التقسيم

التقسيم

المغرب اليوم -

التقسيم

محمد الأشهب

بين أن تذهب ليبيا إلى التقسيم بعيون مفتوحة، أو تلملم جراحها وتقفز بدفعة إرادية إلى تخطي المحظور، تتضاءل الخيارات أمام فرقاء الأزمة الظاهرين والمتسترين. إنهم أقرب إلى ركاب سفينة يواجهون الغرق، ويهتمون فقط بمن يكون أول الضحايا في مركب بلا بوصلة أو طاقم قيادة.
في قصص مأسوية أن بعض المهاجرين غير الشرعيين يضطرون إلى التخلص من بعضهم عبر رميه إلى البحر، كي يتأتى لقواربهم أن تتخلص من الوزن الزائد. وفي السياسة أيضا ترتبط حالات الخلاص بنبذ الأنانية والاستئثار وتوزيع المواقع والأدوار لحفظ السفن من الغرق. ويشبه التوازن الذي تفقده المراكب الصغيرة المهترئة في عرض البحر، ذاك الذي يتراكم جراء استفحال الخلافات وغياب منطق التفاهمات التي تحمي الجميع.
يعرف الفرقاء المتصارعون على ضفاف الأزمة الليبية تفاصيل علامات الطريق المؤدية إلى منتجع «الصخيرات» المغربية، من فرط توالي اجتماعاتهم الكاملة والمنقوصة. فهو يقع على طريق ساحلية كتلك التي تربط بين طرابلس وطبرق. ولئن ارتبط في تاريخ المغرب بالهزة العنيفة المتمثلة في المحاولة الانقلابية الفاشلة في اغتصاب السلطة صيف العام 1971، فقد كرس خيار شرعية كانت مهددة استطاعت الصمود، من خلال تعاقد تاريخي، في وجه الأعاصير العاتية. غير أن الفرقاء الليبيين، أو بعضهم على الأقل يتجنب السير في الطريق المؤدية إلى وفاق تاريخي مطلوب، يحتمه الوعي بالمخاطر المحدقة بوحدة البلاد، بخاصة في ضوء «استيطان» التنظيم الإرهابي «داعش» الذي يتمدد في أيما اتجاه، يفتقر إلى الأمن والسلم والاستقرار.
قطعت جولات الحوار السياسي نصف الطريق الأصعب. ولم يكن أمام الأمم المتحدة وداعمي المصالحة الليبية أي خيار، غير الانطلاق من فرضية الأمر الواقع على الأرض، برلمانان وحكومتان وما شاءت الأقدار من نتوءات وعراقيل. وعلى رغم أن توصيف الشرعية في التعاطي والشأن الليبي رجح كفة طبرق، لاعتبارات قانونية وسياسية، فإن ذلك لم يحل دون إشراك طرابلس بالحضور نفسه والاعتبار، انطلاقاً من فكرة أن إنجاز أي تقدم، وإن كان ضئيلاً يحظى بدعم الأطراف كافة، أفضل من اختراق كبير يقصي باقي الأطراف. إذ لا يصبح الحل مكتملاً لدخول الفترة الانتقالية في غياب مشاركة جميع الأطياف.
بديهي أن من يتعرض للإقصاء من حقه أن يبحث في الوسائل المتاحة كافة لإيجاد موقع له في أي تسوية مرتقبة. لكن من يكون مدعواً للمشاركة على قدم المساواة ليس مقبولاً منه أن يقصي، أو يرهن الاتفاق النهائي بسقف أعلى من المطالب التي تفهم أنها تعجيزية. فالمسألة تتعلق بإطار سياسي وقانوني عام، يكون قابلاً لاستيعاب التناقضات. والليبيون في نهاية المطاف هم الذين يفترض أن يشاركوا في تدبير راهن ومستقبل بلادهم بمقدار ما تمليه مسؤوليات تاريخية مشتركة. وأي محاولة للتقليل من أهمية الاتفاق الذي أبرم من طرف واحد، ليس من شأنها أن تساعد في جذب باقي الأطراف إلى دائرة التزام مضمونه، من دون إلغاء قابلية إضافة ملحقات تكميلية برتبة القوة القانونية والسياسية.
غير أن سياسة المقعد الشاغر لا تكون مستحبة في لحظات الحسم. وإذا كان ثمة من يدعو إلى مرونة أكبر، فإن استقالات أعضاء من الوفد المفاوض باسم المؤتمر الوطني تشي بوجود تململ قد يكون يشكل منعطق تحول. والزمن لا يميل لفائدة الغائبين إلا في حال كانت مبرراتهم لا تترك المجال لأي سلوك آخر. وسواء كانت معاودة ترتيبات الفريق المفاوض إجرائية أو لها علاقة بالموقف من المسار الذي آلت إليه تطورات المصالحة التي ترعاها الأمم المتحدة، فإن الأمور تقاس بالإرادة السياسية في الذهاب إلى أبعد شوط ممكن.
البدائل المطروحة كافة على نقيض تسريع التوصل إلى اتفاق تشكيل حكومة وفاقية وبدء الفترة الانتقالية التي تنعش الآمال، تصب في خانة واحدة، لن يكون التقسيم المحتمل أهونها. وحتى في حال إبداء كل الأطراف رفضهم هذا المنحى مجهول العواقب، فثمة من يتربص بالوحدة الليبية. وما حدث في العراق بخلفية الأزمة السياسية التي انفجرت في وجه الجميع، قبل أن يدخل تنظيم «داعش» على الخط ليس بعيداً عن تكرار ملامحه. فالمحاصصة مهدت للانغلاق في العراق، والتمسك بأكثر من حكومة شرعية يهدد بانسداد الأفق في ليبيا المشرعة أبوابها على كل الاحتمالات.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التقسيم التقسيم



GMT 18:30 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

وادي الكنوز

GMT 18:28 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

يومٌ مصريٌ للتاريخ

GMT 18:19 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تتغيّر إيران الآيديولوجيّة آيديولوجيّاً؟

GMT 18:16 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

انكسار «الطائفية» وتجدد «الأصولية»

GMT 18:14 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الغد كان أفضل

GMT 17:58 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

ولا يبقى الوضع كما هو عليه!

GMT 17:54 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الميثاق الإعلامي العربي الحلم المستحيل!!

GMT 17:50 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

نغمة تنال من المتحف

شريهان تتألق بالملابس الفرعونية في احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير

القاهرة _ المغرب اليوم

GMT 21:19 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

هولندا تعيد تمثالاً فرعونيًا عمره 3500 عام إلى مصر
المغرب اليوم - هولندا تعيد تمثالاً فرعونيًا عمره 3500 عام إلى مصر

GMT 09:09 2016 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

7 فنانين مصريين أكدوا نظرية "الموهبة ليست لها وقت أو سن"

GMT 01:07 2017 الخميس ,23 شباط / فبراير

خالد عبد الغفار يشدّد على تحسين "البحث العلمي"

GMT 16:42 2020 الخميس ,10 أيلول / سبتمبر

إصابة مدير سباق فرنسا الدولي للدراجات بكورونا

GMT 15:00 2019 الثلاثاء ,16 تموز / يوليو

محمد باعيو يكلف الجيش الملكي 100 ألف دولار

GMT 21:04 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور حزينة خلال هذا الشهر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib