ومازالوا مختلفين

ومازالوا مختلفين

المغرب اليوم -

ومازالوا مختلفين

توفيق بو عشرين


هناك دائماً مواجهات وصراعات وتباين رؤى وتعارض مصالح واختلاف وجهات نظر بين الفقراء والأغنياء.. بين المحافظين والحداثيين.. بين المتدينين والعلمانيين.. بين الحاكمين والمحكومين…

لكن مع اختلاف كل هذه الفئات، هناك قناطر يمكن تركيبها بين ضفتي معسكري الطرفين، ليعبر كل طرف نحو الآخر، وهناك دائماً إمكانية ميلاد توافقات يمكن نسجها بين المتصارعين للوصول إلى إدارة الصراع بينهم سلميا وحضاريا، وهناك دوما ضريبة يمكن أن يدفعها كل طرف ليقبل بالآخر، وهناك في الغالب الأعم مجال للتنازلات المشتركة بين المتصارعين، لكن من يراها ومن يقبل بها؟ هذا هو السؤال.

لنبدأ بالفقراء والأغنياء.. هناك من الأغنياء من يعتبر أن الفقراء هم وحدهم المسؤولون عن فقرهم، لأنهم لم يتعلموا، أو لم يشتغلوا، أو لم يغامروا لكسب الثروة، ومن ثم فإن مسؤولياتهم في أعناقهم وليست في عنق الدولة أو الأغنياء والقادرين، والحل بالنسبة إلى الأغنياء، أو الجزء الأكبر منهم، هو السعي إلى اكتساب السلطة للحفاظ على الاستقرار، وحماية الرأسمال، وإدارة المجتمع، لتنظيم الندرة بين الفقراء، وتوزيع الوفرة بين الأغنياء. وهناك، في المقابل، من الفقراء من يرى أن الأغنياء لم يكسبوا الثروة إلا على ظهور الفقراء، وأن جشعهم وفسادهم واحتكارهم هي سبب الفقر الذي يضرب الجماهير الشعبية، وأن الحل هو الثورة التي تعيد السلطة للفقراء، وتمكن البروليتاريا من أعناق مالكي وسائل الإنتاج، ومن ثمة مصادرة ثروات الأغنياء، وإعلان الجمهورية الفاضلة في الأرض…

بين هاذين الحدين من التناقض وصل الفكر البشري إلى توافق يقول إن الفقير هو الشخص الذي لم يعط فرصة لصبح غنيا، وإن من مسؤولية الدولة أن ترعى تكافؤ الفرص، وأن تحقق العدالة الاجتماعية، وأن تضمن الحد الأدنى من العيش للجميع، وبعدها فليتنافس المتنافسون، وإن الغني هو شخص عمل واجتهد، وإن من مسؤوليته أن يشتغل أكثر ويدفع ضرائب أكبر، لا أن يعيش في جزيرة الأحلام وسط بحر من الفقر والتهميش والهشاشة، بل يجب أن يساهم في التنمية ويجعل للرأسمال مسؤولية اجتماعية…

بين الإسلاميين والعلمانيين في العالم العربي اليوم حروب ودماء وصراعات. الإسلاميون يعتبرون أنهم الأحق بالحكم والسلطة على الدولة والمجتمع، لأنهم يمثلون أتباع الدين الإسلامي، ولأنهم الأكثر شعبية وسط المجتمعات العربية المحافظة، ولأن خصومهم أذناب الاستعمار، ووكلاء التغريب في أوطانهم، ولهذا فإن ظهر السلطة لا يحمل إلا طرفا واحدا. والعلمانيون يرون في الإسلاميين بقايا التخلف من عصر الانحطاط، وأن الملتحي يعتبر نفسه مبعوث السماء إلى الأرض، وأنه يكفر بالحضارة والتقدم، ويريد أن يفرض وصايته الدينية على الدولة والمجتمع، ولهذا لا ديمقراطية مع غير الديمقراطيين…

بين حدي هذا التناقض يمكن إقامة مساحات للتوافق على المبادئ العامة التي لا تختلف حولها الأديان والحضارات والثقافات، ومنها العدل والحرية والكرامة وحقوق الإنسان… وأن نترك تنافر الإيديولوجيات لصندوق الاقتراع المؤطر بمبادئ الديمقراطية، وأن يسعى الجميع إلى إبعاد المتطرفين في المعسكرين معا نحو الأطراف، وترك المعتدلين في الوسط يقودون الأغلبية نحو توافقات تاريخية لإدارة المرحلة الانتقالية، خوفا من الحرب الأهلية والنزعة التسلطية والاحتراب الداخلي…

اليوم السوريون والليبيون واليمنيون والعراقيون لا يعرفون كيف يتفاوضون على الحلول الوسطى، ولم يتدربوا على التنازلات المشتركة، ولا يرون إلا صيغة «رابح خاسر»، ولم يتعرفوا بعد على صيغة «رابح رابح»، والنتيجة ما نراه من قتل ودمار ووحشية تذكر العالم بأحوال القرون الوسطى…

السياسة هي فن الممكن، والتعايش هو الطريق نحو التقدم، والانفتاح على الآخر هو سبيل البناء. لا يدقق العقلاء في الإدارة والحكم في خصائص كل طرف وميزاته وعيوبه ومشاكله، بل يدققون في ما يمكن أن يفعلوه وينجزوه مع هذا الآخر، بغض النظر عن أفكاره ودينه ومعتقداته واختياراته. يقول تعالى: «ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين».

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ومازالوا مختلفين ومازالوا مختلفين



GMT 20:14 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

بيروت والكلام المغشوش

GMT 20:11 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

التغييرات المناخية... الأمل بالطيران في بيليم

GMT 20:05 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

انتحار الصِغار و«رقمنة» اليأس

GMT 20:00 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

الحبل السُّرِّي بين العالم العربي وحل الدولة الفلسطينية

GMT 19:47 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

عالم من الضواري

GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 21:29 1970 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء
المغرب اليوم - العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء

GMT 17:25 2013 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"ماوس" تطفو اعتمادًا على دوائر مغناطيسية

GMT 09:48 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مطعم "الشلال" يسعى إلى جذب زبائنه بشتى الطرق في الفليبين

GMT 23:15 2023 السبت ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سان جيرمان يكتسح ستراسبورغ بثلاثية في الدوري الفرنسي

GMT 08:04 2023 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سلطنة عمان تحذر مواطنيها من خطورة السفر إلى لبنان

GMT 22:31 2023 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي مهدي بنعطية مرشح لمنصب مدير رياضي بفرنسا

GMT 08:16 2023 الأربعاء ,13 أيلول / سبتمبر

أبرز الأخطاء الشائعة في ديكورات غرف النوم الزوجيّة

GMT 16:04 2023 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

150 قتيلا جراء الفيضانات والأمطار الغزيرة في ليبيا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib