المساء عاصفة بدون حزم

المساء عاصفة بدون حزم

المغرب اليوم -

المساء عاصفة بدون حزم

توفيق بو عشرين


عاصفة الحزم انتهت قبل إكمال مهمتها، والطائرات المائة التي كانت تقصف اليمن رجعت إلى قواعدها دون أن تحقق الأهداف المعلنة قبل شهر من انطلاق العملية العسكرية، فلا الحوثيون استسلموا، ولا علي عبد الله صالح ومليشياته خرجوا من صنعاء، ولا الإيرانيون تابوا عن التدخل في اليمن، ولا رجال القبائل حملوا السلاح وقاتلوا أنصار الله، ولا الاستقرار رجع إلى اليمن التعيس، ولا العملية السياسية انتعشت بصواريخ السعودية وأصدقائها… لا شيء من هذا تحقق، لكن وقف إطلاق النار الآن أفضل من الاستمرار في مغامرة التورط في المستنقع اليمني…

السعودية، ودون مقدمات، طوت صفحات عاصفة الحزم، وأعلنت أن كل الأهداف تحققت، وأن عملية أخرى في طور الانطلاق سميت «إعادة الأمل»، والواقع أن العاصفة لم تحقق أهدافها بل زادت المشهد اليمني تعقيدا والأزمة استفحالا.

البيت الأبيض علق على قرار السعودية بوقف عملية عاصفة الحزم وقال: «إن اليمن مازال يعاني انعداما للاستقرار، وإن المنطقة تحتاج إلى عمل أكبر بكثير»، وقالت جين ساكي، مديرة الاتصالات بالبيت الأبيض لشبكة «سي.إن.إن»: «من الواضح أن المهمة لم تنجز».

طبعا أمريكا كانت تريد للحرب أن تتسع أكثر، وأن تحمل دول المنطقة عنها عبء الحروب الكثيرة المنتشرة في العالم العربي دون أن يكلفها ذلك بشرا ولا سلاحا ولا دولارا، لكن يبدو أن السعوديين وأصدقاءهم أحسوا بالمأزق الذي سقطوا فيه، فالحروب لا تحسم من الجو، والاجتياح البري مكلف جداً للسعودية، وجيش هذه الأخيرة لا خبرة له في خوض الحروب خاصة بعد أن رفض البرلمان الباكستاني تورط بلاده في هذه الحرب، حيث كان يعول على خدمات هذا الجيش من أجل الدخول إلى اليمن لتخليصها من أيدي الحوثيين وبقايا الجيش الذي يقاتل مع الرئيس المحروق علي عبد الله صالح. كل هذه الحسابات غير الدقيقة عجلت بالتراجع عن قرار الحرب، وتجريب وسائل أخرى للضغط على إيران لكي ترفع يدها عن دعم الحوثي…

المهم، السعودية فهمت أن قرار الحرب كان متسرعا، وأن حلفاءها ليسوا مستعدين للمغامرة معها، وأن قوة الحوثي أكبر مما قدرته في البداية رغم أن ضربات الحزم كانت موجعة له، وأن القبائل اليمنية التي كانت تأكل من صحن الرياض لعقود غير مستعدة لحمل السلاح للتصدي لأعداء المملكة وقتال مواطنيها نيابة عن السعودية. لهذه الاعتبارات وغيرها جرى توقيف عاصفة الحزم، وإطلاق إعادة الأمل، أي التخلي عن السلاح والعودة إلى السياسة، وهذا هو صوت العقل الذي لم يعد يسمع في صخب طبول الحرب التي كانت تدق وتعزف ألحانا طائفية ومذهبية كريهة…

منذ اليوم الأول لم يغرد هذا القلم مع من غردوا للحرب على اليمن، ولا كان ممن يرمي بالحطب الطائفي في صراع سياسي على النفوذ لا دخل للدين أو المذهب فيه، وقلت إن هذه حرب لا ناقة لنا فيها ولا جمل، وإن السعودية تقاتل إيران في اليمن من أجل النفوذ والتأثير والخوف من السلاح النووي في يد ملالي طهران، وإن الرياض ليست منظمة خيرية للدفاع عن الشرعية والديمقراطية، وإن إيران ليست فاعل خير دخل اليمن لينشر السعادة بين الحوثيين. السعودية تعتبر إيران أخطر من إسرائيل، وإيران ترى أن السعودية هي مصدر كل شر في المنطقة، والخاسر الأكبر في اليمن هم المواطنون الذين وجدوا أنفسهم عالقين في حروب وصراعات الأنظمة فيما بينها، وعدم قدرتها على الجلوس إلى طاولة المفاوضات للبحث عن حلول سياسية ودبلوماسية لمشاكلها ومصالحها المتعارضة…

لقد جندت السعودية وإيران أتباعهما لإضفاء الشرعية على حرب لا مجد فيها ولا أبطال.. السعودية أخرجت السلاح الثقيل الذي جربته ضد إيران منذ قيام الثورة الإيرانية سنة 1979، أي السلاح المذهبي: السنة ضد الشيعة.. الفرقة الناجية ضد الفرقة الضالة، وهكذا تجند فقهاؤها وخطباؤها وسلفيوها لإثارة الفتنة، وإيقاظ حروب علي ومعاوية ويزيد والحسين على مدار 14 قرنا، وما تراكم على ضفاف هذا الصراع من أحقاد وضغائن وتكفير… 

إيران هي الأخرى أخرجت أذرعها الإعلامية والسياسية والعسكرية للرد على السعودية، ومن لبنان صعد صوت حسن نصر الله، زعيم حزب الله، ليتحدث «بالفارسي الفصيح»، وليسوق الدعاية الإيرانية حول وهابية السعودية، ووقوفها خلف طمس وتهديم المعالم الإسلامية في مكة والمدينة، وتحالفها مع أمريكا وحتى إسرائيل. وهكذا رجعنا في ظرف شهر إلى سنة وشيعة بلا عنوان آخر ولا انتماء آخر ولا عقل آخر.. سنة وشيعة يتقاتلون على تفسير الدين، ومن هو الأحق بالخلافة قبل 14 قرنا، أبو بكر أم علي، الحسن أم معاوية، اليزيد أم الحسين.. فيما العالم يتابع معاركنا، ويستغرب هؤلاء الأقوام الذين بعثهم الله من القرون الوسطى دما ولحما ليتقاتلوا بالطائرات والمدافع بعقول السيوف والحراب والمنجنيق…

 

 

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المساء عاصفة بدون حزم المساء عاصفة بدون حزم



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 14:25 1970 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

غارات إسرائيلية توقع قتلى وجرحى في خان يونس ومدينة غزة
المغرب اليوم - غارات إسرائيلية توقع قتلى وجرحى في خان يونس ومدينة غزة

GMT 18:50 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أروى جودة تتعرض لموقف محرج في «الجونة»

GMT 21:59 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"كيا" تطلق سيارة كهربائية متطورة قريبا

GMT 02:14 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

برج "برواز دبي" يَجذب مليون زائر في عام واحد

GMT 21:28 2018 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

سفير المغرب في هولندا يكرم البطل التجارتي

GMT 02:30 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

"50 فكرة عن" الاقتصاد" كتاب حول النظم الاقتصادية

GMT 02:02 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

عمرو عمارة يبيّن أسباب تسوس الأسنان

GMT 15:25 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

الفنادق الأكثر جاذبية في العالم خلال عام 2018
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib