9 مارس التاريخ المنسي

9 مارس.. التاريخ المنسي

المغرب اليوم -

9 مارس التاريخ المنسي

توفيق بوعشرين


حلت الذكرى الرابعة لخطاب 9 مارس لسنة 2011.. خطاب لم يكن كباقي الخطابات الملكية، ولو كنت مديرا لتلفزات الدولة لأعدت بث هذا الخطاب قبل نشرة الثامنة والنصف، لتذكير الجميع بمضامين الكلام الملكي في مناسبة خاصة جداً.

إنه أكثر من خطاب.. إنه شكل من أشكال التعاقد الشفوي بين الجالس على العرش والشباب، القوة الأكثر حيوية وخطورة في كل البلدان. بيعة يوليوز 99 كانت بين النخب الحزبية والسياسية والعسكرية والإدارية التي دعيت إلى القصر، ساعات بعد وفاة الملك الراحل، لتوقع نص البيعة للملك الجديد، حتى قبل دفن الملك الراحل. كانت بيعة الشيوخ والكهول، إن صح التعبير، لكن خطاب 9 مارس كان وعدا ملكيا لجيل محمد السادس.. جيل الشباب الذي خرج مع هبوب رياح الربيع العربي يطالب بالحرية والكرامة. 9 مارس كان وعدا بنهاية ديمقراطية الواجهة، ونهاية دستور الحسن الثاني الذي كان بمثابة دستور الغالب ضد المغلوب. الوعد الملكي يوم التاسع من مارس كان التزاما من أعلى سلطة في البلاد بفتح صفحة جديدة في نظام الحكم وأسلوب إدارة الدولة، والتزاما واضحا باحترام نتائج صناديق الاقتراع، وعدم التدخل في شؤون الأحزاب من قبل المحيط الملكي، والتخلي عن نموذج التنمية بدون ديمقراطية، ومراجعة علاقة الثروة بالسلطة، والاعتراف بوجوب اقتسام السلطة، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وإرساء مؤسسات الحكامة، والإعلاء من قيمة البرلمان في نظامنا السياسي، والإقرار بأعطاب الدولة الكثيرة… كل هذا وأكثر جاء في 12 دقيقة من خطاب فاجأ أتباع النظام قبل معارضيه…

خطاب 9 مارس، الذي نسيه الكثيرون، كان جواب الملك عن مطالب 20 فبراير، وكان فاتورة النظام عن متأخرات الديون السياسية التي في عنقه، ولهذا رأينا المحافظين في بيت الحكم يلومون الملك على تسرعه في التنازل للشارع، وبعضهم كان يقول إن 20 فبراير حمل كاذب، وإنها مجرد تقليد وموضة لما جرى في تونس وليبيا ومصر واليمن، وإن النظام كان يمكن أن يعبر هذا المطب بأقل من التكلفة التي دفعها في دستور 2011 وانتخابات 25 نونبر وحكومة بنكيران، فيما كان رأي العقلاء أن 20 فبراير ناقوس خطر، وأن البلاد كانت مدعوة إلى مراجعة كبيرة مع الذات في شتنبر 2007، عندما لم يشارك في الانتخابات التشريعية سوى أقل من 20 ٪ من الناخبين، فيما 80 ٪ كان لها رأي آخر. هنا كان يجب التحرك وتعديل الدستور، واقتسام السلطة، والدعوة إلى مصالحة المواطنين مع صندوق الاقتراع ومع السياسة ومع الدولة، لكن الذي حدث هو العكس تماماً.. جرى خلق حزب الدولة كـ«جواب تكتيكي عن أسئلة عديدة ومرحلية، ومنها محاولة التصدي للتسونامي الإسلامي»، كما قال حسن بن عدي، أحد مهندسي حزب الأصالة والمعاصرة، أما نتيجة هذا الخيار فالجميع يعرفها…

ماذا بقي من 9 مارس اليوم بعد أربع سنوات؟ سأكون كاذبا إذا قلت: لا شيء، وسأكون غير موضوعي إذا قلت إن وعد مارس تحقق بكامله… لنقل، إذن، إننا خرجنا بمكاسب متوسطة من الربيع العربي، وإن خطاب 9 مارس كان وعدا أكبر من النخب الحالية.. كان أكبر من اللجنة الملكية الاستشارية التي وضعت مشروع الدستور، ذلك أنها لم تنزّل كل مضامين الخطاب الملكي في الدستور الجديد الذي صيغ بأساليب «الحيل الفقهية القديمة»، حيث يجري الالتفاف حول المبادئ بصيغ لغوية معقدة يسهل تأويلها في كل الاتجاهات حسب الظروف والأحوال، ثم جاء الدور على النخب الحزبية التي داهمها الربيع المغربي هي الأخرى، فأصبحت تابعة لا مبادرة.. كيف تبادر وخطاب الملك حول الدستور تجاوز سقف مطالب معظمها، إن كانت لها مطالب أصلا… تحول الدستور على يد حكومة بنكيران إلى قطعة عجين تصنع منه أشكالا مختلفة للتطبيع مع القصر، ولا تتذكره إلا في الأوقات العصيبة، أما المعارضة فإنها كالحكومة تعرض خدماتها على الدولة وفي مقدمتها استعدادها لتعطيل الدستور ما وسعها ذلك إن هي وصلت إلى الحكم.

مع ذلك خرجنا من 9 مارس بدستور متقدم، وانتخابات أقل فسادا، وحزب للدولة ما عاد يمتلك رعايتها، وإن كان يطمع في لعب دور في توازناتها.. خرجنا من الربيع المغربي بقواعد لعب جديدة في الحقل السياسي والدستوري. وحدها التجربة والسنوات المقبلة ستقول لنا ما إذا كانت مكاسب حقيقية أم مجرد أحلام يقظة في يوم ربيعي مشمس…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

9 مارس التاريخ المنسي 9 مارس التاريخ المنسي



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 23:15 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل تتسلم رفات رهينتين من حماس عبر الصليب الأحمر
المغرب اليوم - إسرائيل تتسلم رفات رهينتين من حماس عبر الصليب الأحمر

GMT 18:50 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أروى جودة تتعرض لموقف محرج في «الجونة»

GMT 21:59 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"كيا" تطلق سيارة كهربائية متطورة قريبا

GMT 02:14 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

برج "برواز دبي" يَجذب مليون زائر في عام واحد

GMT 21:28 2018 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

سفير المغرب في هولندا يكرم البطل التجارتي

GMT 02:30 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

"50 فكرة عن" الاقتصاد" كتاب حول النظم الاقتصادية

GMT 02:02 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

عمرو عمارة يبيّن أسباب تسوس الأسنان

GMT 15:25 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

الفنادق الأكثر جاذبية في العالم خلال عام 2018
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib