الورطة

الورطة

المغرب اليوم -

الورطة

توفيق بوعشرين

الذي كتب لرئيس الحكومة الرسالة التأطيرية لمشروع القانون المالي المقبل إما أنه يعيش في كوكب آخر، أو أن خياله محدود وكفاءته «على قد الحال». هذا آخر مشروع قانون مالي ستعده الحكومة الحالية، وبالتالي، يجب أن يكون في مستوى سنة انتخابية استثنائية.. هذا أولا. ثانيا، البلاد تشكو قلة فرص الشغل و12 مليون مغربي على باب الله، كما جاء في الخطاب الملكي الأخير، وكل هؤلاء ينتظرون مخططا استثنائيا يمدهم بالأمل، وكل يوم نسمع عن إفلاس شركة أو غلق مقاولة، في حين أن الرسالة التوجيهية للقانون المالي المقبل تعيد تكرار الإنشاء الذي نسمعه كل سنة عن سياسات كثيرة وبرامج عديدة ووعود بالتقشف والإصلاحات الجبائية ومواصلة سياسة التصنيع (وكأن هناك سياسة أصلا)، وإصلاح أنظمة التقاعد، والنهوض بالعالم القروي، وإصلاح التعليم، وتحسين ظروف عيش النساء و… كيف سيتحقق كل هذا؟ الله وحده يعلم، لكن الله لا يساعد من لا يساعدون أنفسهم، كما يقول المثل.. 

عندما تجد برنامجا يعد بتحقيق كل شيء فاعرف أنه لن يحقق أي شيء. لا يمكن في سنة واحدة وبحكومة فيها 38 وزيرا، جلهم بكفاءة متوسطة وبعضهم بدون كفاءة، وفي ظل الظروف الاقتصادية الراهنة، أن تحقق الحكومة كل هذه الوعود الخيالية، فلا الميزانية تسمح، ولا الوقت يسمح، ولا الظرفية تسمح… كان الأولى تحديد أهداف قليلة ومركزة، وتوفير الإمكانيات المالية والتدبيرية لتحقيقها، عِوَض تعويم المذكرة التأطيرية للقانون المالي في برنامج يحتاج إلى 50 سنة وميزانية دولة كبيرة. 

أصلا الجزء الأكبر من اقتصاد البلاد يرسم من خارج إرادتها. النمو في المملكة رهين بالمطر، وسعر البترول في السوق الدولي، وثمن الفوسفاط في السوق العالمي، وتحويلات المهاجرين في الخارج، وتوافد السياح على البلاد، وبوصلة الاستثمار الخارجي، وكل هذا لا نتحكم فيه. زِد على كل هذا، فثلث الاقتصاد المغربي غير مهيكل ولا نعرف عنه شيئا، ولا يؤدي الضرائب، ويتملص من الجمارك، ولا تملك الحكومة أن توجهه أو تخطط له.

الحكومة أخذت قرارات مهمة بخصوص إزالة الدعم عن المحروقات، ثم وقفت في نصف الطريق تجاه 17 مليار درهم أخرى تذهب إلى دعم غاز البوتان، ثلثاها يذهبان إلى جيوب لا تستحقها، والحكومة اتخذت قرارا شجاعا لإنقاذ المكتب الوطني للماء والكهرباء الذي كان على حافة الإفلاس هذا العام، بزيادة فاتورة الكهرباء. هذا جيد، لكن الملاحظ أن جل الإصلاحات التي قامت بها الحكومة تتحمل فاتورتها جيوب المواطنين، في حين لم نرَ مجهودات لزيادة دخل الدولة، أو للرفع من حصة الفرد في الناتج الداخلي الخام، ولم نر إصلاحا في الإدارة أو القضاء يشجع الاستثمار ويحرر الطاقات المكبلة. 

سقط بنكيران منذ اليوم الأول الذي جاء فيه إلى الحكومة، بدون خبرة ولا فريق مدرب ولا استشارة، في فخ المديرين الكبار في وزارة المالية، الذين وجهوا تفكيره وعمله نحو هدف واحد فقط، هو استعادة التوازنات المالية للدولة، وتقليص عجز الميزانية، ورفع الدعم وإصلاح صناديق التقاعد، وإنقاذ المكتب الوطني للماء والكهرباء، لكنهم لم يحدثوه عن كيف يبحث عن مداخيل جديدة؟ كيف يساعد الفقراء والمهمشين؟ كيف يقلص من كتلة أجور وامتيازات الإدارة التي أصبحت تلتهم 140 مليار درهم من الميزانية كل سنة؟ كيف يدخل الاقتصاد غير المهيكل إلى الدورة الاقتصادية؟ كيف يحارب الفساد الكبير في المؤسسات العمومية؟ وكيف؟ وكيف؟ وكيف؟

طبعا الإدارة كان هدفها أن تستفيد من شعبية بنكيران لإجراء الإصلاحات التي لا يقدر الآخرون عليها، لكن عندما مر إلى وضع بعض السياسات الاجتماعية والانتباه إلى الفقراء أداروا ظهورهم له، واتهموه بأنه يشتري أصوات الناخبين، وأنه يسيس الإحسان والصدقة، ومنهم من تجرأ وقال له: «إن المجال الاجتماعي محفوظ للقصر وعليك أن تحتاط». ولأن بنكيران مفاوض سيئ ومسكون بفكرة الابتعاد عن التنازع، فإنه ابتلع الطعم، وها هو الآن وجها لوجه أمام الحقيقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الورطة الورطة



GMT 20:14 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

بيروت والكلام المغشوش

GMT 20:11 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

التغييرات المناخية... الأمل بالطيران في بيليم

GMT 20:05 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

انتحار الصِغار و«رقمنة» اليأس

GMT 20:00 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

الحبل السُّرِّي بين العالم العربي وحل الدولة الفلسطينية

GMT 19:47 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

عالم من الضواري

GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 21:29 1970 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء
المغرب اليوم - العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء

GMT 08:58 2025 السبت ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة شمس البارودي تكشف عن تفاصيل أزمتها الصحية
المغرب اليوم - الفنانة شمس البارودي تكشف عن تفاصيل أزمتها الصحية

GMT 17:25 2013 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"ماوس" تطفو اعتمادًا على دوائر مغناطيسية

GMT 09:48 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مطعم "الشلال" يسعى إلى جذب زبائنه بشتى الطرق في الفليبين

GMT 23:15 2023 السبت ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سان جيرمان يكتسح ستراسبورغ بثلاثية في الدوري الفرنسي

GMT 08:04 2023 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سلطنة عمان تحذر مواطنيها من خطورة السفر إلى لبنان

GMT 22:31 2023 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي مهدي بنعطية مرشح لمنصب مدير رياضي بفرنسا

GMT 08:16 2023 الأربعاء ,13 أيلول / سبتمبر

أبرز الأخطاء الشائعة في ديكورات غرف النوم الزوجيّة

GMT 16:04 2023 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

150 قتيلا جراء الفيضانات والأمطار الغزيرة في ليبيا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib