عودة «الإخوان»

عودة «الإخوان»؟!

المغرب اليوم -

عودة «الإخوان»

بقلم - عريب الرنتاوي

جادل كثيرون بنهاية “عصر الإخوان”، ودخول المنطقة مرحلة “ما بعد الإسلام السياسي”، واستند هؤلاء إلى شواهد صلبة من ساحات عربية وإسلامية عدة، أظهرت تراجع مكانة الجماعة، وتآكل دور الحركات الدينية، وتعزز هذا الاعتقاد بعد سلسلة الهزائم التي منيت بها “السلفية الجهادية” بمسمياتها المختلفة، وبات اليقين يسكن هؤلاء الخبراء والباحثين، في ضوء “الحملة المكارثيّة” التي تعرضت لها الجماعة في عدد من الدول العربية، والتحولات في المواقف الدولية منها، لكن تطورات الأسابيع القليلة الفائتة، تذهب بخلاف هذه التقديرات، وتشي بأن الجماعة ما زالت حاضرة، بل وما زالت قادرة على تجديد حضورها، وإبرام الصفقات والتسويات، وأنها أكثر من غيرها، ربما تكون مطلوبة ومرغوبة، حين يتصل الأمر بحاجة أطراف عديدة، لحركة الشارع، فهي الأقدر على تحريكه حتى الآن، برغم الضربات والنكسات العديدة التي ألحقت بها.
وربما يكون من حسن طالع الجماعة، أن يأتي إلى سدة الإدارة الأمريكية رئيس مثل دونالد ترامب، ونائب رئيس مثل مايك بنس، وكلاهما مدجج بالروايات الدينية والخرافات والأساطير، فالسياسات التي انتهجتها هذه الإدارة، شجعت وتشجع على “يقظة” الخطاب الديني واستنهاضه، بعد أن تعرض لما تعرض من صدمات وخيبات، وإذا بنا نعود إلى “الدرس الأول” الذي يتعلمه “اليساريون الشباب” عادة: أقصى اليمني يلتقي دائماً مع أقصى اليسار، والخطاب الديني اليميني ينتج ويغذي خطاباً دينياً مقابلاً، باعتبار ذلك سنة الحياة، وقاعدة صلبة ومجربة في العمل السياسي والاجتماعي ... ولو كنت في مطرح الجماعة، لسجدت ركعتي شكر لله تعالى الذي يسر للجماعة ما يساعدها في تفكيك أطواق العزلة المضروبة حولها، وأعادها بقوة إلى الشوارع العربية والإسلامية.
في الأردن،  عادت الجماعة إلى شوارع العاصمة والمدن الأردنية، وبصورة مرحب بها.
وفي فلسطين، وبعد أن بدا أن حركة حماس، تعاني مصاعب العودة إلى أحضان محورها الأصلي: “محور المقاومة والممانعة”، وأن ثمة استمهالا غير بريء، في إعطاء “الابن الضال” ضوءاً أخضر للعودة إلى منزل العائلة، تبدو أطراف هذا المحور، باستثناء دمشق حتى الآن، هي من يتهافت لاسترداد الحركة إلى “بيت الطاعة”، وربما بشروط لم تكن الحركة لتحلم بها، فـ “المحور” الذي طالما برر وجوده وتوسعه بالتزام “القضية المركزية الأولى” يجد نفسه عاجزاً عن فعل أي شيء جدي في مواجهة قرار ترامب وما بعده، من دون حركة حماس، والفصائل و”الانشقاقات” الصغيرة التي نبتت على الساحة الفلسطينية بفعل “المال الإيراني الحلال”، لم ترق في حجمها ونفوذها وأدائها، إلى ما تتمتع به حماس من ثقل وازن، ومن يراقب سلوك أطراف هذا المحور، يرى أن عادت للتعامل مع الحركة بوصفها “الابن المدلل”، بعد كانت تتعامل معها بوصفها “الابن الضال”، والأهم من كل هذا وذاك، أن هذه العودة تتم بأقل قدر من الكلفة والمعارضة والرفض من قبل بقية تيارات العمل السياسي والوطني، المصدومة بقرارات واشنطن وسياساتها.
على أن العلامة الأكثر دلالة على “عودة الجماعة” هي ما حصل في “القمة الثلاثية” التي انعقدت في الرياض قبل عدة أيام، وحضرها وليّا العهد السعودي والإماراتي مع رئيس التجمع اليمني للإصلاح وأمينه العام، حيث جرى البحث في “استراتيجية المرحلة الجديدة” في الحرب على “يمن ما بعد عبد الله صالح” ... لقد كان مشهداً لافتاً حقاً، فبعد كل هذا العداء للجماعة،  نرى لقاءً غير مسبوق، أحسب أن إخوان اليمن، لم يحلموا بمثله حتى في ذروة عزهم ومجدهم، ما يشي بأن للجماعة اليمنية، دوراً متعاظماً في حرب اليمن وسلامه.
في تونس والمغرب، نجت الحركات الإسلامية، ذات الجذور الإخوانية القريبة أو البعيدة، من “مكارثيّة” المشرق والخليج العربيين، وبدا أن “النهضة” و”العدالة والتنمية” قد انخرطا وتماهيا مع النظامين السياسيين في بلديهما، فالانتخابات المتعاقبة تأتيهما بما يكفي من الأصوات لإدامة الحضور وحفظ “الشرعية” بل وتولي سدة القيادة في البلاد، وإن بشروط وقواعد، لا تسمح بالهيمنة والتفرد و”التمكين”.
خلاصة القول، إن الجماعة التي تكاد تُتم القرن الأول من عمرها، تعرضت خلالها لنكسات وانتصارات، تقدم وتراجع، تحالفات وانفراجات، عزلة وإقصاءات، تكاد تخرج من “شرنقة” جديدة، وجدت نفسها محاصرة في داخلها بعد سقوط نظامها في مصر في يونيو/يوليو 2013... وإن كان من الصعب اليوم، التكهن بالوجهة التي ستسلكها التطورات، والموقع الذي ستحتله الجماعة فيها، فإن الأمر المؤكد أن المنطقة العربية – وربما الإسلامية – ستعيش، وعليها أن تتعايش - مع هذه الجماعة لسنوات وعقود قادمة، فهي أتقنت فن الخروج من عنق الزجاجة، وتعلمت كيف تنبثق من بين الركام والرماد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عودة «الإخوان» عودة «الإخوان»



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 23:50 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترمب تعهدت بإغلاق محطة إذاعية أمريكية ناطقة بالمجرية
المغرب اليوم - إدارة ترمب تعهدت بإغلاق محطة إذاعية أمريكية ناطقة بالمجرية

GMT 23:02 2025 الجمعة ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

واشنطن تدعم عراق خالٍ من الميليشيات المدعومة من الخارج
المغرب اليوم - واشنطن تدعم عراق خالٍ من الميليشيات المدعومة من الخارج

GMT 19:34 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

نقيب الموسيقيين يطمئن جمهور محمد منير على صحته
المغرب اليوم - نقيب الموسيقيين يطمئن جمهور محمد منير على صحته

GMT 13:10 2025 السبت ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

تاكايشي تعتزم خفض رواتب الوزراء في اليابان
المغرب اليوم - تاكايشي تعتزم خفض رواتب الوزراء في اليابان

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:32 2017 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

محلات " زنوبيا " تكشف عن مجموعة جديدة من الألبسة التقليدية

GMT 06:17 2015 الخميس ,30 إبريل / نيسان

"سَهام للعقار" تطلق أول مشروع سكني في "ألماز"

GMT 13:08 2015 الثلاثاء ,21 إبريل / نيسان

عالجي التواء كاحلك بالكركم

GMT 10:16 2021 الأربعاء ,20 كانون الثاني / يناير

اكتشاف أقدم نجم بحر بخصائص فريدة عمره 480 مليون سنة في المغرب

GMT 16:51 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

إغلاق شامل ليوم واحد في الأسبوع لكبح تسارع "كورونا" في المغرب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib