المغرب وتجديد التعاقد السياسي

المغرب وتجديد التعاقد السياسي

المغرب اليوم -

المغرب وتجديد التعاقد السياسي

بقلم - ادريس الكنبوري

قد فهم الملك محمد السادس أن تلك الدينامية التي أطلقها قبل ست سنوات لم تثمر النتائج المتوخاة، ولذلك جاء خطاب العرش يوم السبت الماضي حادا في لهجته وكأن الملك يريد بذلك أن يعيد القطار إلى سكته.

يوم السبت 29 يوليو كان يوما مختلفا تماما في المغرب، ذلك أن الملايين من المغاربة كانوا ينتظرون ظهور الملك محمد السادس على شاشة التلفزيون لإلقاء خطاب العرش، في ظل حالة توتر اجتماعي وسياسي عاشته المملكة طيلة الأشهر التسعة الماضية بسبب الحراك والاحتجاجات في منطقة الريف. كانت التوقعات مرتفعة وكان الجميع ينتظر أن تأتي الكلمة الأخيرة من الملك شخصيا، بعد أن انكمشت الطبقة السياسية على نفسها طوال الفترة الماضية ودخلت في حروب قبلية في ما بينها حول المسؤولية عما يجري في منطقة الريف.

هذا هو الخطاب الثاني الذي انتظره المغاربة بفارغ الصبر، بعد خطاب التاسع من مارس 2011 في أوج أحداث الربيع العربي. في ذلك الخطاب أطلق العاهل المغربي دينامية سياسية جديدة، وأعلن عن تعديل دستوري جوهري وسع من صلاحيات رئيس الحكومة، الذي لم يعد يسمى الوزير الأول، وتعهد بالنزول بكل ثقله لضمان انتخابات ديمقراطية.

وقد منح الدستور الجديد مكاسب مهمة لفائدة الأقليات وحقوق الإنسان والتنمية والعدالة الاجتماعية وحرية التعبير، وكان ذلك التعديل الدستوري الأوسع في تاريخ المغرب منذ أول دستور عام 1962.

ولكن الدساتير لا تصنع الطبقة السياسية ولا تستطيع أن تأتي بعقليات جديدة، كل ما بمستطاعها أن تفعله هو توفير البنية السياسية المؤطرة للعمل السياسي والاقتصادي والثقافي، ولكن إذا لم توجد الطبقة السياسية القادرة على استيعاب التغيرات والتجاوب مع التطلعات العليا للدولة فإن جميع تلك المكاسب تصبح مجرد حبر على ورق، وعوض أن ترتفع الطبقة السياسية إلى مستوى الدستور يهبط الدستور إلى مستوى تلك الطبقة، ويبقى التغيير مجرد شعار.

وقد فهم الملك محمد السادس أن تلك الدينامية التي أطلقها قبل ست سنوات لم تثمر النتائج المتوخاة، ولذلك جاء خطاب العرش يوم السبت الماضي حادا في لهجته وكأن الملك يريد بذلك أن يعيد القطار إلى سكته.

تحدث الملك لغة جديدة مختلفة، هي لغة جميع المواطنين الذين كانوا يرددون نفس الكلام تجاه النخبة السياسية والانتخابات والعمل الحكومي، وأظهر انحيازه التام إلى المواطن العادي
إنها المـرة الأولى التي يوجـه فيها الملك نقدا عنيفا إلى الطبقة السياسية، ويعلن بكل صراحة أنه لم يعد يثق فيها، ويتساءل عن جدوى المؤسسات والعملية الانتخابية، وجدوى وجود الأحزاب السياسية، وجدوى تشكيل الحكومات، إذا كانت الأمور قد بقيت على ما هي عليه منذ إطلاق مبادرة 2011 التي كان لها صدى شعبي واسع.

تحدث الملك لغة جديدة مختلفة، هي لغة جميع المواطنين الذين كانوا يرددون نفس الكلام تجاه النخبة السياسية والانتخابات والعمل الحكومي، وأظهر انحيازه التام إلى المواطن العادي الذي ينظر إلى العمل السياسي في البلاد كمصدر للثراء والنفوذ، لا كوسيلة لخدمة المصالح العليا للمواطن.

والأكثر من ذلك أنه انتقد دون مواربة المسؤولين الذين يتخفون وراء القصر الملكي عندما يفشلون في مهامهم، ما يجعل القصر في مواجهة مباشرة مع المواطن، ودعا هؤلاء إلى تقديم استقالتهم والانسحاب من المسؤولية وترك مواقعهم لمواطنين آخرين، لأن المغرب فيه نساء ورجال ذوو كفاءات، واعتبر عدم القيام بالمسؤولية خيانة.

كان واضحا أن الملك بات أكثر انزعاجا من طريقة تدبير الشأن العام في البلاد، ففي خطابه دخل في الموضوع مباشرة دون مقدمات، وعلى غير العادة خصص الخطاب كله لقضايا الداخل ولم يعرج على القضية الأساسية، وهي قضية الصحراء، إلا في النهاية وفي سطرين أو ثلاثة. صحيح أن الملك سبق له في الماضي أن وجه إشارات قوية لدعم الإصلاح في المغرب، ولكنه هذه المرة كان أكثر صرامة وركز على ضرورة تطبيق الفقرة الأولى من الفصل الثاني من الدستور التي تنص على ربط المسؤولية بالمحاسبة، لأن عدم إدراك المسؤولين بأن هناك محاسبة لما يقومون به يشجع أكثر على التراخي وعلى التمادي في الإخلالات.

ويتوقع أن تعقب الخطاب إجراءات زجرية فعلية تطال بعض المسؤولين في الدولة والحكومة، خصوصا في ضوء التحقيق الذي أنجز قبل نحو شهر في المشروعات المعطلة في إقليم الريف، والذي لم يرفع الستار بعد عن مضامينه، فقد قال في خطابه “إننا في مرحلة جديدة لا فرق فيها بين المسؤول والمواطن في حقوق وواجبات المواطنة، ولا مجال فيها للتهرب من المسؤولية أو الإفلات من العقاب”، وبذلك أطلق الملك تعاقدا سياسيا جديدا بين المواطن والدولة، وبين الطبقة السياسية والمواطنين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المغرب وتجديد التعاقد السياسي المغرب وتجديد التعاقد السياسي



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

GMT 17:50 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

"أون" تبدأ عرض مسلسل "أبو العلا 90 " لمحمود مرسي

GMT 13:20 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الملك محمد السادس يبعث برقية عزاء في رئيس تشاد

GMT 07:47 2017 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

بطولة الخريف

GMT 00:31 2017 الأربعاء ,06 أيلول / سبتمبر

الكشف عن تفاصيل ألبوم شيرين عبد الوهاب المقبل

GMT 13:02 2022 الأحد ,26 حزيران / يونيو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 11:33 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل تهزّ "سوق الجملة" في مدينة تطوان المغربية

GMT 06:41 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

رئيس الكوكب المراكشي في "قفص الاتِّهام" بسبب مِلفّ السعيدي

GMT 12:37 2019 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

بوصوفة يشيد برونارد ويعتبر المدرب الأفضل بإفريقيا

GMT 05:08 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

"فورد" تطلق سيارتها الحديثة "موستانغ ماخ إي" الكهربائية

GMT 11:03 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة اسماعيل الحداد لا تدعو إلى القلق
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib