محمد السادس يصنع ثورته

محمد السادس يصنع ثورته

المغرب اليوم -

محمد السادس يصنع ثورته

بقلم ـ ادريس الكنبوري

بعد أسبوع واحد على خطابه أمام البرلمان المغربي، الذي طالب فيه بالصرامة وربط المسؤولية بالمحاسبة في تدبير شؤون الدولة، وأعلن فيه نهاية عهد التهاون في ما يتعلق بتطبيق القانون وهدد فيه بإحداث زلزال سياسي، اتخذ العاهل المغربي الملك محمد السادس الثلاثاء الماضي قرارات غير مسبوقة في حق أربعة من الوزراء، من الذين كانوا يتولون حقائب وزارية في عهد الحكومة السابقة وفي الحكومة الحالية، لديها ارتباط بالملفات الساخنة التي فجرتها احتجاجات منطقة الريف شمال المغرب، وذلـك على خلفية التقرير الذي أنجزه المجلس الأعلى للحسابات، الهيئـة الدستورية المكلفة بمراقبة السير المالي في المؤسسات العمومية، ورفعه إلى الملك قبل نحو أسبوع.

الإجراءات العقابية الملكية همت أيضا خمسة من المسؤولين الحكوميين السابقين، بسبب تهاونهم في أداء المهام المسندة إليهم، وذلك بعدم إسناد أي مسؤولية إليهم مستقبلا، وفقا لما ذكره بلاغ صادر عن الديوان الملكي، وهو ما يعني أن هؤلاء أصبحوا من المغضوب عليهم الذين خرجوا بشكل نهائي من حظيرة الدولة وحكم عليهم بنوع من العزلة.

أما في ما يتعلق بباقي المسؤولين الإداريين، وعددهم 14، فقد أعطى الملك صلاحيات النظر في شكل العقوبات المستحقة عليهم إلى رئيس الحكومة، ومن المنتظر أن تتم الإطاحة بعدد كبير من المسؤولين المركزيين والجهويين خلال الأيام القليلة المقبلة، امتثالا للتوجيهات الملكية الصارمة.

بيد أن الملفت في هذه الإجراءات القوية وغير المسبوقة أنها أطاحت بأمين عام حزب سياسي معروف، هو حزب التقدم والاشتراكية، في شخص وزير السكنى والتعمير نبيل بن عبدالله، الذي تولى حقيبة السكنى في الحكومة السابقة وكان يتولاها في الحكومة الحالية، بسبب التقصير في أداء مهمته. وتمثل الإطاحة به رسالة سياسية قوية إلى الطبقة السياسية المغربية التي انتقدها الملك بشدة في خطابه بمناسبة عيد الجلوس في شهر يوليو الماضي، وهي مفارقة غريبة لأن أمين عام حزب سياسي يجب أن يكون قدوة لأعضاء حزبه مركزيا ومحليا من الناحية النظرية، وأن يكون أكثر انسجاما مع الخطاب السياسي الذي يدافع عنه أمام الناخبين، وأكثر التصاقا بالبرنامج الذي يتخذه الحزب.

من المؤكد أن هذه المبادرة الملكية، التي كان الكثيرون يتوقعونها خلال الأسابيع الماضية نتيجة اللهجة المغايرة التي طبعت الخطابات الملكية الأخيرة، تشكل ثورة حقيقية على مستوى التعاطي مع شؤون الدولة وقضايا المواطنين، وتعطي إشارات قوية إلى الطبقة السياسية وكوادر الإدارة بأن عهد التساهل في إنفاذ القانون قد ولى إلى غير رجعة، وبأن المسؤول ليس فوق المحاسبة مهما كان وزنه أو موقعه السياسي.

فمنذ الاستفتاء على دستور العام 2011، الذي أدرج لأول مرة بندا يشدد على ضرورة ربط المسؤولية بالمحاسبة، لم تتم معاقبة أي مسؤول حكومي أو إداري، الأمر الذي فهم منه البعض أن الدولة غير جادة في تعقب المفسدين، وهو ما أدى إلى تفجر الأوضاع في مدينة الحسيمة وضواحيها بمنطقة الريف، بعد أن انكشفت مجموعة من الفضائح والخروقات ونهب المال العام.

لقد أبدى الملك في العديد من المرات تبرمه من الأسلوب الذي تدار به الدولة، ووجه طيلة السنوات الأخيرة انتقادات صريحة إلى عدد كبير من القطاعات التي تعيش أوضاعا كارثية نتيجة الاستهتار بالمسؤولية، وانتهى الأمر إلى النقد الصريح للطبقة السياسية التي أبانت عن عجز كبير عن فهم المنطق الجديد للدولة وعن عدم قدرتها على تغيير أساليب العمل، بل إن العاهل المغربي كان صريحا في خطاب يوليو الماضي عندما دعا المسؤولين الذين لا يستطيعون مسايرة التحولات الداخلية والقطع مع المنهج السابق في التدبير إلى تقديم استقالاتهم طواعية.

ويبدو أن مرحلة الركود السياسي في المغرب في طريقها إلى الزوال، بعد أن شرع الملك شخصيا في تغيير أسلوب العمل، بناء على الصلاحيات التي يخولها له الدستور، ولكي يعطي النموذج للمسؤولين الآخرين لتغيير أسلوب عملهم.

ومن المنتظر أن تشهد الأيام المقبلة إجراءات جديدة أكثر صرامة في حق عدد من المسؤولين، في حال تم فتح الملفات التي أنجزها المجلس الأعلى للحسابات خلال السنوات القليلة الماضية وكشفت عن خروقات كبيرة في العديد من المؤسسات العمومية، لكن لم تتم إحالتها حتى الآن إلى القضاء بسبب التلكؤ والروتين الإداري، وسوف يؤدي ذلك، بالتأكيد، إلى محاكمة عدد من المسؤولين الذين تورطوا في قضايا الفساد والارتشاء واستغلال النفوذ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

محمد السادس يصنع ثورته محمد السادس يصنع ثورته



GMT 08:19 2018 الأحد ,14 كانون الثاني / يناير

لا تعبثوا مع المدرسة

GMT 05:20 2017 الجمعة ,19 أيار / مايو

أخلاق الدولة في خطر..

GMT 04:55 2017 الخميس ,11 أيار / مايو

قانون المالية.. بأي معنى سياسي؟

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 02:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات
المغرب اليوم - في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib