أفغانستان وفشل المشروع السياسي

أفغانستان وفشل المشروع السياسي

المغرب اليوم -

أفغانستان وفشل المشروع السياسي

عبد الرحمن الراشد
عبد الرحمن الراشد

السبب في محنة الولايات المتحدة في هجمات 11 سبتمبر عام 2001 التطرف الديني السياسي الذي ولد الإرهابيين من نفذوا الهجمات. وهذه جملة مشحونة لا تعني التدين بل تسييس الدين.
غزو واحتلال أفغانستان كان للتخلص ممن نفذ الهجوم. الهدف الأوسع وهو التخلص من الإرهابيين كان يتطلب استراتيجية لمحاربة الفكر المتطرف، المحرك الأساسي لـ«القاعدة» ثم «داعش» و«جبهة النصرة» وغيرها.

أميركا انتصرت عسكرياً سريعاً في أسابيع، انهار نظام طالبان وفر قادة «القاعدة» الناجون إلى إيران وباكستان. لكن الفكر والتنظيم السري لهذه الجماعات لم يمت، بل أنجبت «القاعدة» تنظيمات مثل «داعش». ورجعت طالبان للحكم بالسلاح، رغم مرور عشرين عاماً من طردهم وملاحقتهم.من التحديات التي واجهتها القوة الأميركية خلال العقدين في إدارة كابل مواجهة الفكر المتطرف الموروث عن حكم طالبان، ويصدر إليها عبر الحدود من إيران وغيرها الذي لا تنفع معه أحدث الأسلحة وأشرسها.

من يراجع ماذا فعلت إدارات بوش، وأوباما، وترمب هو اعتمادها على علاجين؛ القوة والمال. تخليص أفغانستان من طالبان وبناء دولة حديثة حليفة.
حاربت طالبان بالسلاح والدولارات. أنفقت أكثر من 180 مليار دولار على الجيش والأمن والمدارس والمستشفيات والطرق والحكومة والبرلمان وانتخابات محلية وقومية. كلها تبخرت حتى قبل الموعد المضروب للانسحاب.
عدا عن مشكلة الفساد المصاحب للمشاريع والذي خلق طبقة حاكمة غير وطنية، فإن 38 مليون أفغاني كونوا شعباً بلا رابطة، رغم أن واشنطن كانت تنفق 750 مليون دولار سنوياً كمرتبات على الموظفين الأفغان.مشكلة «المشروع الأفغاني» أنه أميركي الهوية والفكرة، تريده واشنطن يشبهها سياسياً واجتماعياً، وهو أمر مقبول لو كانت التربة الأفغانية صالحة لهذه القفزة البعيدة، مثلما فعلت في المانيا بعد الحرب العالمية الثانية ودحر النازية. أفغانستان، مثل معظم دول العالم الثالث، ليست مستعدة ولم تعش التجربة الغربية ذات القرون الثلاثة.

الجدل طويل وقديم حول أهلية المجتمعات النامية، الذي يغضب الحديث عنه البعض من المفكرين ويعتقدون فيه انتقاصاً من الإنسان في هذه الدول. نحن لا نناقش المبادئ والفلسفة بل التطبيقات والنتائج. ولو كان المشروع التحديثي المستنسخ صالحاً وناجحاً لما استولت طالبان بدون طلقة رصاص واحدة على بلد مساحته نحو ثلاث مرات مساحة بريطانيا. لم ينقص الأفغان السلاح، بل كان جيشهم أضخم من جيش فرنسا، 300 ألف مقاتل أفغاني ولم يقاتلوا. ولم تكن طالبان أقوى منهم، جيش الأفغان استسلم ولم يحارب حتى.لماذا؟ لأنه لم تكن هناك رابطة تجمعهم. رغم عشرين عاماً لم ينجح الأميركي في خلق مشروع وطني حقيقي. التجربة البرلمانية لم تخلق العقد الاجتماعي الذي ستدافع فيه القبائل ومواطنوها عنه.
بالفعل، حصد ملايين الأفغان على مكتسبات كثيرة سيفقدونها تحت حكم طالبان، اجتماعية وسياسية واقتصادية. هذه المكتسبات تشبه الحياة في شركة ما.في حين أن الجماعات التي قاتلت الأميركيين استخدمت الدين والقبيلة كرابطة تجمعهم تحتها وتمنحهم الجنة مكافأة لمن يُقتل دونها. وحتى المشروع الطالباني الديني محكوم عليه بالفشل، وسهل الطعن فيه من طوائف ومدارس وقيادات أكثر تطرفاً ما لم يلم كل الأفغان تحته، ويستوعبهم وهو أمر مستبعد.

كان هناك وطن ومشروع وطني في أفغانستان سقط مع الانقلاب العسكري عام 1973، وبعد العسكر بخمس سنوات جاء الشيوعيون، ثم الغزو السوفياتي لرفد حليفه، والزحف باتجاه إيران بعد سقوط الشاه. الأميركيون والمجاهدون العالميون أسقطوا النظام الأفغاني السوفياتي لكنهم فشلوا في إقامة دولة بديلة، فقد كان الاقتتال بينهم أسوأ مراحل التاريخ الأفغاني.

ما فعلته الولايات المتحدة في عقدين، حاولت تمدين أجهزة الدولة وتعميم رسائلها الخدماتية وخلق نظام سياسي برلماني يناسبها همش القوى التقليدية وزاد من الخلافات بين المكونات المختلفة. التوفيق بين الحكم الرشيد والإسلام المعتدل هو الغاية المعقولة.هناك صراع طويل ومعقد داخل المجتمعات الإسلامية في العالم، وهذا حديث له بقية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أفغانستان وفشل المشروع السياسي أفغانستان وفشل المشروع السياسي



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 02:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات
المغرب اليوم - في يوم العلم الإماراتي استوحي أناقتك من إطلالات النجمات

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib