دعوة إلى التفكير

دعوة إلى التفكير

المغرب اليوم -

دعوة إلى التفكير

توفيق بوعشرين

شكرًا لحضوركم اليوم لهذا الموعد الإعلامي حيث نجتمع لنفكر بصوت مسموع حول بعض القضايا التي تشغل بالنا وتشغل بال الوطن…

شكرًا لأنكم قبلتم دعوة جريدة «أخبار اليوم» وموقع «اليوم24»، ومنحتمونا شيئا من وقتكم من أجل الجواب أو محاولة الجواب عن سؤال: «الربيع العربي ومآلات الانتقال الديمقراطي.. الحالة المغربية»…

أعرف أن الربيع صار خريفا، وأن ثورات الشباب أضحت ثورات مضادة، وأن الحراك السلمي في جل الدول العربية تحول إلى حروب ودماء وأشلاء وفتن لا أول لها ولا آخر، لكن مع كل الذي حصل منذ صرخة البوعزيزي التي هزت الاستبداد إلى اليوم، فإن سؤال التحول الديمقراطي في العالم العربي وفي المغرب مازال يلح على الجميع، ومازال يطرق الباب في انتظار من يفتحه على أمل جديد.. على تحول سلمي مدني نحو الديمقراطية بأقل تكلفة، وفي ظل الاستقرار دون عبث بالسلم الأهلي ولا بالوحدة الوطنية ولا بالتعايش بين كل الفرقاء…

أعرف أن الربيع العربي فصول متنوعة وليس فصلا واحدا، وأن وروده، كما أشواكه، متعددة، لكن هذا الربيع سيظل نقطة فارقة في التاريخ المعاصر في المنطقة، وسيظل تاريخا مرجعيا لفهم عمق التحولات التي وقعت في هذا العالم الذي ظل معزولا عن كل موجات الديمقراطية التي اجتاحت أوروبا ثم أمريكا ثم مناطق في آسيا، وصولا إلى الكتلة الشرقية وإفريقيا… موجات متتالية من الدمقرطة ظل العرب، بكل ألوانهم وأطيافهم وإيديولوجياتهم، بعيدين عنها.. استثناء من قاعدتها.. غرباء عن عالمها، حتى ظن المستشرقون الجدد في الغرب أن العربي والمغاربي والأمازيغي والكردي يحملون جينات ضد الديمقراطية، وأن الاستبداد الشرقي الذي يسكنهم لا فرار منه… وهذه، لعمري، نظرة عنصرية مقيتة تستعيض عن الفهم بالحكم، وتهرب من الأسباب إلى النتائج، ومن التشريح العلمي إلى ترديد الكليشيهات المستهلكة لتعفي نفسها من مسؤوليتها عما آل إليه العربي من مصير بائس…

بلادنا لم تكن استثناء من هذا الربيع.. من هذا الحدث الكبير، وإن كانت تقاليد البلد وأعرافه وظروفه جعلت من الربيع العربي ريحا خفيفة، لكنها ريح غيرت أشياء كثيرة، ومن ضمن ما غيرته وثيقة توزيع السلطة في البلد، وأقصد دستور الملك الراحل الحسن الثاني.. دستور كان بمثابة حذاء صيني منع رِجل المغربي من أن تكبر على مدار 38 سنة.. حذاء منع الأحزاب من أن تتمدد، والسياسة من أن تنضج، والمجال العام من أن يكبر، والمجتمع المدني من أن يرشد… كانت أغلبية الأحزاب والقوى التقليدية تشتغل في ظل دستور يكرس قانون القوة لا قوة القانون، ثم جاء الحراك المغربي، وخرج الشباب إلى الشوارع يطالبون بمغرب آخر، بإدارة أخرى للثروة والسلطة، بحياة سياسية جديدة، بأحزاب تملأ مكانها، ونقابات تشبه أسماءها.. بإعلام حر يعكس الحقيقة… كان هذا هو دفتر الإصلاحات الذي كتب في الشارع دون تخطيط ولا وصاية ولا تدبير.. فتفاعلت السلطة مع بعض مطالبه، والتفت على أخرى، واستجابت لثالثة… وهكذا عرف المغرب انتخابات هي الأقل تزويرا في كل تاريخه، وشهدت المملكة التناوب الثاني بعد فشل الأول الذي قاده السيد عبد الرحمان اليوسفي، ثم دارت عجلة السياسة، وها نحن في الربع الأخير من زمن حكومة بنكيران، حيث نجحت في أشياء وفشلت في أخرى.. استفادت من الربيع العربي تارة، و«قلبت وجهها» عن روحه تارة أخرى.. طبقت الدستور حيناً ووضعته على الرف حينا آخر…

إننا في مرحلة معقدة من تطور النظام السياسي المغربي، وكل الاحتمالات موضوعة على الطاولة، وعلى قادة الفكر والسياسة والإعلام أن يفكروا في مآلات التجربة الحالية، وألا ينساقوا وراء ضغط اليومي ومجرى الأحداث… يحتاج الإنسان، بين الحين والآخر، إلى أن يبتعد عن الأحداث ليفهمها، وأن يصمت ليكتشف الضجيج.. أن يأخذ مسافة ليفكر ويتأمل ويعيد تركيب الصورة من جديد…

الصحافي هو مؤرخ اللحظة، والجريدة هي المسودة الأولى لكتابة التاريخ.. هكذا تقول الأدبيات الصحافية الغربية، لكن هذا لا يعفي المفكر والمثقف والسياسي والفاعل المدني من التحليل والقراءة والتأمل والشجاعة مع النفس ومع الغير… مصادر الفكر النقدي ضعيفة في مجتمعنا، واحتياطي العملة الديمقراطية قليل في بلادنا، لهذا على الجميع أن يخوض هذا التمرين، والصحافة دورها أن تنشط الحوار والتفاعل والنقاش، وحتى السجال، بين كل الفرقاء.. لهذا نحن هنا لكي نسهل اللقاء بين الثقافة والسياسة.. بين الفكر والعمل.. بين التنظير والممارسة.

* (كلمة ألقيت يوم أمس في افتتاح المنتدى السياسي الأول لـ«أخبار اليوم» و«اليوم24»)

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دعوة إلى التفكير دعوة إلى التفكير



GMT 20:14 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

بيروت والكلام المغشوش

GMT 20:11 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

التغييرات المناخية... الأمل بالطيران في بيليم

GMT 20:05 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

انتحار الصِغار و«رقمنة» اليأس

GMT 20:00 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

الحبل السُّرِّي بين العالم العربي وحل الدولة الفلسطينية

GMT 19:47 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

عالم من الضواري

GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 21:29 1970 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء
المغرب اليوم - العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء

GMT 17:25 2013 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"ماوس" تطفو اعتمادًا على دوائر مغناطيسية

GMT 09:48 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مطعم "الشلال" يسعى إلى جذب زبائنه بشتى الطرق في الفليبين

GMT 23:15 2023 السبت ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سان جيرمان يكتسح ستراسبورغ بثلاثية في الدوري الفرنسي

GMT 08:04 2023 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سلطنة عمان تحذر مواطنيها من خطورة السفر إلى لبنان

GMT 22:31 2023 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي مهدي بنعطية مرشح لمنصب مدير رياضي بفرنسا

GMT 08:16 2023 الأربعاء ,13 أيلول / سبتمبر

أبرز الأخطاء الشائعة في ديكورات غرف النوم الزوجيّة

GMT 16:04 2023 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

150 قتيلا جراء الفيضانات والأمطار الغزيرة في ليبيا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib