مضبطة اتهامات متكاملة بحق إسرائيل قدّمها بدر عبد العاطي، وزير خارجية مصر، في المحاضرة المكثفة والشاملة التي ألقاها مساء الخميس، في باريس، بدعوة من «المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية»، والتي شهدت حضوراً لافتاً.
الوزير المصري قام بجولة كاملة على أزمات الإقليم، مقدماً صورة للتوجهات الرئيسية للسلطات المصرية التي تتحكم في سياستها الخارجية، من أفريقيا (مع التركيز على الخلاف مع إثيوبيا بخصوص مياه النيل وما تعتبره القاهرة «تهديداً وجودياً») وإيران وحتى سوريا ولبنان، مروراً باليمن والبحر الأحمر والسودان وليبيا. بيد أن كلمته تركزت (والنقاش الذي جرى بعدها) بشكل رئيسي على الملف الفلسطيني بشقَّيه؛ قطاع غزة والضفة الغربية، انطلاقاً من خطة الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، التي طرحها قبل أيام وتعاطي القاهرة معها.
بداية، ندد عبد العاطي بما وصفه «ازدواجية المعايير» في التعاطي الدولي مع الأزمات والحروب الناشئة؛ إذ «تُعتبر إسرائيل فوق القانون وتتمتع بالإفلات من العقاب... ما يعني أن إسرائيل تستطيع أن تفعل ما تشاء من دون أي اعتبار للقانون الدولي أو القانون الإنساني الدولي أو ميثاق الأمم المتحدة، وهذا أمر في غاية الخطورة».
وشدد الوزير المصري على أن جوهر الصراع في المنطقة هو الملف الفلسطيني «ومن دون تلبية تطلعات الفلسطينيين، أستطيع أن أؤكد لكم أن لا إسرائيل، ولا المنطقة، ستنعم بالسلام أو الاستقرار». ووصف ما يحصل في غزة والضفة الغربية بأنه «يتجاوز حدود الخيال»، مندداً بـ«الإبادة الجماعية» الجارية في غزة بحسب توصيف الأمم المتحدة، وبـ«المجاعة المصطنعة» التي يتسبب فيها الجيش الإسرائيلي، وبموقف المتفرج من المقتلة المتواصلة، ومنه موقف الاتحاد الأوروبي الذي «يجري نقاشات ومداولات مستمرة، ولكن لا توجد أي خطوات ملموسة». وأكد أنه «من غير إجراءات وتدابير بحق إسرائيل، فإنها ستواصل ما تقوم به».
تهجير الفلسطينيين «خط أحمر»
إزاء هذا الواقع، تنظر القاهرة بإيجابية إلى خطة ترمب من حيث تحقيقها ثلاثة أهداف: إنهاء الحرب «وهو ما نحتاج إليه في الوقت الراهن لوضع حد لدوامة القتل»، ومنع مشروع ضم إسرائيل للضفة الغربية، ومنع تهجير الفلسطينيين إن كان من غزة (إلى مصر) أو من الضفة (إلى الأردن). ونبّه عبد العاطي إلى أن التهجير «يعد بمثابة خط أحمر لمصر والأردن، ولن نسمح بحصوله بأي حال من الأحوال».
ورغم التأييد الذي تبديه مصر لخطة ترمب، فإن لها بعض الملاحظات. وفي هذا الصدد قال وزير خارجيتها: «بالطبع، هناك الكثير من الثغرات، والعديد مما تتضمنه يحتاج إلى استكمال، ونحن بحاجة إلى ملء التفاصيل، وإجراء مزيد من النقاشات حول كيفية تنفيذها، خصوصاً فيما يتعلق بمسألتين مهمتين: الحوكمة (الحكم والإدارة) والإجراءات الأمنية الميدانية». بيد أنه سارع إلى التنبيه إلى ما قد يقدم عليه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قائلاً: «لقد تابعتم جميعاً تصريحاته بعد لقائه مع الرئيس ترمب، وكان يحاول نسف الخطة بالكامل، ولهذا فنحن نتعامل بحذر شديد».
وبينما لم تعطِ «حماس»، حتى اليوم، رداً على الخطة بسبب العديد من التحفظات، أفاد عبد العاطي بأن مصر «تتحدث الآن مع حركة (حماس)، ومع القطريين، ومع الأتراك، من أجل معرفة ردّ فعلهم ولتشجيعهم؛ لأننا نرغب في إنهاء الحرب، وهذا من أجل مصلحة الفلسطينيين». وأضاف عبد العاطي: «نحن نبذل قصارى جهدنا. نلتقي بهم. ننسق مع إخوتنا في قطر، وكذلك مع زملائنا في تركيا، لإقناع (حماس) بالاستجابة إيجابياً لهذه الخطة، وهذا شرط لإنهاء الحرب وإطلاق سراح جميع الرهائن وإعادة الجثث». وأمل الوزير المصري «تمديد هذه الفترة من الوقت (التي منحها ترمب لـ«حماس» للرد على خطته) لنتمكن من تكريس جهودنا العميقة للحصول على رد إيجابي على الأقل، وسنبذل جهوداً جديدة لاغتنام هذه الفرصة لوضع حدّ لهذه الحرب»، مشدداً على أن مصر «تدعم الخطة والرؤية» الصادرة عنها وتريد «التقدم إلى الأمام؛ إذ إننا جميعنا نريد وضع حد لهذه الحرب».
شروط مصر للقوة الدولية
ولكن هل مصر راغبة في الانضمام إلى «قوة الاستقرار الدولية» التي تتضمنها الخطة؟ يجيب عبد العاطي: «نحن منفتحون على ذلك، وليست لدينا أية مشكلة مع فكرة نشر قوات دولية في غزة، ولكننا ننتظر المزيد من التفاصيل، خاصة فيما يتعلق بطبيعة التفويض المعطى لها، وهذا أمر بالغ الأهمية بالنسبة إلينا، ونحن نرى أنه يجب أن نحصل على تفويض واضح من مجلس الأمن الذي يوفر لها الشرعية». واستطرد عبد العاطي قائلاً: «إذا كان تفويض هذه القوة هو قمع الفلسطينيين بناءً على طلب إسرائيل، فهذا لن ينجح. أما إذا كانت مهمتها مساعدتهم... إذ يجب أن يدير الفلسطينيون حياتهم اليومية بأنفسهم. ونرى أن مسألة فرض النظام العام والقانون يجب أن تكون بيد الفلسطينيين أنفسهم. ولذا، فإن الترتيبات الواردة في الخطة يتعين أن تكون انتقالية، إلى حين أن يتم تمكين السلطة الفلسطينية ونشرها؛ لأن السلطة الفلسطينية يجب أن تكون مؤهلة، ويجب أن تكون في غزة لضمان الوحدة بين غزة والضفة الغربية». ونبّه عبد العاطي إلى أن القاهرة «لا تريد ترتيباً خاصاً لغزة مختلفاً عن الضفة الغربية بحيث يتم فصلهما، فنحن لا نقبل ذلك ولن نسمح بحصوله»، وأنها ترى في تهجير السكان «تصفية للقضية الفلسطينية؛ لأن تذكرة السفر التي ستعطى لهم ستكون ذهاباً بلا إياب».
وخلاصته «الانفتاح» على خطة نشر قوة دولية بشرط «تحديد تفويضها بدقة بحيث يشمل: تأمين الحدود، وضمان أمن الفلسطينيين، ومساعدة السلطة الفلسطينية في إدارة الحياة اليومية للمواطنين، بما في ذلك الأمور الأمنية».
مؤتمر لإعمار غزة
بيد أن أمراً كهذا يفترض المرور بمجلس الأمن، وبالتالي إقناع روسيا والصين به. وبهذا الخصوص، أفاد عبد العاطي بأنه على تواصل مع الأعضاء الخمسة في مجلس الأمن ومع الأعضاء الآخرين. ورأيه أن الحصول على تفويض أممي «أمر ممكن، لكننا بحاجة إلى مزيد من الوضوح، مزيد من التفاصيل، ولكن على الأقل هناك إجماع داخل المجتمع الدولي على أنه قد حان الوقت لإنهاء هذه الحرب الظالمة ضد المدنيين في غزة. كذلك، الرأي العام في كل الدول، دون استثناء، يطالب بذلك، وعلى الحكومات أن تستجيب وتُصغي جيداً إلى نداءات شعوبها».
وخلاصته أنه «في حال توافر الإرادة السياسية، يمكن التوصل إلى إجماع وتوافق داخل مجلس الأمن» على هذه الخطة.
يبقى أن مسؤول الدبلوماسية المصرية حرص على التذكير بأن لبلاده خطة للأمن في غزة؛ فمصر تقترح إعادة تأهيل 5 آلاف شرطي فلسطيني، وترى أن هناك 18 ألف شرطي داخل غزة، يمكن اختيار 5 آلاف آخرين منهم بحيث يشكل الـ10 آلاف «قلب القوة التي عليها تولي الأمن والحفاظ على النظام». وذكّر بأن القاهرة اختارت «لجنة إدارية فلسطينية» من 15 عضواً للمرحلة الانتقالية، وهم من التكنوقراطيين الذين لا ينتمون لأية فئة. وفي رأيه أن هذه اللجنة تستطيع العمل مع مهمة البعثة الدولية.
كذلك ذكّر عبد العاطي بأن القاهرة تخطط لمؤتمر في مصر بعد التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، مخصص للبحث في إعادة إعمار القطاع المدمر، إلى جانب تناول المسألة الأمنية والحوكمة... مضيفاً أن هناك «أجوبة لكافة التساؤلات».
قد يهمك أيضــــــــــــــا
وزير الخارجية المصري يشدد على مركزية القضية الفلسطينية ورفض تهجير الفلسطينيين
جهود مصرية لإقناع حماس بخطة ترامب رغم تحفظات على بعض الثغرات
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر