التزوير الناعم للانتخابات

التزوير الناعم للانتخابات

المغرب اليوم -

التزوير الناعم للانتخابات

توفيق بوعشرين

يكثر الكذب في ثلاث مناسبات؛ في الانتخابات، وبعد رحلة صيد فاشلة، وبعد قصة زواج مضطربة.. هكذا يقول المثل… دعونا من الصيد والزواج اليوم، واتركونا في الانتخابات الجماعية المزمع تنظيمها في شتنبر المقبل في «أجمل بلد في العالم».

لا توجد أوهام لدينا عن احتمال ميلاد برامج أو مخططات أو نخب محلية أو جهوية متقدمة، أو أحزاب حقيقية تتبارى حول عروض سياسية واقعية. ليست لدينا أوهام بخصوص كل هذه الشروط التي تجعل من الانتخابات انتخابات.. هناك ثوابت معروفة في كافة الانتخابات التي شهدها المغرب: أولا، أغلبية الشعب لا تصوت ولا تذهب إلى صناديق الاقتراع، وهذا الأمر لا يزعج أحدا، بالعكس هو يرضي السلطة وجل الأحزاب التي تخشى المفاجأة وعدم القدرة على التحكم في صناديق الاقتراع إذا ما هب الشعب للمشاركة. لا أحد لديه إلى الآن خطة أو فكرة أو إجراء لمصالحة جل سكان المدن والشباب مع العملية الانتخابية التي يراها أكثر من 50 في المائة من المغاربة عملية تفتقر إلى المصداقية ولا تغري أحدا بالمشاركة فيها. هذا أول ثابت في انتخابات المغرب، جماعية وتشريعية. ثاني الثوابت التي لا تتغير هو استعمال المال لاستمالة الناخبين الفقراء، وعملية شراء الأصوات هذه أصبحت عملية «مشروعة» اجتماعيا وثقافيا، ولا يرى الناس فيها عيبا مادام سعادة المستشار الجماعي أو معالي البرلماني المحترم لن يحقق شيئا للمواطن طيلة خمس سنوات من انتدابه، فلماذا لا يدفع مسبقا مقابل الصوت الذي يأخذه. العملية حسابية أولا وأخيرا. إذا كانت الدولة لا تعرف بالضبط من يقبض المال في الانتخابات، فهي تعرف من يدفعه، لكنها تستعمل «عين ميكا» لأغراض عدة، ليس أقلها حماية «البلقنة السياسية»، وحتى لا تذهب الأصوات إلى حزب واحد أو كتلة معينة، وحتى تبقى أصوات الناخبين متفرقة على قبائل الأحزاب الحقيقية والبلاستيكية.. التي لها وجود على الأرض أو الافتراضية التي لا تنشط إلا أياما معدودة قبل الاقتراع المستفيد الأول من البلقنة الانتخابية هو السلطة التي تحتفظ بكل الخيوط بين أصابعها، فالناس ينتخبون والسلطة تختار من يسير المدن والمجالس بطرق ناعمة ودون تكلفة كبيرة، هل سمعتم عن وزارة للداخلية في العالم تطلب من حزب أن يقلص ترشيحاته في الانتخابات؟ وهل سمعتم عن حزب يرد: آمين؟

الثابت الثالث في انتخاباتنا أنها، في عمومها، انتخابات أشخاص لا أحزاب، أعيان لا ممثلين للسكان، ومن ثم تصبح الماكينات الانتخابية للأعيان هي التي تحدد النتيجة النهائية، حتى إن أغلبية الأحزاب طبعت مع هذه الظاهرة، وصار اليمين واليسار يخطبان ود هؤلاء السماسرة أو الشناقة، الذين يرعون شعبهم الانتخابي طيلة السنوات الفاصلة بين الانتخابات بكل أشكال الرعاية المادية والرمزية، ويقدمون هؤلاء ثمنا للحصول على الريع السياسي من الأحزاب، ومقابلا للحصول على مغانم وامتيازات ومقاعد وزارية لهم أو لأبنائهم.

لقد أصبحت الأحزاب رهينة لهؤلاء الأعيان ولرغباتهم ولأطماعهم، فماذا يفعل حزب مقطوع من شجرة لا وجود تنظيمي أو سياسي أو إيديولوجي له على أرضٍ الواقع، سوى الاستعانة بمنشطات الأعيان ليبقى على سطح البركة الآسنة للسياسة في البلد… تأملوا جل الأحزاب المغربية، وابحثوا عن مناضليها وشبيبتها وأطرها وخطابها ومؤسساتها، لن تعثروا على شيء من هذا، ولولا رعاية الدولة لهؤلاء بكل الأشكال لانقرضوا في يوم واحد. يكفي أن نغير نمط الاقتراع أو العتبة الانتخابية أو شكل التقطيع لتختفي كل هذه الطحالب السياسية التي تأكل من المياه الملوثة للسياسة المغربية.

كل هذه الثوابت وغيرها من أعطاب الانتخابات عندنا معروفة ويقر بها الجميع، لكن لا أحد يريد أن يتحمل مسؤولية إصلاح الانتخابات لتكون مناسبة لميلاد الديمقراطية. الجميع يطبع مع هذه الانحرافات، والجميع يقبل المشاركة في انتخابات تشبه الانتخابات، وصناديق اقتراع متحكم فيها، وفي النهاية يدفع المغاربة ثمن هذا اللعب. انظروا إلى أحوال المدن والقرى والجماعات الحضرية والقروية.. جلها بلا مرافق ولا سياسة للمدينة ولا فضاءات للعيش الكريم. الانتخابات لوحدها ليست وثيقة لإثبات الديمقراطية في أي بلد.. الانتخابات بند واحد في الميثاق الديمقراطي، وهناك بنود أخرى عديدة، أولها احترام إرادة الأمة وتقديس اختيارها وضمان حريتها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التزوير الناعم للانتخابات التزوير الناعم للانتخابات



GMT 20:14 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

بيروت والكلام المغشوش

GMT 20:11 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

التغييرات المناخية... الأمل بالطيران في بيليم

GMT 20:05 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

انتحار الصِغار و«رقمنة» اليأس

GMT 20:00 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

الحبل السُّرِّي بين العالم العربي وحل الدولة الفلسطينية

GMT 19:47 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

عالم من الضواري

GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 21:29 1970 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء
المغرب اليوم - العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء

GMT 17:25 2013 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"ماوس" تطفو اعتمادًا على دوائر مغناطيسية

GMT 09:48 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مطعم "الشلال" يسعى إلى جذب زبائنه بشتى الطرق في الفليبين

GMT 23:15 2023 السبت ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سان جيرمان يكتسح ستراسبورغ بثلاثية في الدوري الفرنسي

GMT 08:04 2023 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سلطنة عمان تحذر مواطنيها من خطورة السفر إلى لبنان

GMT 22:31 2023 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي مهدي بنعطية مرشح لمنصب مدير رياضي بفرنسا

GMT 08:16 2023 الأربعاء ,13 أيلول / سبتمبر

أبرز الأخطاء الشائعة في ديكورات غرف النوم الزوجيّة

GMT 16:04 2023 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

150 قتيلا جراء الفيضانات والأمطار الغزيرة في ليبيا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib