الحبيب وسمية وحكاية البراد المغربي

الحبيب وسمية وحكاية البراد المغربي

المغرب اليوم -

الحبيب وسمية وحكاية البراد المغربي

توفيق بو عشرين


وضع الوزير الشوباني والوزيرة بنخلدون حزبهما وحكومتهما وعائلتيهما في حرج شديد.. لا حديث للناس إلا عن الوزير المعدد والوزيرة التي قبلت أن تكون ضرة، والأدهى من ذلك أن الوزير، وخارج أعراف الذوق واللياقة، بعث زوجته لتخطب له زميلته في الحكومة دون مراعاة لمشاعرها الإنسانية… هل تعرف، يا سيدي الوزير، أن النبي، صلى الله عليه وسلم، اشترط على علي بن أبي طالب، ابن عمه وأول من صدقه من الصبيان، شرطا واحدا ليزوجه ابنته فاطمة الزهراء رضي الله عنها، قال له: «لا تتزوج عليها»…

من حق الشوباني وبنخلدون أن يكونا ضمن نسبة 0,2 الذين يختارون كل سنة التعدد وسط الذين يتزوجون، وفي هذه الحالة عليهما أن يقبلا مواجهة ثقافة مجتمعية راسخة لا تقبل بالتعدد، وإن كانت لا تنكره لأنه جائز في الشرع، لكنه جواز قريب من «أبغض الحلال»، فما بالك إذا أقدم عليه وزير ووزيرة في حكومة اختارها الناس ويتطلعون إلى رؤية أحسن ما فيهم في مرآتها. 

عندما يختار المرء أن يدخل السياسة، وأن يتحمل المسؤولية، وأن يمسك بالسلطة، فهذا امتياز وشرف له ضريبة.. والضريبة أن تراعي مشاعر الناس.. أن تزهد في الحلال قبل الحرام.. أن تراقب سلوكك لأنك تحت الأضواء الكاشفة، والكاميرات مسلطة عليك طوال الوقت.. أن تتنازل عن حقوقك قبل امتيازاتك، لهذا يعزف عن الوزارة عدد كبير من الناس في الغرب لأنهم غير مستعدين للتضحية بنموذج حياتهم وعاداتهم، ولا يقبلون أن يوضعوا في اكواريوم السلطة طيلة أربع أو خمس سنوات أو أكثر.. يفضلون العيش في الظل مع خصوصياتهم…

إذا أراد الإسلاميون أن يديروا الشأن العام، وأن يصبحوا في موقع التأثير، وأن يقودوا البلاد، فيجب عليهم التخلي عن عادات البداوة وفقه الصحراء وتقاليد المجتمعات المنغلقة، والمرجعيات الوهابية والسلفية التي لا ترى مانعا في أن يقود الرجل زوجته إلى بيت ضرتها لتخطبها له، أو أن يقبل تعدد الزوجات كما يقبل تعدد البذلات في خزانة ملابسه… التعدد ليس من ثقافة المغاربة، وعندما يقع فإنه يصدم الأسر المغربية، أيا كانت المبررات وراءه. لا يقرأ المغاربة التعدد إلا من باب النزوات المنفلتة للرجل، وهذا ما صدم الرأي العام داخل حزب العدالة والتنمية وخارجه في قصة الشوباني وسمية. يقبل المغاربة الطلاق لأنه الحل الأخير عندما تتحول الحياة الزوجية إلى جحيم، لكن المغاربة، عكس المشارقة والخليج تحديدا، لا يقبلون بالتعدد ويرونه مهينا للمرأة، وأحد عوامل تفكيك الأسرة وزرع الشقاق بين الأبناء…

عندما وضع المشرع المغربي قيودا على تعدد الزوجات، واشترط إذن المرأة الأولى قبل عقد القران على الثانية، وهو أمر شبه مستحيل، فهذا معناه أن إرادة المشرع المغربي اتجهت إلى وضع قيود على هذا الأمر، وجعل التعدد استثناء على القاعدة، ولهذا على الوزراء في الحكومة أن يجسدوا روح القوانين لأنها تعبير عن إرادة الأمة وثقافة الشعب ومشروع تحديث المجتمع…

يوم الأحد الماضي خصصت جريدة «لوموند» الرصينة افتتاحية عددها لـ«كوبل» الحكومة المغربية، سمية والحبيب، واستغربت كيف أن نسبة تعدد الزوجات في المجتمع هي 0,2٪، في حين أن النسبة وسط الحكومة هي 6٪… أي صورة نعطي للغرب وللعالم عن المغرب وعن حكومته؟ يجب على الشوباني وبنكيران والخلفي… أن يجيبوا عن هذا السؤال، ليقولوا للغرب والرأي العام «طوز فيكم.. هذا حب على سنة الله ورسوله، والتعدد جائز بل واجب في الإسلام، ونحن في المغرب، البعيد 12 كلم عن أوروبا، لا يهمنا الرأي العام في فقهنا وعاداتنا وتقاليدنا».. ليقولوا هذا الكلام، ويدافعوا عن مشروع الزواج هذا، أو يقولوا لزميليهم: «إنكما أخطأتما التقدير، وإن علاج الموضوع أصبح ضرورة». بنكيران الذي يتحدث في كل شيء بلع لسانه أمام هذه النازلة، وهذا أمر يعكس حرجه، وربما رفضه للموضوع برمته.

 تقول أستاذة القانون في جامعة السوربون، لطيفة بوحسيني، تعليقا على قصة الزواج الحكومي هذه: «إذا كان هناك من عتاب أو لوم فيجب أن يوجه إلى الوزيرة لافتقارها إلى التعاطف مع الزوجة الأولى التي ستشعر بأنها تعرضت للإذلال والإهانة. سمية بنخلدون استفادت من مبدأ المناصفة ومن ثقافة حقوق المرأة لتصل إلى موقع المسؤولية، والآن تخون هذه المبادئ وتعود بقضية المرأة إلى الوراء».

هذه أول مرة يجد فيها الإسلاميون أنفسهم في مواجهة مفتوحة مع ثقافة قطاعات واسعة من المجتمع، وإذا كانوا قد عبروا في السابق عن درجات عالية من الاندماج والتكيف عندما قبلوا أن يضعوا قناعاتهم الإيديولوجية جانبا، وأن يتقدموا لخدمة المجتمع، حتى إن بنكيران عبر أكثر من مرة عن كونه ليس إسلاميا، وأنه مغربي عادي محافظ ومتدين لكنه ليس متشددا ولا منغلقا، وأن تغيير نمط تدين المغاربة يقع خارج أجندته، لكن في حالة الشوباني وبنخلدون خسر حزب المصباح نقاطا كثيرة، والكرة الآن في ملعب رئيس الحكومة لينهي هذا الفيلم المشوق. ألم يقل رئيس الحكومة إن الإسلاميين المغاربة، وإن كان فكرهم أو جزء منه قادم من الشرق، فإنهم مغربوه، تماماً مثل الشاي الصيني الذي وضعوه في البراد المغربي حتى ما عاد الصينيون يعرفون شاي بلدهم في المغرب. إذن، الآن مناسبة ليظهر بنكيران هذه التامغربيت، وأن ينهي هذه القصة، فمعروف أن عناصر التشويق في أية قصة صحفية هي الدين والسلطة والجنس، وثلاثتهم، للأسف، تجمعوا على أعتاب هذه الحكومة…

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحبيب وسمية وحكاية البراد المغربي الحبيب وسمية وحكاية البراد المغربي



GMT 20:14 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

بيروت والكلام المغشوش

GMT 20:11 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

التغييرات المناخية... الأمل بالطيران في بيليم

GMT 20:05 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

انتحار الصِغار و«رقمنة» اليأس

GMT 20:00 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

الحبل السُّرِّي بين العالم العربي وحل الدولة الفلسطينية

GMT 19:47 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

عالم من الضواري

GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 21:29 1970 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء
المغرب اليوم - العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء

GMT 17:25 2013 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"ماوس" تطفو اعتمادًا على دوائر مغناطيسية

GMT 09:48 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مطعم "الشلال" يسعى إلى جذب زبائنه بشتى الطرق في الفليبين

GMT 23:15 2023 السبت ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سان جيرمان يكتسح ستراسبورغ بثلاثية في الدوري الفرنسي

GMT 08:04 2023 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سلطنة عمان تحذر مواطنيها من خطورة السفر إلى لبنان

GMT 22:31 2023 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي مهدي بنعطية مرشح لمنصب مدير رياضي بفرنسا

GMT 08:16 2023 الأربعاء ,13 أيلول / سبتمبر

أبرز الأخطاء الشائعة في ديكورات غرف النوم الزوجيّة

GMT 16:04 2023 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

150 قتيلا جراء الفيضانات والأمطار الغزيرة في ليبيا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib