المال العام يُهرَب من النوافذ لا من الأبواب

المال العام يُهرَب من النوافذ لا من الأبواب

المغرب اليوم -

المال العام يُهرَب من النوافذ لا من الأبواب

توفيق بن رمضان

هناك أزمة تبدو صغيرة بين الحكومة والبرلمان، لكنها في العمق أزمة كبيرة، واختبار جدي لشعار بنكيران حول محاربة الفساد والريع، وإرساء آليات حكامة جدية في صرف المال العام..
ماذا يجري؟ حكومة السيد بنكيران وضعت مشروع القانون التنظيمي للمالية في مجلس النواب، وتجاهل وزيراها، بوسعيد واليزمي، ضرورة سد الثقوب الكثيرة الموجودة في القانون التنظيمي للمالية القديم. ومن هذه الثقوب «تملص» حسابات الخزينة (Compte de trésorerie) في وزارة المالية من أي رقابة أو شفافية أو عقلانية في تدبير مليارات الدراهم...
البرلمانيون في المعارضة والأغلبية انتبهوا إلى هذه الثغرة في قانون تنظيمي كان من المفروض فيه أن يكون متقدما على السابق، وأن يشكل قطيعة مع «السيبة» التي كانت تجعل القانون المالي خارج أي رقابة جدية من طرف البرلمان.
عوض أن توافق الحكومة على التعديل الذي اقترحته الأغلبية والمعارضة في لجنة المالية، والقاضي بإدخال  حسابات الخزينة (أو ما يسمى إعلاميا بالصناديق السوداء) إلى قانون المالية الذي يعرض كل سنة على البرلمان، وعوض أن تشكر الحكومة الأغلبية والمعارضة على أنهما أنقذتا ماء وجهها من فضيحة مدوية، رفض وزير المالية، وجنراله القوي نور الدين بنسودة، هذا التعديل، ومارس الاثنان معا ضغوطات قوية على البرلمان وعلى الحكومة لدفعهما إلى سحب التعديل الذي يجعل للبرلمان والحكومة عينا على مداخيل حسابات الخزينة، ومداخيل المخالفات الجمركية، ومداخيل الغرامات الضريبية... وكل هذه المداخيل تصل إلى مليارات الدراهم، ومنها تصرف «بريمات» موظفي المالية خارج أي رقابة للبرلمان ولا حتى للحكومة، لأن وزراء المالية، كلهم بلا استثناء، كانوا يوقعون على تفويض للمديرين الكبار للتصرف في هذه الحسابات، ثم لا يرجعون لتدقيق قراراتهم ولا أوامر صرفهم، وكيف يراجعون هذه القرارات وبعضهم أكل منها الخير الكثير، وعندما نشرنا ذلك بالوثائق والأدلة فتحت في وجوهنا أبواب الجحيم...
هذا الضغط السياسي الذي مارسه وزير المالية على البرلمانيين دفعهم إلى التكتل في مواجهته، أغلبية ومعارضة، ومن ثم صوتوا بالإجماع على إدخال مادة في القانون التنظيمي للمالية، توجب على وزارة المالية أن تأتي كل سنة في القانون المالي بمعطيات مدققة حول حسابات الخزينة، وألا يترك الأمر لأمزجة وحسابات وأطماع الموظفين... هنا غضب وزير المالية، وانسحب الأسبوع الماضي من اجتماع لجنة المالية، وبدأت الاتصالات من أجل الضغط على الأغلبية للوقوف إلى جانب وزارة المالية في معركتها ضد الشفافية والقانون ومبادئ الحكامة.
المديرون الكبار في وزارة المالية، وعلى رأسهم الخازن العام للمملكة، أقاموا بيتا للعزاء في إداراتهم، وبدؤوا يلوحون براية الاعتبارات الأمنية التي ستمس بسبب إدخال هذه المادة إلى القانون التنظيمي الجديد... وهذه حيلة معروفة لإخافة السلطة، وكأن وزارة المالية تشتري الأسلحة المحظورة بفوائد العمليات البنكية للخزينة العامة وبالغرامات التي تفرض على المواطنين.
أيها السادة، إننا أمام امتحان جديد لشعارات الحكومة التي أخطأت عندما كانت تضع مشروع القانون التنظيمي، حيث سمحت بترك هذه الثغرة مفتوحة، وها هي ترتكب خطأ ثانيا عندما شرعت في الضغط على البرلمانيين لمنعهم من إقفال ثقب كبير في الميزانية.
يصل مدخول فوائد الأنشطة البنكية، في الخزينة العامة وحدها، إلى مليار درهم سنويا، وإذا لم يراقب البرلمان هذا القدر الهائل من المال، وترك لموظف -كيفما كان- فإنه يستطيع به، لو أراد، أن يشكل أغلبية في البرلمان غدا، ويستطيع بهذا القدر الكبير من المال أن يمول حزبا كبيرا لو شاء، ويستطيع أن يسكت أصوات كل الصحافيين والموظفين المزعجين، وأن يعد لهم ملفات قضائية مخدومة لو أراد... افتحوا عيونكم.. إن المخاطر تدخل عادة من الشقوق لا من الأبواب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المال العام يُهرَب من النوافذ لا من الأبواب المال العام يُهرَب من النوافذ لا من الأبواب



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 19:13 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة
المغرب اليوم - ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة

GMT 17:49 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها
المغرب اليوم - بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها

GMT 18:50 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أروى جودة تتعرض لموقف محرج في «الجونة»

GMT 21:59 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"كيا" تطلق سيارة كهربائية متطورة قريبا

GMT 02:14 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

برج "برواز دبي" يَجذب مليون زائر في عام واحد

GMT 21:28 2018 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

سفير المغرب في هولندا يكرم البطل التجارتي

GMT 02:30 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

"50 فكرة عن" الاقتصاد" كتاب حول النظم الاقتصادية

GMT 02:02 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

عمرو عمارة يبيّن أسباب تسوس الأسنان

GMT 15:25 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

الفنادق الأكثر جاذبية في العالم خلال عام 2018
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib