ضحايا لبنان والعدالة الانتقالية

ضحايا لبنان والعدالة الانتقالية

المغرب اليوم -

ضحايا لبنان والعدالة الانتقالية

محمد الرميحي
بقلم - محمد الرميحي

على الرغم مما تمر به سوريا ولبنان من مرحلة انتقالية لها مخاطرها، وقد تكون انتكاسة محتملة، فإن ما مر بالبلدين القريبين جغرافياً وسكانياً، بل وحتى سياسياً من بعضهما يحتاج إلى مراجعة جادة، تحت عنوان عريض اسمه «العدالة الانتقالية».

في العقود الخمسة الماضية ارتكب في كل من لبنان وسوريا الكثير من الفظائع السياسية والعسكرية، وكان ثمنها بشراً عوملوا بسوء، وتركت تلك الممارسات في كل من البلدين ندوباً عميقة في عقول وقلوب الضحايا وأقربائهم، بل في قطاعات واسعة من المواطنين، فقد اختفى عدد من اللبنانيين في سجون سوريا، كما تم قتل عشرات الآلاف من السوريين وغيبوا دون أن يعرف أحد أين مصيرهم حتى اليوم.

مع عمق الملف في كل من الدولتين على حدة، فإن الملف المشترك بينهما هو الأصعب، فمن السهل نسبياً معرفة من ارتكب المجازر في سوريا ضد السوريين، وفي لبنان ضد اللبنانيين، الأصعب هو الضحايا في لبنان جراء ما عُرف بعقود هيمنة (الأمن السوري اللبناني) وأشخاصه إما ما زالوا على قيد الحياة، أو قتلوا أو نُحروا، من أجل إخفاء الحقائق حتى لا تظهر.

اليوم بعد سقوط النظام في سوريا، والتغير الذي تم في لبنان، بدأت الحقائق تظهر والخائفون من لهم علم بتفاصيل ما حدث بدأوا الكلام في وسائل الإعلام، وهم عدد كبير من المسؤولين السابقين، وكيف تعامل النظام الأمني السوري اللبناني في لبنان مع أي معارض أو شبه معارض، هي قصص تشيب لها الولدان، يختلط فيها الانتقام بالشراهة المالية، وبدم الناس وخاصة كبارهم.

على سبيل المثال قام ذلك النظام الأمني المشترك بقتل سبعة من أعضاء البرلمان اللبناني هكذا وبصراحة تامة، ليسكت أقل الأصوات قدرة على الدفاع عن المصالح اللبنانية، وعلى حد قول وليد بيك جنبلاط، لقد دخل النظام الأسدي السوري إلى لبنان مع قتل كمال جنبلاط، وبدأ الخروج من لبنان مع قتل رفيق الحريري، إنها سلسلة من الدم لم تتوقف فقط مع قتل أعضاء البرلمان بل طالت كثيراً من اللبنانيين، كما اختفى بعضهم في السجون السورية.

لقد كانت مرحلة مظلمة توسلت التهديد والابتزاز، فمن أوكل إليه من كبار الضباط السوريين الهيمنة على الأمن في لبنان، وجدها فرصة سانحة للابتزاز، في الغالب برضاء النظام في دمشق، إلى درجة أن رستم غزالة، وهو أحد ضباط الأمن لفترة غير قصيرة، ابتز القيادات اللبنانية بدفع خمسين ألف دولار شهرياً كمرتب له، غير الابتزاز من الميسورين اللبنانيين، وبعضهم كان يدفع تخلصاً من الأسوأ، ولم يكن غازي كنعان الضابط الأسبق من غزالة بأفضل منه، وتحولت بلدة عنجر إلى عاصمة الاستخبارات العسكرية السورية، ومحطة لازمة للزيارة من السياسيين!

هي مرحلة مظلمة بكل ما يمكن أن توصف، فقد تم استعمال شريحة من اللبنانيين لإشاعة الفوضى أيضاً في الجوار، وأدخلوا حروباً قريبة وبعيدة، وأصبحت بيروت بوقاً للشتم واللعن والتحريض ضد العرب، والدعوة إلى الانقلابات، بل وتدريب جماعات على السلاح في سبيل تخريب أوطانهم.

إنه ملف متضخم لا بد أن يفتح لمعرفة الحقائق، ومن ثم أخذ الدروس والعبر حتى لا يتكرر ذلك العهد المظلم.

ما يجري على الأرض اليوم يتوجب ملاحظته، فذلك الملف الأسود الملطخ بالدم وشبكات المؤامرة لن يستطيع أحد أن يفك شفرته، التي غيب بعض أشخاصها، إلا من خلال تعاون وثيق بين النظامين الجديدين في لبنان وسوريا. العقدة التي تظهر أمامنا أن البعض بهدف تعطيل العدالة يضع العصي في دولاب التقارب السوري اللبناني، فقد تمت بعض المناوشات على الحدود السورية اللبنانية مؤخراً، وبدأ بعض الإعلام الموالي للنظام الأمني السوري اللبناني السابق، يضخم تلك المناوشات، ويصفها بأنها اعتداء يساوي الاعتداء الإسرائيلي على الجنوب اللبناني بالضبط، في محاولة، قد تنجح لدى البعض، بشيطنة النظام السوري الجديد، تمهيداً لعرقلة فتح الملفات المشتركة السابقة، على قاعدة العدالة الانتقالية، من فضح جرائم الاغتيال، إلى فضح جرائم الفساد، التي يتوجب التعاون الوثيق فيها.

لقد كان لبنان في العقود الخمسة الماضية مزرعة استرزاق لبعض المتنفذين السوريين الفاسدين، كما ساعدتهم شريحة داخلية أرادت الاستقواء بهم للسيطرة على البلد، في تهميش كامل للمكونات الأخرى، يبدو أن هذه الشريحة تشعر بمخاطر الوفاق الذي يمكن أن يحدث بعد استقرار الأمور، وبالتالي عليها أن تقوم بما أمكن لتعويق السلم الأهلي اللبناني بين فترة وأخرى، وأيضاً قطع الطريق على وفاق بيروت - دمشق، حتى لا يتفرغ لفتح الملفات السوداء السابقة، وهي أولوية لكل الوطن اللبناني، ومدخل للاستقرار في الشرق الأوسط.

آخر الكلام: ثورة الأرز 2005 كانت بداية إنهاء النفوذ الأسدي في لبنان، المخاطر أن ينسى بعض السياسيين اللبنانيين، في خضم صراعاتهم، مظالم تلك المرحلة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ضحايا لبنان والعدالة الانتقالية ضحايا لبنان والعدالة الانتقالية



GMT 15:28 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

مسلم ــ شيوعي ــ يساري

GMT 15:24 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

مَن يعبر مِن حرائق الإقليم؟

GMT 15:23 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

«الثنائي الشيعي» و«كوفيد ــ 26»

GMT 15:21 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

قتل العلماء أو قتل القوة؟

GMT 15:20 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

الغباء البشري

GMT 15:19 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

صلاح ومحمود «بينج بونج»!

GMT 00:48 2016 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

شيماء الزمزمي بطلة للمغرب في رياضة الجمباز

GMT 17:43 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 08:56 2019 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تنصيب ناروهيتو إمبراطورا لليابان رسمياً

GMT 17:34 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحتضن أول بطولة عربية في مضمار الدراجات «بي.إم .إكس»

GMT 08:59 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

هيفاء وهبي تؤكد وجود الكثير من النساء الذين يفقنها جمالًا

GMT 04:17 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الدرك الملكي يحجز كمية مهمة من المواد المنظفة المزيفة

GMT 13:09 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

اليمن: حملة توعية بالحديدة بأهمية حماية البيئة

GMT 15:36 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

تشييع جثمان الجنرال دوكور دارمي عبد الحق القادري
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib