المعادلة الصعبة في الشرق الأوسط

المعادلة الصعبة في الشرق الأوسط

المغرب اليوم -

المعادلة الصعبة في الشرق الأوسط

محمد الرميحي
بقلم - محمد الرميحي

حتى لو افترضنا أن وقف إطلاق النار تم الاتفاق عليه في الغد القريب، وبدأ نوع من المباحثات الدبلوماسية بين الأفرقاء، فلن يستقر الشرق الأوسط، من دون أن يأخذ الفلسطينيون حقوقهم في دولة. الوصول إلى تهدئة في المنطقة من دون ذلك الهدف هو تكاذب على النفس، كل ما شهدناه من حروب وشرور منذ قرن تقريباً سببه «القضية» بشكل مباشر أو غير مباشر.

وما دام الفلسطينيون مختلفين فيما بينهم في الأهداف والوسائل، فسيظل أمر ظهور دولة لهم بعيد المنال، تلك هي المعادلة الصعبة.

ما هو في فلسطين ليس احتلالاً بالمعنى المتعارف عليه في العالم، هو ليس احتلال بريطانيا للهند مثلاً، ولا حتى فرنسا للجزائر، ولا أميركا لليابان (فقط أمثلة) ما هو موجود في فلسطين هو «استيطان» وليس له مثيل إلا في جنوب أفريقيا، أما الاستيطانات الأخرى، كما في أستراليا أو حتى أميركا الشمالية، فقد تضاءل السكان المحليون فيها حتى التلاشي.

الاحتلال الاستيطاني يؤدي إلى المشارَكة في أحسن الأحوال، أو إلى الاضمحلال، والمشارَكة تحتاج إلى وعي سياسي بعيداً عن الشعبوية، وديناميكيات سياسية مختلفة عن نضال التخلص من الاستعمار، لم يقم نيلسون مانديلا بإجلاء البيض من جنوب أفريقيا، كما طالب كثيرٌ من مناصريه، بل تغلب على الشعبوية من خلال الإقرار بالمشارَكة، مع أن لديه أغلبية.

المجموعات الفلسطينية بعضها قابل للمشاركة، ولكن تلك المجموعات تجد أنها غير شعبوية، وأخرى لا تقبل مزايدة، إلا بتحرير «كل التراب الفلسطيني»!.

اختلاف الفلسطينيين أو بالأحرى المجموعات المُنظَّمة، هو رحمة لعدوهم، والثابت أن إسرائيل، خصوصاً اليمين الإسرائيلي قد استفاد من ذلك الاختلاف، بل في بعض الأوقات مدَّه بالمال والتسهيلات.

من جهة أخرى، هناك طائفة إسرائيلية سياسية لا تريد أن ترى دولة فلسطينية، ويطلق عليها عادة «اليمين الإسرائيلي»، وهناك طائفة فلسطينية تريد التحرير من «النهر إلى البحر» ويتخادم الطرفان لاستمرار الصراع، وإدخال المنطقة كلها بقواها التي تريد أن تستفيد من الموقف أو القوى التي تريد التنمية، في خضم صراع مهلك.

هناك البعض في إسرائيل يرى أن وجود دولة فلسطينية هو الأفضل للسلام الإسرائيلي الداخلي، ولكن المزايدة، الإسرائيلية والفلسطينية، تتكاتف من أجل خفض تلك الأصوات، من خلال التلويح بالإبادة والإجلاء، أو استخدام العنف.

ما أوقف مشروع أوسلو هو التعاون غير المباشر بين اليمين الإسرائيلي من خلال المزايدة وقتل عراب أوسلو إسحق رابين، واليمين الفلسطيني، الذي قام بحملة من الأعمال المضادة، غذَّت توجه اليمين، وهكذا لعبت المزايدة دوراً في تقويض أول مسار معقول للوصول إلى تسوية.

ما سوف يتم بعد وقف إطلاق النار من الجانب الإسرائيلي، أخذاً بالهياكل القانونية المتبعة في الدولة الإسرائيلية، وأيضاً بالخسائر الإسرائيلية غير المسبوقة، أن مساءلة عميقة سوف تأخذ مجراها من شريحة واسعة من الإسرائيليين، التي ترى في المتشددين أنهم أخذوا إسرائيل إلى حافة الخطر الداخلي والخارجي، وقد يتمخض عن تلك المساءلة تيار يرغب في التسوية.

اللافت أن أكثر المتشددين في الحكومة الإسرائيلية القائمة هما بن غفير، وسموتريتش، الداعيان إلى إبادة الآخر كالذي حصل مع الهنود الحمر، وهما من خلفيات عرقية تفسر ذلك التشدد، الأول من خلفية عراقية، والثاني من خلفية أوكرانية، يشعران بأنهما من الأقلية، وأفضل طريق للشعبوية الذهاب إلى المزايدة، التي يمكن أن تظهرهما بمظهر الوطنية المغرقة في التطرف، وهذا لا يعني أن هناك آخرين غير متطرفين، ولكن يعني أن المزايدة هي سلاح التكسب السياسي.

من المحتمل بعد الخسائر التي منيت بها إسرائيل خلال العام الماضي، أن تَبْرُزَ مجموعة سياسية تسعى إلى الحلول الوسط، ولكن هذا الاحتمال يتطلب أن تلاقيه مجموعةٌ سياسيةٌ فلسطينيةٌ وازنةٌ بعيدة عن المزايدة، ومصاحَبة بإصلاح ديمقراطي مستحق في السلطة، وهما خطوتان سابقتان لأي أفق في الحل السياسي، وقتها يمكن للدول العربية والصديقة أن تعمل على إكمال مشروع الدولة بالطرق الدبلوماسية على خطى ما قدمته المملكة العربية السعودية في مشروع التحالف الدولي من أجل الدولة الفلسطينية، الذي يحظى بقبول واسع دولياً.

تلك خطوط عريضة لما يمكن أن يتوقع حدوثه، مشروط في المستقبل بخفض حقيقي من الشعبوية - التي لازمت القضية في كل مراحلها - والاعتمادِ على أوهام أسطورية تسلطت على بعض العقول من دون قراءة أو معرفة أو دراية بديناميكيات العمل الدولي فيما بعد الحرب العالمية الثانية.

آخر الكلام: كما أن الحرب القائمة تشكِّل أزمة، فإنها في الوقت نفسه تشكل فرصة يتوجب التفكير في الاستفادة منها بجدية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المعادلة الصعبة في الشرق الأوسط المعادلة الصعبة في الشرق الأوسط



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نجمات الموضة يتألقن بإطلالات صيفية منعشة تجمع بين البساطة والأنوثة

دبي - المغرب اليوم

GMT 10:25 2016 الأربعاء ,18 أيار / مايو

أمير قطر يتسلم رسالة خطية من الرئيس السوداني

GMT 18:16 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

زيت شجرة الشاي لعلاج التهاب باطن العين

GMT 04:56 2016 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حركة النقل الجوي في مطارات المغرب بنسبة 1.79 %

GMT 13:04 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة "المغانا" تتبرأ من "تيفو" مباراة المغرب والغابون

GMT 22:00 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

ناصيف زيتون يحي صيف النجاحات وسط حضور جماهيري حاشد

GMT 19:55 2022 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

هبوط أسعار النفط مع تنامي مخاوف الصين من فيروس كورونا

GMT 15:06 2022 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أرباح "مصرف المغرب" تبلغ 438 مليون درهم

GMT 12:29 2022 السبت ,07 أيار / مايو

أفضل أنواع الهايلايتر لجميع أنواع البشرة

GMT 17:41 2022 السبت ,09 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4,3 درجات في إقليم الدريوْش

GMT 23:50 2022 الأربعاء ,26 كانون الثاني / يناير

"ناسا" ترصد مليون دولار لمن يحل مشكلة إطعام رواد الفضاء

GMT 20:42 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

مدريد تستعد لأشد تساقط للثلوج منذ عقود

GMT 01:34 2020 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

الحكم على المودل سلمى الشيمي ومصورها

GMT 22:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مُساعد جوسيب بارتوميو يظهر في انتخابات نادي برشلونة المقبلة

GMT 15:54 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز التوقعات لعودة تطبيق الحجر الصحي الكامل في المغرب

GMT 19:12 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أمن طنجة يحقق في اتهامات باغتصاب تلميذ قاصر داخل مدرسة

GMT 23:35 2020 الأحد ,13 أيلول / سبتمبر

فساتين سهرة باللون الأخضر الفاتح

GMT 23:41 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

بلاغ هام من وزارة "أمزازي" بشأن التعليم عن بعد
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib