صور مشرّفة من الحدود الشمالية

صور مشرّفة من الحدود الشمالية

المغرب اليوم -

صور مشرّفة من الحدود الشمالية

بقلم - عريب الرنتاوي

طوال ثماني سنوات، هي عمر الأزمة السورية، نجح الأردنيون، رسمياً وشعبياً في إدارة ملف اللجوء السوري في بلادهم، مع ان العبء كبير جداً في بلد محدود الموارد، ويعاني أصلاً من نقص الخدمات وضعف البنى التحتية... وإذا كانت مؤسسات الدولة قد فعلت ما بوسعها، لاحتواء التداعيات وامتصاص آثارها السالبة، فإن الأمر اللافت للانتباه، والذي لم يحظ بكثير من الاهتمام والتغطية، إنما يتعلق بسلوك المواطنين الأردنيين حيال أشقائهم السوريين، والكيفية التي استقبلوهم بها، رغم ضخامة الأعداد ووصولها إلى نسب قياسية، لا ينافسه فيها أو عليها سوى لبنان.
لم تسجل أية أحداث تذكر، تنتمي إلى عوالم «الجريمة العنصرية»، ولم تنتشر تعابير أو مفردات، من شأنها التقليل من احترام هؤلاء الهاربين من جحيم الحرب وتداعياتها المعيشية، من اقتصادية واجتماعية... ولم ينعكس الخطاب السياسي والإعلامي الذي أولى «عبء اللجوء» اهتماماً خاصاً، لأسباب مفهومة، لم ينعكس على علاقة الوافدين بأبناء البلاد، لا في بعض مناطق الشمال، حيث الكثافة السورية تعادل أو تزيد عن الكثافة الأردنية، ولا في المدن والحواضر الكبرى.
وقوبل هذا السلوك الحضاري – الأخوي بمثله من جانب الأشقاء اللاجئين، فلم ترتفع معدلات الجريمة، وسجل السوريون معدلات أقل لانتهاك القانون نسبة لعددهم من السكان، وأصبح وجودهم شائعاً ومقبولاً في مختلف القرى والمدن والبلدات السورية، من دون أن يثير أية مظاهر جدية تذكر، للتوتر أو الاستقطاب مع المجتمعات المضيفة.
أمس، كان المشهد الأردني الشعبي بالغ الدلالة ... هبّ أبناء البلدات والمدن الحدودية في أوسع عمليات لجمع مواد الإغاثة، وتعالت أصوات قطاع كبير من الأردنيين، مطالبة بفتح الحدود وإدخال اللاجئين المحتشدين على المقلب الآخر منها ... الأردنيون لم يضيقوا ذرعاً بإخوانهم السوريين، برغم مرور ثمانية سنوات على استضافتهم بين في بيوتهم ومدنهم وقراهم ... صورة فاجأت بلا شك، كثيرا من المراقبين، بالذات في بعض الدول المضيفة، التي لا تكاد صحافتها تتوقف عن تغطية الأنباء عن جرائم الكراهية والتمييز العنصري والعنف المتبادل بين الوافدين والمجتمعات المحلية.
لم تعلن قرية أردنية واحدة، رفضها استقبال السوريين ... ولم ترفع يافطة واحدة مكتوبا عليها ممنوع على السوري التجوال بعد الساعة الثامنة مساءً ... ولم تسجل شوارعنا ومياديننا جرائم تحرش أو استعلاء على هؤلاء المهجرين قسراً عن ديارهم ... ولم تدخل القاموس الشعبي الأردني مفردات، تستطبن الغطرسة والاستعلاء كما في دول أخرى، وبعضها عربي للأسف.
القرار الذي اتخذته الدولة الأردنية بمختلف مؤسساتها، يبدو أنه قرار «الاضطرار» وليس «الاختيار»، لا يستطيع الأردن تحمل المزيد من الأعباء، والمقامرة بإدخال مزيد من اللاجئين، قد تفضي إلى انقلاب المشهد برمته، ولا يمكن بناء سياسات واستراتيجيات، بالاستناد إلى لحظة عاطفية مشحونة، كلفة أمر كهذا، ستكون باهظة على المديين المتوسط والبعيد.
والقرار الذي اتخذته الدولة الأردنية، بمؤسساتها المدنية والعسكرية، بتقديم العون والغوث الإنساني للاجئين السورين في سوريا وعلى أرضها، هو أقصى ما بمقدور الدولة الأردنية أن تفعله لهم ... وقد بدأت القوات المسلحة بإدخال الإغاثة إلى مستحقيها، وبدأ المواطنون بجمع الهبات والتبرعات، من قوت يومهم وزاد أبنائهم ... والباب بات مفتوحاً للمجتمع الدولي للتدخل إنسانياً، على أوسع نطاق، ومن البوابة الأردنية، وبات يتعين على موسكو ودمشق، أن تتعاونا في هذا الملف إلى الدرجة القصوى، فليس من مصلحة أحد أن تعاني عشرات آلاف الأسر النازحة، شظف العيش ومرارة التشرد والحرمان، والمأمول أن يكون أي ترتيب إغاثي، طارئ ومؤقت، على أن تبدأ العودة الفعلية لهؤلاء إلى مدنهم وقراهم ما أن تصمت المدافع.
وثمة ما يشي هذه المرة، بأن ملف الجنوب بصدد أن يغلق في زمن ليس ببعيد، فثمة استعجال لتنفيذ التفاهمات المبرمة بين الأطراف، وتعثر المفاوضات بين الحين والآخر، لا سبب له سوى محاولة تحسين شروط التسويات والصفقات، سيما وأن هناك قوى محلية، مدعومة من أطراف إقليمية، تدرك تمام الإدراك، أنها ستتصدر قوائم الخاسرين من أية تسوية لهذا الملف، وثمة تجار موت وأمراء حرب، يعرفون أنهم سيفقدون امتيازاتهم، ما أن تدخل أول دورية شرطة، سورية أو روسية إلى المنطقة.
وسيخرج الأردن من هذا الاستحقاق، بدرجة أعلى من التناغم بين الموقفين الرسمي والشعبي، وبشعور عميق بالرضى عن الوقفة التضامنية الأخوية مع الأشقاء في محنتهم، التي تقترب لحظة نهايتها، وسيؤسس ذلك، لعلاقات أخوة، أكثر متانة في المستقبل، يمكن البناء عليها لفتح أفق جديد بين البلدين والشعبين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صور مشرّفة من الحدود الشمالية صور مشرّفة من الحدود الشمالية



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

الكروشيه يسيطر على صيف 2025 ونانسي عجرم والنجمات يتألقن بأناقة عصرية

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 15:02 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا سعيدة بإهداء دورة مهرجان القاهرة السينمائي لشادية

GMT 01:36 2014 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

"لارام" تلغي الخط الجوي الرابط بين الحسيمة والدار البيضاء

GMT 00:59 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

10 نصائح للفوز بفستان زفاف أنيق يوافق المرأة في سن الأربعين

GMT 23:42 2024 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

نيللي كريم تُصرح أن جائزة جوي أووردز كانت مفاجأة

GMT 01:12 2024 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

إشبيلية يفشل في تأجيل سفر النُصيري

GMT 16:35 2023 السبت ,29 تموز / يوليو

ديكورات لحفلات الزفاف الخارجية لصيف 2023

GMT 23:09 2023 الأربعاء ,11 كانون الثاني / يناير

السعودية تجمع 10 مليارات دولار من إصدار سندات

GMT 16:37 2022 الأحد ,09 كانون الثاني / يناير

4 غيابات للأسود في أولى مباريات "الكان

GMT 21:54 2020 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

توقّعات العرّافة البلغارية العمياء بابا فانغا لعام 2021

GMT 22:53 2020 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروغوياني يعلن إصابة لويس سواريز بـ فيروس كورونا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib