ترمب و«رقصة الفالس الدبلوماسية»

ترمب و«رقصة الفالس الدبلوماسية»

المغرب اليوم -

ترمب و«رقصة الفالس الدبلوماسية»

الدكتور ناصيف حتّي*
بقلم: الدكتور ناصيف حتّي*

رغم أنَّ «التحدي الصيني» ما زال يحظى بالأولوية في الاستراتيجية الأميركية من خلال التمدد السريع والمتزايد للدور الصيني اقتصادياً وسياسياً على الصعيد العالمي حيث النفوذ السياسي يرتكز بشكل أساسي على العنصر الاقتصادي، فإنَّ واشنطن عادت لتركز على «مخاطر» الدور الروسي. الدور الذي يتمثل في استمرار وتصعيد الحرب الروسية على أوكرانيا. أضف إلى ذلك ما ترى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب أنه عدم تجاوب روسي كلي مع مبادرات التسوية الأميركية لوقف تلك الحرب، على رغم الرسائل الإيجابية التي وجهتها مراراً لموسكو.

من مؤشرات هذا التحول تهديدات واشنطن بشأن إطار زمني محدّد، قيل نقلاً عن الإدارة الأميركية، لتجاوب موسكو مع مطالب واشنطن بوقف القتال. وفي ظل «الرسائل» الأميركية قامت واشنطن بنشر غواصتين نوويتين في منطقة تعتبر «مسرحاً استراتيجياً» أساسياً بالنسبة إلى موسكو. الأمر الذي ساهم في رفع حدة التصعيد في المواقف الدبلوماسية بين الطرفين. وذهبت واشنطن أيضاً إلى التخطيط مع منظمة حلف شمال الأطلسي، بعد أن استجابت الدول الأوروبية الأعضاء في الحلف لمطلب واشنطن برفع نسبة مساهمتها في ميزانية الحلف إلى خمسة في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، لتوفير مساعدات عسكرية لأوكرانيا بحدود 10 مليارات دولار. التحول الأميركي في شأن أوكرانيا يندرج في استراتيجية ترمب القائمة على التهديد وفرض العقوبات ثم التفاوض مع الخصم أو العدو من موقع أفضل.

على صعيد آخر، يأتي الاتفاق الأميركي مع الاتحاد الأوروبي، الحليف الأساسي والتاريخي لواشنطن، حول تحديد نسبة 15 في المائة رسوماً جمركية على الصادرات الأوروبية إلى الولايات المتحدة كحل تسووي. حل أرضى بعض الأوروبيين وليس كل الذين قبلوا به مع التعبير عن انتقاداتهم له، باعتبار أنه الحل الأقل سوءاً لتفادي السيناريو الكارثي بالتهديد بفرض رسوم تصل إلى 30 في المائة على الصادرات الأوروبية، الأمر الذي كان يعني حرباً اقتصادية أميركية - أوروبية بتداعيات مكلفة للطرفين على كافة الأصعدة. ويساهم الحل بالنسبة لواشنطن بشكل خاص في خفض العجز في ميزان السلع مع الاتحاد الأوروبي، وكذلك حماية فرص العمل في قطاعات أميركية أساسية معينة.

على صعيد آخر، تزداد «الرسائل الإيجابية» بين واشنطن وبكين والتي تعكس خفض التصعيد الذي كان قائماً منذ مجيء ترمب إلى السلطة (إدارة ترمب الثانية بالطبع)، من دون أن يعني ذلك بالطبع أن بكين لم تعد الخصم الرئيسي لواشنطن على الصعيد العالمي بسبب موقعها الجيوسياسي في «منطقة المحيطين» التي تحظى بالأولوية في الاستراتيجية الأميركية على الصعيد العالمي، وبسبب ما أشرنا إليه من دور صيني ناشط وفاعل دولياً.

وفي هذا السياق، أعلنت واشنطن أنها تدرس إمكانية خفض رسومها الجمركية على الواردات من الصين الشعبية. وتتكرر التصريحات الأميركية حول احتمال «عقد اتفاق تجاري عادل مع الصين الشعبية». الرئيس الأميركي عبّر عن احتمال زيارته الصين الشعبية تلبية لدعوة من الرئيس الصيني شي جينبينغ. ومن الطبيعي أن تتم الزيارة في هذه الحال في شهر سبتمبر (أيلول) المقبل للمشاركة في الاحتفال بذكرى نهاية الحرب العالمية الثانية. كما لم يقفل ترمب، في هذا السياق، الباب أمام احتمال عقد لقاء قمة ثنائية مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وقد تكون ثلاثية بمشاركة الرئيس الصيني. إنها سياسة إقفال الباب مع ترك المفتاح فيه كما يقال. وفي السياق ذاته هنالك احتمال آخر فيما لو لم يذهب ترمب إلى بكين، قوامه عقد القمة الأميركية - الصينية على هامش أعمال «المنتدى الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ» الذي سينعقد في كوريا الجنوبية في نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول) المقبل. ذلك كله يعكس «عقيدة ترمب» في العلاقات الخارجية: العقيدة القائمة على منطق التفاعلية أو التبادلية في المصالح والأحادية في السياسة، كبديل عن الالتزام المتعدد الأطراف في إطار منطق التحالف الاستراتيجي الغربي الذي كان سائداً وخفّ وهجه أو قوته بعد سقوط «الشرق الاستراتيجي». وجاءت إدارة ترمب لتوجه نوعاً من الضربة القوية ولا أقول القاتلة لذلك التحالف حيث قد يكون التعاون في قضية، والخلاف مع الطرف ذاته «الحليف التقليدي» حسب إرث الأمس في قضية أخرى. يأتي ذلك بالطبع، ويسهل حدوثه، بعد أن سقطت الاختلافات التقليدية وتبدلت أو تغيرت الأولويات، تقاطعاً أو تصادماً، بين مختلف الأطراف الدولية في نظام عالمي ما زال في طور التشكل ولم تتبلور القواعد الناظمة له بعد.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ترمب و«رقصة الفالس الدبلوماسية» ترمب و«رقصة الفالس الدبلوماسية»



GMT 18:30 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

وادي الكنوز

GMT 18:28 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

يومٌ مصريٌ للتاريخ

GMT 18:19 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تتغيّر إيران الآيديولوجيّة آيديولوجيّاً؟

GMT 18:16 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

انكسار «الطائفية» وتجدد «الأصولية»

GMT 18:14 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الغد كان أفضل

GMT 17:58 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

ولا يبقى الوضع كما هو عليه!

GMT 17:54 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الميثاق الإعلامي العربي الحلم المستحيل!!

GMT 17:50 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

نغمة تنال من المتحف

شريهان تتألق بالملابس الفرعونية في احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير

القاهرة _ المغرب اليوم

GMT 21:19 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

هولندا تعيد تمثالاً فرعونيًا عمره 3500 عام إلى مصر
المغرب اليوم - هولندا تعيد تمثالاً فرعونيًا عمره 3500 عام إلى مصر
المغرب اليوم - إيلون ماسك يطلق ميزة جديدة في غروك لتحليل منشورات منصة إكس

GMT 09:09 2016 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

7 فنانين مصريين أكدوا نظرية "الموهبة ليست لها وقت أو سن"

GMT 01:07 2017 الخميس ,23 شباط / فبراير

خالد عبد الغفار يشدّد على تحسين "البحث العلمي"

GMT 16:42 2020 الخميس ,10 أيلول / سبتمبر

إصابة مدير سباق فرنسا الدولي للدراجات بكورونا

GMT 15:00 2019 الثلاثاء ,16 تموز / يوليو

محمد باعيو يكلف الجيش الملكي 100 ألف دولار

GMT 21:04 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور حزينة خلال هذا الشهر

GMT 11:17 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

أبرز صيحات موضة 2019 بأسلوب كارلا حداد

GMT 22:17 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

أبرز مواصفات سيارة "Vitara" المعدلة

GMT 09:00 2019 الخميس ,07 آذار/ مارس

أبرز عروض الأزياء بأسبوع الموضة في باريس

GMT 15:37 2019 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

مواجهة حامية بين "يوفنتوس" و"أتالانتا" لخطف بطاقة التأهل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib