد كبير عمليات التهجير ذات الطابع المذهبي في حمص ومحيطها، وشراء أراض في دمشق ومحيطها والسعي إلى الارتباط بمناطق “حزب الله” في لبنان… فضلا عن تجنيس عراقيين ولبنانيين!

يبقى السؤال، هل سيكون ممكنا إخضاع دمشق، على الرغم من كلّ الجهود التي تبذل من أجل ذلك؟ إنّها جهود تستخدم فيها وسائل مختلفة وتلقى في طبيعة الحال دعما إيرانيا واسعا. هذا الدعم مباشر وعبر أدوات إيران اللبنانية والعراقية. ليس معروفا إلى متى يمكن أن يستمر ذلك، خصوصا بسبب التغيير الذي حصل في العراق منذ الانتهاء من حكم نوري المالكي.

كذلك، ما يطرح تساؤلات في شأن الدعم الإيراني هبوط أسعار النفط في وقت بدأ الصراع على السلطة في طهران يأخذ طابعا جدّيا في ضوء مرض “المرشد” علي خامنئي من جهة، واحتمال التوصّل إلى اتفاق في شأن الملف النووي مع الولايات المتحدة من جهة أخرى. ماذا يمكن أن يعني الاتفاق الأميركي ـ الإيراني، في حال حصوله، على صعيد البرنامج التوسّعي لإيران؟ هل يعني إطلاق يدها في المنطقة والاعتراف بها كقوة إقليمية تتقاسم النفوذ مع إسرائيل وتركيا، أمّ أن الاقتصاد سيقرّر في النهاية حجم قدرة إيران على لعب دور أكبر من دورها؟
    
بغض النظر عمّا سيكون عليه الدور الإيراني على الصعيد الإقليمي، هناك عاملان يدعوان إلى التشاؤم بمستقبل سوريا، الأوّل السياسة الأميركية، والآخر الطموحات الإيرانية. لا وجود، إلى إشعار آخر، لسياسة أميركية واضحة تجاه سوريا، خصوصا في ظلّ إدارة حائرة اختزلت مشاكل الشرق الأوسط في الملفّ النووي الإيراني. أكثر من ذلك، لا يبدو أن الولايات المتحدة مهتمّة بتحقيق هدف ما في سوريا، باستثناء أنّها ترفض القيام بأيّ خطوة تحولُ دون تفتيت البلد أو تسيء إلى إيران.

حتى بالنسبة إلى روسيا، التي ليس مفهوما لماذا تدعم نظاما بات معروفا جيّدا أنّه انتهى، هناك مسايرة أميركية لها. تبدو إدارة أوباما في وضع من يريد تفادي أي مواجهة مع روسيا في شأن سوريا. هذا لغز غير مفهوم ولا تفسير له سوى الرغبة في عدم إزعاج إيران والرهان على إمكان التوصل معها إلى إتفاق يتعلّق بالملفّ النووي الذي بات محور السياسة الأميركية في الشرق الؤسط.

أمّا بالنسبة إلى إيران حيث يدعو “المرشد” إلى إرسال شبّان إلى سوريا والعراق ولبنان، فلا شيء يدلّ على استعداد للتراجع. على العكس من ذلك، هناك سياسة إيرانية تقوم على تشجيع قيام “دولة النظام” المرتبطة بلبنان وبدويلة “حزب الله” في غياب القدرة على تحويل سوريا كلّها إلى مستعمرة. ولذلك، نجد طهران تطلب هذه الأيّام ضمانات محددة، على شكل عقارات، في مقابل كل دولار تريد تقديمه إلى النظام.

يبدو المستقبل مظلما في سوريا في ظلّ نظام لم يمتلك يوما أي شرعية من أيّ نوع كان. إنّه نظام لا يرى من مخرج سوى قيام دولة خاصة به تكون، في نهاية المطاف، تحت رحمة إيران وتعيش في ظلها.

يدفع النظام حاليا ثمن عجزه عن فهم المعادلة الإقليمية. لا يشبه عجزه غير عجز صدّام حسين وغبائه السياسي الذي دفعه إلى اجتياح الكويت صيف عام 1990. لم يكن حجم جريمة اغتيال رفيق الحريري ورفاقه في مثل هذه الأيام من عام 2005 أقلّ من جريمة احتلال الكويت. في الحالتين نجد إيران تملأ الفراغ الذي تركه سقوط صدّام في العراق، فيما هي بصدد ملء الفراغ الناجم عن سقوط بشّار الأسد، الذي سقط عمليا قبل أن يسقط رسميا.

هل ما يؤهل إيران على لعب هذا الدور الإقليمي، الذي يعني، أوّل ما يعني، الانتهاء من سوريا التي عرفناها، حتّى لو توصّلت إلى اتفاق بشأن ملفها النووي مع إدارة أوباما؟ الأكيد أن قدرتها على لعب هذا الدور أمر صعب لكنّه ليس مستحيلا. الأكيد أن مستقبل سوريا أسود، بغض النظر عما إذا كانت إيران ستربح رهانها أم ستخسره…

ما هو أكيد أكثر من ذلك كلّه، أنه تظلّ للكتلة العربية كلمتها في المنطقة. صحيح أن الكتلة العربية لم تستطع التدخل في سوريا ومنع إدارة أوباما من متابعة سياسة تصبّ في تفتيتها. لكنّ الصحيح أيضا أنّه لا يزال مجال لقرار عربي يتجاوز السياسة الأميركية. هذا ما حصل في مصر، حيث كان يمكن أن يقع البلد العربي الأكبر في الشباك الإيرانية بفضل الإخوان المسلمين والنظام الذي سعوا إلى إقامته.

كان القرار العربي القاضي بإنقاذ مصر من براثن الإخوان دليلا على أنّ هناك من يفكّر في المستقبل ويرفض الانقياد لإدارة أميركية لا تعرف ماذا تريد، باستثناء أنّها تريد استعادة إيران. تريد إدارة أوباما استعادة إيران ولكن دون طرح سؤال بديهي هو أي إيران مطلوب استعادتها؟ هل إيران التي تراهن على إثارة الغرائز المذهبية في كلّ بلد عربي، على غرار ما شهدناه في العراق؟

نعم، مستقبل سوريا أسود. هل يمكن عمل شيء عربيا، على غرار ما حدث مع مصر حيث ساند العرب ثورة شعبية حقيقية قلبت نظام الإخوان. الجواب أن الوضع السوري تجاوز مرحلة كان لا يزال ممكنا عمل شيء للبلد. الواقع أنّ إدارة أوباما لم تترك مجالا سوى لخيار واحد هو تفتيت سوريا. هل تتمكّن إيران من الحصول على جزء من هذا الكيان؟ الجواب متروك للمستقبل…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سوريا وإيران… وإدارة أوباما سوريا وإيران… وإدارة أوباما



GMT 17:42 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

قمامة من؟

GMT 17:39 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

«القاعدة» في اليمن... ليست راقدة!

GMT 17:36 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

كيف اخترق ممداني السَّدين؟

GMT 17:34 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

لحظة ساداتية لبنانية ضد الهلاك

GMT 17:30 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

جريمة أستاذ الجامعة

GMT 17:12 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (2)

GMT 17:10 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

أخطأ ياسر ولكنه لم ينافق!!

GMT 16:54 2025 الثلاثاء ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

الفتنة الكبرى!

أنغام تتألق بفستان أنيق وتلهم عاشقات الأناقة في سهرات الخريف

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة
المغرب اليوم - تصعيد جديد من رئيس كولومبيا ضد الولايات المتحدة

GMT 01:12 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

ماكرون وعباس يعلنان تشكيل لجنة لصياغة دستور فلسطين
المغرب اليوم - ماكرون وعباس يعلنان تشكيل لجنة لصياغة دستور فلسطين

GMT 02:56 2025 الأربعاء ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع
المغرب اليوم - دفاع عمرو دياب يطعن بالنقض على حكم الشاب المصفوع

GMT 02:03 2018 الإثنين ,08 كانون الثاني / يناير

منى أحمد تكشف أن لكل برج ما يناسبه من الأحجار الكريمة

GMT 14:24 2016 الإثنين ,06 حزيران / يونيو

"السياسة العقارية في المغرب " ندوة وطنية في طنجة

GMT 07:52 2012 الجمعة ,22 حزيران / يونيو

موسكو تستضیف منتدي اقتصادی إیراني -روسي مشترك

GMT 05:10 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

هيئة السوق المالية السعودية تقر لائحة الاندماج المحدثة

GMT 07:31 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

طرح علاج جديد للوقاية من سرطان الثدي للنساء فوق الـ50 عامًا

GMT 23:39 2012 الخميس ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر: تزويد المدارس بالإنترنت فائق السرعة العام المقبل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib