نصف الكأس الفارغ

نصف الكأس الفارغ

المغرب اليوم -

نصف الكأس الفارغ

توفيق بو عشرين


«الشعب بيننا»، قالها وزير العدل والحريات، مصطفى الرميد، لليساريين والحداثيين الذين طالبوه بالاعتراف بالحقوق الفردية في مسودة القانون الجنائي الجديد، وعدم تجريم العلاقات الجنسية خارج الزواج، والتسامح مع المفطرين في رمضان… الوزير يعرف بحاسته السياسية أن المجتمع المغربي محافظ بل ومنغلق أحيانا، وأن الشعب أكثر محافظة من الإسلاميين، لهذا رفع تحدي الاحتكام إلى الشعب…

لا جدال في أن القانون يضعه البرلمان المنتخب والأغلبية فيه تمثل نظريا إرادة الأمة، وهي التي تحسم النقاش، لكن هناك اعتبارات أخرى يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، وهي المواثيق الدولية، قيم العصر، ووضع الأقلية وسط النخبة، وصورة المغرب في الخارج… أنا متأكد لو أن وزارة العدل عرضت تطبيق عقوبة الرجم على الزاني للاستفتاء في المجتمع لحصلت هذه العقوبة على الأغلبية المطلقة، لكن وظيفة الحكومة والبرلمان والأحزاب والنخب أن ترشد الرأي العام، وأن تضع أمام الشعب توليفة «الأصالة والمعاصرة». نعم جل المغاربة مسلمون، لكنهم أبناء القرن الـ21، وجلهم يطمع في الهجرة إلى الغرب، ومئات الآلاف منهم يقفون على باب السفارات الغربية والأمريكية كل سنة للحصول على التأشيرات، وهم لا يحلمون بالهجرة إلى السعودية وأفغانستان وباكستان، وهي الدول التي تطبق الشريعة الإسلامية بفهم سلفي وهابي متخلف. علينا أن نتمعن في هذه المفارقة…

لنرجع إلى قانون الحلال والحرام، أي مسودة القانون الجنائي التي عرضنا إيجابياتها أمس، واليوم نقف عند سلبياتها، وأولاها أنها مشروع قانون جنائي «قديم جديد»، أي أن المسودة لم توضع في قالب جديد بمنظور جديد ورؤية جديدة للممنوع والمسموح به في المجالين العام والخاص. القانون الجديد هو بمثابة تعديلات موسعة وليس مسودة جديدة… هل كان من الممكن أن نضع قانونا جديدا غير ذلك الذي ساهم الاستعمار الفرنسي والاستقلال المغربي في وضعه منذ أكثر من قرن؟ الجواب الأولي هو لا. الحزب الحاكم محافظ والدولة أكثر محافظة من الإسلاميين في القضايا الأخلاقية، ونظام القيم والشعب أكثر محافظة من الاثنين، فيما الحداثيون أقلية الأقلية، لهذا على هؤلاء أن يعترفوا بالواقع، وأن يتفاوضوا مع وزارة العدل على الممكن لا على المستحيل.. عندها يمكن أن يأخذوا بعض المكاسب… 

الملاحظة الثانية على مسودة القانون الجنائي هي أنها ظلت مسكونة بهاجس أمني، وأعطت الدولة دائماً امتيازا على المواطن، وهنا أقدم مثالين؛ الأول هو تجريم التعذيب، حيث تبنى مشروع القانون التعريف الشامل للتعذيب كما جاء في الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب، لكنه عندما مر إلى إقرار العقوبة كان انتقائيا، حيث لم يفرد إلا عقوبات على التعذيب الذي يحدث آلاما جسدية أو نفسية، ولم يشمل بالعقاب المعاملات القاسية والمعاملات الحاطة من كرامة البشر، ما يعني أنه يجرم كل أنواع التعذيب، لكنه لا يعاقب إلا على بعضه، حتى يترك للسلطة الباب الذي تفلت من خلاله من العقاب.

المثال الثاني من المادة 206 التي حافظت على وجودها من المشروع القديم رغم أنها مادة مثيرة للجدل الحقوقي. إنها جريمة فضفاضة اسمها تلقي أموال أو هبات أو هدايا من جهات أجنبية بهدف زعزعة ولاء المواطنين للدولة المغربية ولمؤسسات الشعب المغربي عن طريق تسيير أو تمويل نشاط أو دعاية. هذا النص يعاقب من سنة إلى عشر سنوات وغرامة من 2000 إلى 100 ألف درهم. هذا النص هو الذي حوكم به شكيب الخياري لأنه أدلى بتصريحات وتقارير عن تهريب المخدرات في الشمال لصحيفة إسبانية، ولأنه كان يدير جمعية تتلقى مساعدات من مدريد، كما جل الجمعيات، فإن هذا النص اشتغل بفعالية لقمع الشاب ورميه في السجن. هذا النص عيب وعار أن يبقى في مسودة الرميد…

عقوبات الإعدام نزلت من 33 إلى 11 وهذا إيجابي، لكنه غير كاف. لا بد من بذل مجهود لتقليص عقوبات الإعدام لأنها مثيرة للجدل الحقوقي، والخطأ القضائي فيها غير قابل للإصلاح، وحتى عندنا لا يطبق الإعدام، لكن مجرد النطق به يدمر الإنسان، لهذا هناك حل من الشريعة الإسلامية والفقه القديم هذه المرة، وهو سقوط عقوبة الإعدام في حالة تنازل عائلة الضحية وقبولها بالتعويض والسجن المؤبد أو المحدد…

مشروع المسودة الجديدة أغفل تجريم امتناع قضاة النيابة العامة عن عرض كل من ادعى تعرضه للتعذيب على الخبرة الطبية. لقد رأينا السنة الماضية وكلاء للملك يمتنعون عن إجراء خبرة طبية لمتهمين ادعوا تعرضهم للتعذيب في مخافر الشرطة، فما كان من وزير العدل إلا أن أوقف واحدا من هؤلاء بإجراء إداري لأن النص غير موجود. هذه فرصة لتجريم هذا التجاهل وتخصيص عقوبة رادعة له.

موضوع اقتحام المنازل للبحث عن علاقات جنسية أو فساد مفترض بين رجل وامرأة موجودين في مكان واحد بدعوى وجود شكاية من الجيران.. هذا أمر يجب إعادة النظر فيه، لأننا شهدنا كيف شوهت السياسة الجنائية هذا النص، وتلاعبت به لأهداف أخرى، وهنا لا نقترح شيئا جديدا على وزير العدل الإسلامي.. رجاء التقيد بما جاء في الشريعة الإسلامية والفقه القديم، وهو اشتراط أربعة شهود على الفعل الفاضح، وإثبات الاتصال المباشر الذي لا يقطعه شيء، واعتبار البيوت حرمات، والباقي أنت وضميرك…

 يخطئ من يعتقد أن القانون وحده يحمي الأخلاق والدين والقيم.. أبدا، الذي يحمي المنظومة الأخلاقية في أي مجتمع هو ثقافة الناس، هو ضميرهم وليس السجن والغرامة… ولهذا، فإن القانون الجنائي وظيفته حماية الأفراد من ظلم بعضهم، وحماية النفس والمال والمصلحة، أما الدين والأخلاق فهذه متروكة لضمير الفرد ويوم حسابه مع ربه، ولا دخل للبشر فيها بالقانون الجنائي أو المدني…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نصف الكأس الفارغ نصف الكأس الفارغ



GMT 20:14 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

بيروت والكلام المغشوش

GMT 20:11 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

التغييرات المناخية... الأمل بالطيران في بيليم

GMT 20:05 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

انتحار الصِغار و«رقمنة» اليأس

GMT 20:00 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

الحبل السُّرِّي بين العالم العربي وحل الدولة الفلسطينية

GMT 19:47 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

عالم من الضواري

GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 21:29 1970 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء
المغرب اليوم - العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء

GMT 17:25 2013 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"ماوس" تطفو اعتمادًا على دوائر مغناطيسية

GMT 09:48 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مطعم "الشلال" يسعى إلى جذب زبائنه بشتى الطرق في الفليبين

GMT 23:15 2023 السبت ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سان جيرمان يكتسح ستراسبورغ بثلاثية في الدوري الفرنسي

GMT 08:04 2023 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سلطنة عمان تحذر مواطنيها من خطورة السفر إلى لبنان

GMT 22:31 2023 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي مهدي بنعطية مرشح لمنصب مدير رياضي بفرنسا

GMT 08:16 2023 الأربعاء ,13 أيلول / سبتمبر

أبرز الأخطاء الشائعة في ديكورات غرف النوم الزوجيّة

GMT 16:04 2023 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

150 قتيلا جراء الفيضانات والأمطار الغزيرة في ليبيا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib