حروب عالمية هل تبرد

حروب عالمية... هل تبرد؟

المغرب اليوم -

حروب عالمية هل تبرد

عبد الرحمن شلقم
بقلم - عبد الرحمن شلقم

حرب عالمية تطوف بأرجاء الدنيا اليوم، لكنها حرب غير مسبوقة في درجة حرارتها، وإن يجهل الناس كل الأطراف التي تخوضها. لا توجد قارة من قارات العالم الخمس لا ترتفع فيها زوابع النار والبارود. حربان عالميتان شهدهما العالم في النصف الأول من القرن الماضي. تحالفت فيهما أطراف، ولكن بعد انتهاء الحرب الثانية، نشبت حرب بين مَن كانوا حلفاء ضد دول المحور. حرب أُطلق عليها اسم، الباردة. لكننا اليوم وسط حروب عالمية، لا أحد بقادر على قياس درجة حرارتها. فهي باردة وساخنة في الوقت ذاته.

الحرب حقيقة كامنة في حياة البشر. لا نحتاج إلى قراءة عشرات المجلدات التي تسكن في سطورها حروف تتحرك وسطها الدماء والمآسي منذ آلاف السنين. تتغير طبيعة المواجهات بين البشر بتطور القدرات الحربية. من الخناجر الحجرية إلى السيوف والرماح والنصال، إلى ما بيد الدول اليوم من أسلحة لها قدرة على قتل الملايين في ثوانٍ قليلة.

مباشرة بعد سنوات قليلة من نهاية الحرب العالمية الثانية نشبت حرب بين حلفاء الأمس.

المفارقة، أن الذين قادوا قوات الحلفاء في أوروبا في الحرب العالمية الثانية الساخنة، ضد الفاشية والنازية، وهو الجنرال دوايت إيزنهاور الذي صار رئيساً للولايات المتحدة الأميركية، هو نفسه الذي قاد الحرب الباردة الأولى، وفي المقابل واجهه في الحرب العالمية الجديدة، من كان حليف الأمس جوزيف ستالين زعيم الاتحاد السوفياتي. قائدان في حربين، الأولى ساخنة والأخرى باردة. هبّت براكين تدافع جمرها في شبه الجزيرة الكورية، آيديولوجيا مسلحة تحالف فيها الاتحاد السوفياتي مع جمهورية الصين الشعبية الشيوعية التي برزت إلى الوجود في آخر سنة من أربعينات القرن الماضي، ضد الغرب الذي طاف حوله الرعب من المد الشيوعي، انتهت تلك المواجهة بتقسيم شبه الجزيرة إلى دولتين، جنوبية رأسمالية تدور في فلك الغرب، وشمالية شيوعية تتوارثها أسرة آل جونغ. انفجر البركان الثاني في فيتنام، وكانت الحرب الأهلية الدموية الطويلة بين الكتلتين، الغربية والشرقية، وانتهت بهزيمة الولايات المتحدة الأميركية وتوحيد شطري فيتنام، تحت قيادة الزعيم هوشي منه، أمين عام الحزب الشيوعي.

الولايات المتحدة الأميركية، رسّخت وجودها السياسي في بلدان أوروبا الغربية، التي نهجت طريق النموذج الليبرالي الأميركي، حيث دعمت الأحزاب السياسية الموالية لها، وحاربت الأحزاب الشيوعية فيها، ورسّخت وجودها العسكري بقواعد حلف «الناتو» الذي ضم كل دول أوروبا الغربية إلى جانب الولايات المتحدة الأميركية، أما اليابان فكانت التابع الصامت لذلك التكتل.

القارة الأفريقية التي نالت أغلب دولها الاستقلال من فرنسا وبريطانيا في مطلع ستينات القرن الماضي، أبدعت حروبها الخاصة. حروب أهلية وانقلابات عسكرية، مهندسوها المعماريون من الخارج، أما المهندسون المدنيون، ومواد القتال فهي إنتاج محلي. وما تحت ترابها من خامات، وما فوق أرضها من أخشاب الغابات، فيرحل طوعاً إلى مصانع الكبار في ما وراء البحار. تلك حروب لم تنل حتى اسمها.

قارة أمريكا اللاتينية، نالت حصتها من الصراعات الدامية، وعبرت دولها عواصف الانقلابات العسكرية، وكان للآيديولوجيا نصيبها. إسقاط سلفادور الليندي الرئيس اليساري المنتخب ديموقراطياً في دولة تشيلي بانقلاب عسكري، لم تتحفظ الولايات المتحدة الأميركية في التعبير عن مساندتها له. تبنت الولايات المتحدة الأميركية، سياسة الإنزال الأمني خلف الخطوط. أكبر مواجهة كبيرة بين الشرق والغرب حديثاً، كانت في أفغانستان. حرك الاتحاد السوفياتي تحت قيادة ليونيد بريجينيف، موالين له داخل الجيش الأفغاني للقيام بانقلاب عسكري، ثم أبدع سياسة الانقلابات الدموية المتوالدة، وتحولت أرض أفغانستان ساحة مواجهة بين الشرق والغرب. تدفقت دماء لسنوات، خاصة بعد سيطرة متطرفي «طالبان» على البلاد، وتحالفت معها مجموعة «القاعدة». الدعم الغربي للمقاتلين ضد القوات السوفياتية على الأرض الأفغانية، كان من أقوى العوامل التي أدت إلى انهيار الاتحاد السوفياتي.

تفككت الكتلة الشرقية، وانهار حلف «وارسو» الشيوعي، وهيمن الغرب على المسار الدولي. توحدت ألمانيا، وانضمت دول شرق أوروبا إلى الكتلة الرأسمالية الغربية.

نيكولا روبير شومان، السياسي الفرنسي الذي ترأس مجلس الوزراء الفرنسي مرتين. كان مفكراً وسياسياً له رؤية مبدعة، وصفه البعض بالفيلسوف. كان أحد الفرنسيين البارزين الذين أطلقوا مقولة «أوروبا إما الوحدة أو الحرب». عاشت القارة العجوز حروباً على مدى قرون، لكن الحربين العالميتين الأخيرتين، كانتا مشهد الهول الرهيب، فقد تطورت الأسلحة وأساليب الحرب، وقُتل عشرات الملايين على أرض القارة الأوروبية. روبير شومان هو من قاد إنشاء الجماعة الأوروبية للفحم والصلب وتطورت إلى السوق الأوروبية المشتركة، وتُوجّت بإقامة الاتحاد الأوروبي. انتقلت أوروبا الغربية إلى عالم آخر، قفلت كل أبواب الصدام والصراع بين أممها، غابت اندفاعات نابليون نحو المجد المسلح، وردمت عنجهية هتلر الآرية الجنونية، وقام كيان عملاق غيّر معايير التوازن في العالم. كائن عملاق آخر نهض في شرق الدنيا هو الصين. صنع عضلاته بقوة الاقتصاد. خلع رداء الآيديولوجية الشيوعية الماوية التي كلفت البلاد ملايين الضحايا. الصين لا تدخل اليوم في حروب ساخنة أو باردة مباشرة، وأبدعت سياسة الصبر الخلاق.

روسيا فلاديمير بوتين تقفز من خندق الطموح الحامل لثقل الماضي، إلى حلقات المغامرات المسلحة. من حربها في جورجيا وقبلها الشيشان، وضم شبه جزيرة القرم، إلى غزو أوكرانيا. حرب عالمية لها سخونة مرعبة. روسيا العظمى الدولة التي أنفقت الكثير لصناعة السلاح، تستجدي الطائرات المسيّرة من إيران، وتستقبل رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، كي يهبها بعضاً مما طورته من أسلحة، وهو الذي يتضور شعبه جوعاً، ويهدد جارته الجنوبية ومن حولها بالويل والثبور. العالم يتدحرج نحو حفرة الرعب الأكبر، حروب تتحرك حرارتها وخرائط ميادينها، فكيف ستكون الخاتمة، هل بسلاح القتل الشامل، أم يهتدي العالم بواقعية وعقلانية الدرس الأوروبي؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حروب عالمية هل تبرد حروب عالمية هل تبرد



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

داليدا خليل تودّع العزوبية بإطلالة بيضاء ساحرة وتخطف الأنظار بأناقة لا تُنسى

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 22:09 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

سيلينا غوميز تحتفل بمرور عشر سنوات على ألبوم Revival
المغرب اليوم - سيلينا غوميز تحتفل بمرور عشر سنوات على ألبوم Revival

GMT 15:40 2017 الإثنين ,17 إبريل / نيسان

جمهور "الرجاء" ضمن أفضل عشرة مشجعين في العالم

GMT 02:22 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شركة "DFSK" تطرح السيارة "K01" في مصر بـ46 ألف جنيه

GMT 10:13 2023 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يُؤكد أنه يقف بنسبة 100 بالمئة إلى جانب إسرائيل

GMT 16:52 2022 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

منتخب البرازيل يعلن مدة غياب نيمار عن الملاعب

GMT 18:23 2022 الإثنين ,10 كانون الثاني / يناير

المغرب يعلن اكتشاف كمية مهمة من الغاز قبالة سواحل العرائش

GMT 06:33 2021 الثلاثاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تضاعف الاستثمارات الخارجية للمغرب 5 مرات مع نمو الصادرات

GMT 18:10 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 06:05 2020 الجمعة ,12 حزيران / يونيو

أحذية رجالية بتصاميم استثنائية من "ستيف مادن"

GMT 20:18 2020 الإثنين ,27 إبريل / نيسان

مطعم أسترالي ينقل البيتزا بالطائرة دليفري
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib