عصر الدرونات»

"عصر الدرونات»

المغرب اليوم -

عصر الدرونات»

بقلم : عريب الرنتاوي

يبدو أن منطقة الشرق الأوسط برمتها، قد دخلت ما يمكن تسميته «عصر الدرونات» ... ما من يوم يمضي إلا ونقرأ خبراً عن عمليات بالطائرات المسيرة، أو تحليق «مُريب»، أو «طائرات مجهولة الهوية» ... طائرات تتراوح كلفها بين بضعة آلاف من الدولارات وبضعة مئات من ملايين الدولارات ... طائرات تنتجها دول كبرى ومتوسطة وصغرى، بكلف متفاوتة، وأخرى تنتجها جماعات ومليشيات في ورش بدائية أو كراجات السيارات ... طائرات تحمل أحدث ما انتجته التكنولوجيا الحديثة، وأخرى محمولة على الكتف، يركض بها مطلقها عشرات الأمتار، قبل أن يتركها تحلق في السماء.
لكن ثمة قاسم مشترك أعظم بين هذه الطائرات جميعها: أن لديها قدرة على اختراق الدفاعات والوصول إلى الأعماق، وإصابة أهداف ذات طبيعة استراتيجية قاتلة ... ما يميزها أنها صعبة الاكتشاف حتى من قبل شبكات معقدة ومتطورة من الرادارات وأجهزة المراقبة والتحقق ... وفي كثير من الأحيان، فإن كلف إسقاطها أعلى بكثير من كلف انتاجها ... إنه سلاح جديد في حروب عالمنا المعاصر، بدأ يحل تدريجياً، أو يزاحم على أقل تقدير، سلاح الصواريخ، بوصفه سلاحاً لـ»الفقراء»، لم يعد انتاجه وتطويره وتسليحه أمراً متعذراً ... إنه سلاح متعدد المهمات والأغراض، فهو يصلح للرصد والتجسس وجمع البيانات، مثلما يصلح لضرب المواقع العسكرية والمنشآت الاقتصادية والأهداف الاستراتيجية.
ما من دولة من دول الإقليم تقريباً، إلا وتعرضت لـ»تجربة ما» في التعامل مع السلاح الجديد ... عشرات الطائرات المسيّرة المجهولة ضربت أهدافاً للحشد الشعبي في العراق عدة مرات ... أمس عثر الحشد على طائرة سقطت في إحدى المحافظات العراقية من دون أن يلمحها أو يعرف متى جاءت أو حلقت ... سوريا بدورها باتت مسرحاً لعمليات الطائرات من هذا النوع، دمشق أعلنت مؤخراً عن إسقاط واحدة فوق بلدة عقربا التي سبق أن تعرضت لهجمات إسرائيلية أودت بحياة اثنين من عناصر حزب الله.
إيران لها باع طويل في انتاج هذا النوع من الطائرات، وهي اليوم تتعرض للاستهداف بطائرات من دون طيار، غالباً أمريكية، وقد نجحت في إسقاط واحدة من أحدث سلالاتها فوق المياه الإقليمية، العملية كانت بمثابة صفعة للصناعة العسكرية الأمريكية ... الحوثي أسقط طائرات أمريكية وخليجية مسيرة، وهناك طائرات أخرى من المؤكد أنه لم يلحظها ولم يستطع إسقاطها، وهو – الحوثي – بدأ باستخدام هذا السلاح بكثافة ضد أهداف لخصومه في اليمن، وأحياناً ضد أهداف للتحالف العربي بقيادة السعودية في اليمن وخارجه ... حزب الله أسقط اثنتين منها لإسرائيل، فوق الضاحية الجنوبية لبيروت، وإسرائيل «رائدة» في صناعة هذه الطائرات، والمقاومة الفلسطينية أسقطت طائرة إسرائيلية من هذا النوع فوق غزة... المشهد في ليبيا لا يقل تفاقماً، اتهامات متبادلة للأطراف ورعاتها الإقليميين بالاعتماد المتزايد على هذا السلاح في حرب «الإخوان الأعداء» بين شرق ليبيا وغربها.
«سلاح الفقراء» بات أمراً مقلقاً لكثير من الدول المنخرطة في حروب ونزاعات وتدخلات في أزمات المنطقة ... لم يعد من السهل السيطرة على أدوات انتاج هذا السلاح، أما التكنولوجيا الخاصة بإنتاجه فهي متوفرة على الانترنت، الكلف الدفاعية والوقائية منه، عالية جداً، وكلف إسقاطه لا تقل ارتفاعاً، أما إن نجح في الوصول إلى أهدافه، فحدث ولا حرج عن الأكلاف المعنوية والنفسية والمادية والسياسية.
يفتح الانتشار الكثيف لهذا السلاح، الباب رحباً لشتى السيناريوهات المتخيلة، بما فيها «توازن الردع» بين جماعات ومليشيات فقيرة ومعدمة من جهة، ودول مدججة بالمال والتكنولوجيا والتفوق من جهة ثانية ... لقد بدأنا نستمع لأطروحات تتحدث عن توازن ردع بين فصائل فلسطينية ولبنانية وإسرائيل، أو بين الحوثي وخصومه، والمرجح أن تتوالى هذه السلسلة، كلما تفاقمت حدة الحروب المحلية والعابرة للحدود.
وأخطر ما في أمر «الدرونات» أنه قد لا يمضي وقت طويل، قبل أن يكون بمقدورها حمل أسلحة بدائية محظورة، وذات قدرات تدميرية شاملة، وأن تتوسع فصائل ومنظمات إرهابية في انتاجها واستخدامها، سيما تلك التي تتمتع بـ»ملاذات آمنة» ... حينها، وحينها فقط، سوف يتضاعف خطر الإرهاب، وترتفع معه كلفه وفواتيره.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عصر الدرونات» عصر الدرونات»



GMT 15:33 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر عربي اخترته للقارئ

GMT 15:29 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

شعر المتنبي - ٢

GMT 15:18 2021 الأحد ,31 كانون الثاني / يناير

من شعر المتنبي - ١

GMT 23:58 2021 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

شعر جميل للمعري وأبو البراء الدمشقي وغيرهما

GMT 21:18 2021 الإثنين ,25 كانون الثاني / يناير

أقوال بين المزح والجد

داليدا خليل تودّع العزوبية بإطلالة بيضاء ساحرة وتخطف الأنظار بأناقة لا تُنسى

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 16:36 2019 الخميس ,07 شباط / فبراير

عملية جراحية ناجحة للاعب الفتح أنس العمراني

GMT 08:53 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

إدماج المرأة الجميلة في التنمية!

GMT 14:17 2015 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

نصائح جمالية لصاحبات العيون المبطنة

GMT 08:40 2016 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة السورية سارة نخلة تُشارك في مسلسل"هبة رجل الغراب 4"

GMT 02:49 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

النواصرة يستطيع تصميم أي مجسّم من الأسلاك

GMT 21:50 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الثلاثاء

GMT 00:49 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

بن ثاير مدربا جديدا للترجي لكرة اليد

GMT 13:22 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت وأصول التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي

GMT 18:11 2015 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

حادث سير مروع تسفر عن مقتل عشريني في مراكش

GMT 13:03 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عطر "Rose Synactif Shiseido" يضم مزيجًا مميزًا لعاشقات الورود

GMT 05:07 2025 الإثنين ,10 شباط / فبراير

جافي يكشف عن معاناته البدنية وسبب استبداله
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib