حرب أوكرانيا في عامها الثالث أيُّ أفق

حرب أوكرانيا في عامها الثالث... أيُّ أفق؟

المغرب اليوم -

حرب أوكرانيا في عامها الثالث أيُّ أفق

ناصيف حتّي
بقلم: الدكتور ناصيف حتّي*

حرب أوكرانيا دخلت عامَها الثالثَ ولا مؤشرات حتى الآن تدلُّ على وجود أيّ توجُّهٍ فعليّ من الأطراف الدولية المعنيَّة والمنخرطةِ في الصراع بأشكالٍ مختلفة للتوصُّل إلى تسويةٍ سلمية لهذه الحرب. ويصفُ البعض الحربَ الدائرةَ بالحروب الأوكرانية؛ كون أنَّ هنالك عدةَ صراعات تغذّي وتتغذَّى على هذه الحرب. الحرب التي أعادت أوروبا لتكونَ مسرحَ الصراع المباشر وغير المباشر بين الغرب وروسيا الاتحادية. حرب أطلقت ديناميةً لحرب باردة جديدة بعناوينها عرفتها أوروبا بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتين كانت القارة القديمة مسرحَهما الرئيسيَّ. ولو اختلف اللاعبون وعناوين اللعبة.

حربٌ ألقت بثقلِها على مسار تبلور نظامٍ عالمي جديد: نظام يستفيد من دروس الماضي القريب والبعيد ومتغيرات الحاضر لمواجهة تحديات جديدة ومتجددة بشكل أكثرَ فاعلية ونجاحاً: تحديات تطال مصالحَ الجميع وتستدعي التعاونَ بين مختلف القوى المؤثرة، دون أن يعني ذلك غيابَ أو تغييب قضايا خلافية مهمّة بين القوى المؤثرة والناشطة.

أحيتِ الحربُ الأوكرانية دورَ وفاعلية منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) التي كان دورُها قد تراجع بشكل كبير مع غياب «العدو السوفياتي». وأحيت وعزَّزت كذلك دورَ القيادة الأميركية للحلف الغربي. وكان من أبرز مظاهر «عودة الروح» إلى الحلف الغربي انضمامُ كلّ من السويد وفنلندا الدولتين الحياديتين، كلتاهما على طريقتها، إلى الحلف الأطلسي. ولا يعني ذلك بالطبع غياب الخلافات بين أطراف الحلف وعودتها إلى البروز تحت سقف التعاون، مع استمرار الحرب: خلافات حول طبيعة ودرجات الانخراط في الحرب المستمرة مع روسيا، القطب الدولي الناشط. فصار الحديث عن الخصم أو العدو الروسي مقابل الحديث عن المنافس الصيني، والفرق في الوصف ما يدل عليه ويستدعيه من سلوكيات تجاه القطبين المعنيين، كبير. رغم ذلك ما زالت التمايزات قائمة بين أطراف الحلف الغربي، مع استمرار الحرب والاستنزاف لمختلف الأوجه على أعضاء الحلف، سواء في مجال الدعم الاقتصادي والمالي أو الدعم العسكري لأسباب متعددة. ولا أدل على هذه التمايزات تحت سقف الموقف الغربي المواجه لموسكو في حربها الأوكرانية، مما حملته نتائج اجتماع باريس الأخير للقوى الغربية والذي دعت إليه فرنسا.

الاجتماع/ القمة لم يُفضِ إلى ما كان منتظراً من أصحاب الدعوة وآخرين، وهو بلورة استراتيجية أكثرَ فاعلية من حيث الانخراط المتعدد الأوجه في الحرب. ولم تلاقِ الدعوةُ، بصيغ مختلفة، إلى انخراط عسكري مباشر، أيَّ تجاوبٍ من المؤتمر. كما أنَّ «الغرب» لم يستطع جذبَ الجنوب العالمي أو قواه الرئيسية إلى جانبه في النزاع القائم. وقد بقيت هذه القوى خارج لعبة الاستقطاب الغربي - الروسي، وهو ما يشكل عنصراً إيجابياً للبحث عن التسوية السياسية المطلوبة لهذه الحرب، ولدور هذه القوى في الدفع نحو تحقيق هذه التسوية السلمية. واستمر مجملُ هذه الأطراف الفاعلة في الجنوب العالمي في اتخاذ مواقفَ وسطية ومتوازنة تساهم في تخفيف حدة الاستقطاب الدولي وفي العمل على التسوية لاحقاً.

أوكرانيا لم تخسر الحرب؛ إذ لم تحقق روسيا أهدافَها من جهة. كما أنَّ الأخيرةَ لم تُهزم؛ إذ هي مستمرة في حربها من جهة أخرى. ولم تؤثر المقاطعة والعقوبات الاقتصادية الغربية على ضرب الاقتصاد الروسي، كما دلَّ على ذلك نمو الناتج المحلي الإجمالي، كما أنَّ خطط التنمية الشاملة بالتكلفة العسكرية للحرب لم تتأثر أيضاً.

السؤال يتعلَّق بمتى ستبدأ لحظة العودة من الحرب أو الوصول إلى حالة التعب عند الطرفين المتصارعين: الغرب وروسيا، لإطلاق عملية البحث الجدي عن التسوية الشاملة التي تحقق بشكل متوازن مصالحَ الجميع، كما يرى ذلك كل طرف، وتوقف الاستنزاف الحاصل. هل سيكون الحل عبر سيناريو صيغة حكم ذاتي متقدم للمناطق التي تعدها روسيا قريبة منها في الانتماء والتاريخ والثقافة، أو كانت جزءاً منها، وهي منطقة الدونباس في الحالة الأولى وشبه جزيرة القرم في الحالة الثانية، وذلك ضمن الحفاظ على الوحدة الترابية للدولة، ويتعزَّز ذلك بالتفاهم حول قيام أوكرانيا حيادية بين روسيا والغرب؟

سيناريو آخر يقوم على وقف الحرب مع خلق أمر واقع جديد قوامه «جدار برلين» جديد يجري التوصل إلى إقامته مع الوقت لوقف الحرب، والاستمرار في صيغة حرب باردة بأشكال مختلفة في أوكرانيا مقسمة، التي ترث دور ووضعية ألمانيا الحرب الباردة. وإلى حين حصول ذلك فإنَّ الحرب قد تستمر كحرب استنزاف تشهد تخفيضاً وتصعيداً في القتال، إلى أن يتم التوصل إلى أحد السيناريوهين المشار إليهما من قبل. الأيام، لا بل السنوات، القادمة ستقول لنا أي سيناريو هو المنتصر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حرب أوكرانيا في عامها الثالث أيُّ أفق حرب أوكرانيا في عامها الثالث أيُّ أفق



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

داليدا خليل تودّع العزوبية بإطلالة بيضاء ساحرة وتخطف الأنظار بأناقة لا تُنسى

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 16:36 2019 الخميس ,07 شباط / فبراير

عملية جراحية ناجحة للاعب الفتح أنس العمراني

GMT 08:53 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

إدماج المرأة الجميلة في التنمية!

GMT 14:17 2015 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

نصائح جمالية لصاحبات العيون المبطنة

GMT 08:40 2016 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة السورية سارة نخلة تُشارك في مسلسل"هبة رجل الغراب 4"

GMT 02:49 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

النواصرة يستطيع تصميم أي مجسّم من الأسلاك

GMT 21:50 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الثلاثاء

GMT 00:49 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

بن ثاير مدربا جديدا للترجي لكرة اليد

GMT 13:22 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت وأصول التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي

GMT 18:11 2015 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

حادث سير مروع تسفر عن مقتل عشريني في مراكش

GMT 13:03 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عطر "Rose Synactif Shiseido" يضم مزيجًا مميزًا لعاشقات الورود

GMT 05:07 2025 الإثنين ,10 شباط / فبراير

جافي يكشف عن معاناته البدنية وسبب استبداله
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib