«السقطة الكبرى» على دوّار المنارة

«السقطة الكبرى» على دوّار المنارة

المغرب اليوم -

«السقطة الكبرى» على دوّار المنارة

بقلم - عريب الرنتاوي

الذين تدافعوا على دوار المنارة في رام الله، هم أبناء السلطة والمنظمة، هم النخبة التي نهضت على أكتافها الحركة الوطنية الفلسطينية ... ليسوا طابوراً خامساً، بل فقرة أصيلة من «عظام الرقبة» ... وليسوا «مندسين» ولا دخلاء، ولا يتبعون أجندات «حمساوية» أو «دحلانية» كما ألمح لذلك الذين أصدروا التعليمات بقمعهم واستخدام «القوة المفرطة» بحقهم.

المشهد على دوّار المنارة، كان مخجلاً بحق، ولولا أننا نعرف «الضارب» و»المضروب»، لظننا أننا فصل جديد من فصول الغطرسة الإسرائيلية في التعامل مع المتظاهرين السلميين في غزة والضفة والقدس ... لكننا نعرفهم ونعرف وجوههم، ونكاد نعرف أسماءهم ... كان مشهداً صاعقاً، يرقى إلى، أو بالأخرى يهبط إلى حضيض «وصمة العار» التي هيهات أن يطويها النسيان.
والمفارقة المؤلمة، أن الذين خرجوا بالمئات والألوف، مطالبين بوقف الإجراءات العقابية ضد غزة، إنما كانوا يرددون ما انتهى إليه المجلس الوطني الفلسطيني، في دورة اجتماعاته الأخيرة، من قرارات بهذا الشأن، وهو المجلس الذي تفخر السلطة بأنه أحد أبرز إنجازاتها، وأنه حفظ الشرعية وانبرى متصدياً لصفقة القرن وقرار ترامب بشأن القدس ... لم يأت المتظاهرون «شيئاً فرياً»... لقد رددوا قرار/هتاف الأجماع الوطني الفلسطيني، كما تردد في جنبات «المقاطعة»، وهو القرار الذي لم تجرؤ السلطة ذاتها على البوح بمعارضتها لها، فعمدت إلى أساليب ملتوية للتملص من استحقاقاته، تارة بالقول أن خللاً فنياً طرأ عند تحويل الرواتب، وأخرى بتقاذف المسؤولية عن الامتناع عن تنفيذ القرار الذي تعهد الرئيس شخصياً بالعمل على ترجمته.

لم يستحق هؤلاء الضرب بالهراوات والسحل في الشوارع، والتعرض لهذا الوابل من القنابل الدخانية المسيّلة للدموع ... هؤلاء هم رصيد المقاومة الشعبية السلمية، التي تتغنى بها السلطة، دون أن تفعل الكثير لترجمتها ونقلها إلى حيز التنفيذ ... ولا أدري كيف يمكن لمن اكتوى بعصي الأجهزة الأمنية الفلسطينية، أن يتوفر على طاقة معنوية ونفسيه، تمكنه من مواجهة عصي جنود الاحتلال ورصاصه الحي والمطاطي ... لا أدري كيف يمكن لمن تعرض لكل هذا الأذى والإهانة من «ذوي القربي» أن تظل لديه الحافزية لمواجهة المستوطن والمستعرب والمستعمر ... لا أدري كيف ينظر من أعطى الأمر بالتعرض لمتظاهري رام الله، ومن نفذه، لأنفسهم في المرآة، وهو يضطلعون بذات الدور الذي تقوم قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين ... هؤلاء الذي يختفون في لمحة بصر عند ظهور أي دورية إسرائيلية، يتنمرون ويستأسدون على أبناء شعبهم ... كل هذا قبل أن تصدر من نابلس، وعلى لسان محافظها، نوبات التهديد والوعيد بأن «يلعن أبو» كل من يفكر بالتطاول على السلطة ورموزها، وهي ذاتها السلطة التي قال فيها رئيسها بأنها «لا سلطة لها»، وأن كبيرها قبل صغيرها، ينتظر «الإذن الإسرائيلي» للخروج من منزله إلى مكتبه.
ما الذي يخطر ببال هؤلاء لمقارفة فعلة نكراء، كتلك التي شهدنا على مشاهدها المؤلمة في وسائل الإعلام وعلى شبكات التواصل الاجتماعي ... هل هم مصدقون فعلاً بأنهم سلطة وسيادة وقوات إنفاذ قانون؟ ... هل نسي هؤلاء أن «بساطير» الاحتلال ما زالت تدوس أعناق الفلسطينيين من كبيرهم إلى صغيرهم؟ ... هل غابت عن أذهانهم وأنظارهم، صور الهبة الشريفة في غزة رفضاً للحصار والاحتلال ومشاهد هبة البوابات والكاميرات في القدس؟ ... كيف يعاملون شعباً هذه بعض خصاله، بهذه العقلية السلطوية المتخلفة، التي تخجل منها وتتبرأ منها حتى أنظمة الفساد والاستبداد الأكثر إغراقاً في قمع شعوبها ومصادرة حرياتها وأصوات أبنائها وبناتها.
كيف سيقاومون فريق ترامب الآتي بصفقة القرن، وبمن سيقاومون، إن كان قد ضاقوا ذرعاً بحركة احتجاج سلمية، يقوم بها نفرٌ من «آل البيت»، لا غرباء من كوكب آخر... كيف تصرفون على هذا النحو، ثم يأتي من لا يزال يتغنى بـ»ديمقراطية» غابة البنادق، و»شرعية» المؤسسات وغير ما هناك من زيف وادعاءات، سقطت جميعها، في تلك الليلة الحزينة.
ليس أمام الفلسطينيين من خيار سوى «كسر» هذه السلطوية المتفلتة من كل حساب أو عقاب ... ليس لهم وهم الذين تنتظرهم صولات وجولات من المواجهات مع الاحتلال، سوى الكفاح لانتزاع حقهم في التعبير والتنظيم والتظاهر، وكسر العقلية السلطوية التسلطية، فالفلسطيني القادر على مواجهة الاحتلال، هو الفلسطيني المتمتع بحريته، لا الفلسطيني الرازح تحت طبقات متراكبة من الأجهزة القمعية... والفلسطيني الذي نظر للسلطة بوصفها جسراً للعبور نحو الدولة، لن يكون بحاجة لها حين تتحول إلى سدٍّ يحول بينه وبين مواجهة الاحتلال أو أداة لاغتصاب حريته  وكرامته.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«السقطة الكبرى» على دوّار المنارة «السقطة الكبرى» على دوّار المنارة



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

GMT 06:01 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

النجمة غادة عبد الرازق تنشر صورة تكشف إصابتها في قدمها

GMT 10:17 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

إنفوغراف 4

GMT 00:32 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

عموتة ينفي صلته بقرار إبعاد المياغري عن فريق الوداد

GMT 12:16 2014 الأربعاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عروض الأفلام القصيرة والسينمائية تتهاوى على بركان الغلا

GMT 03:49 2016 الأربعاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

فاطمة سعيدان تكشف أن "عنف" استمرار لتقديم المسرح السياسي

GMT 07:51 2024 الجمعة ,05 تموز / يوليو

Red Magic تطلق حاسوبها المحمول للألعاب Titan 16 Pro

GMT 13:10 2024 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

نوال الزغبي بإطلالات مُميزة بالأزياء القصيرة

GMT 18:01 2022 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"لامبورغيني" تفتتح صالة مؤقّتة في الدوحة حتى منتصف ديسمبر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib