فك الارتباط بين «حزب الله» وبيئته

فك الارتباط بين «حزب الله» وبيئته

المغرب اليوم -

فك الارتباط بين «حزب الله» وبيئته

سام منسى
بقلم - سام منسى

مهما اختلفت الآراء بشأن تشييع السيد حسن نصر الله يوم الأحد، 23 فبراير (شباط) الفائت، يبقى محطة رئيسة في مسار «حزب الله» على مدى 42 عاماً. غالبية ما كُتب وقيل حول التشييع والحزب نفسه من الخصوم أو المؤيدين والحلفاء، عاطفي أكثر مما هو عقلاني أو موضوعي. بعضهم قدَّر الحشد يوم التشييع بأكثر من مليون شخص، وآخرون قدَّروه بعشرات الألوف. كثيرون عدُّوا التشييع دفناً لحقبة انتهت مع غياب القائد، والهزيمة العسكرية، ونهاية الدور الإقليمي لـ«حزب الله» وسلاحه، بعد متغيرات المنطقة من غزة إلى دمشق مروراً ببيروت، وانكفاء إيران عن المشرق. وآخرون سلَّموا بذلك مع خوف من الارتدادات السلبية لهذه التغيُّرات على الداخل اللبناني.

كُتب كثيرٌ عن الرابط العضوي بين الحزب وإيران، ولا شك أن لإيران دوراً رئيساً في التخطيط والإخراج السياسي ليوم التشييع، لتأكيد استمرارية دورها ونفوذها، وأن الحزب -ذراعها الأقوى في المنطقة- لا يزال جاهزاً لتنفيذ سياساتها فيما تبقَّى لها من المشرق بعد سقوط نظام الأسد في سوريا. جاء الحشد يوم التشييع للقول إن الخسائر العسكرية أمام إسرائيل لم تؤثر على قوة الحزب الشعبية وحضوره الاجتماعي، ولتأكيد استمرار نفوذه وتأثيره في الساحة اللبنانية.

الجديد في المشهد هو انسحاب هذا الرابط العضوي بإيران، ليطول قسماً معتبراً من شيعة لبنان، بعد أن رسَّخ الحزب في أذهانهم أن الولاء للمرشد الأعلى الإيراني جزء أساسي من العقيدة الدينية والسياسية. الانطباع الأول والعفوي لما شهدناه أظهر ملامح مجتمع ديني متشدد منفصل عن بقية الأطياف اللبنانية، وأوحى بأن اللبنانيين يعيشون في بلدين منقسمين مختلفين. برزت اختلافات نافرة مع تبيان التأثير العقائدي- الديني- المذهبي والاجتماعي لولاية الفقيه على شريحة واسعة من الطائفة الشيعية، وغلبة الولاء لإيران على الولاء الوطني، وتضخم الهوية المذهبية للطائفة الشيعية الإيرانية المزاج على حساب الهوية الوطنية اللبنانية، حتى بات اجتماعهم يختلف بغالبيته عن بقية الاجتماع اللبناني من السُّنة والمسيحيين والدروز.

تبين أن «حزب الله» لم يكن مجرد حزب سياسي وعسكري؛ بل قوة عقائدية واجتماعية تعيد تشكيل هوية الطائفة الشيعية، عبر ترسيخ ولاية الفقيه وخطابها الديني، وتسعى لتحويل المجتمع الشيعي إلى كتلة متماسكة تدين له بالولاء. كل ذلك عزل بيئته عن بقية المكونات اللبنانية، ونمَّى الشكوك في فكرة «لبنان الواحد» الجامع لكل مكوناته، وأشعل حماسة مؤيدي الفيدرالية وغيرها من الصيغ الانتحارية.

كلمة أمين عام الحزب الجديد، الشيخ نعيم قاسم، في التشييع، جاءت حمَّالة أوجه، وتحمل تفاسير كثيرة متناقضة، رغم تأكيدها نهائية الكيان اللبناني، وانخراط الحزب في الحياة السياسية تحت سقف «الطائف». كذلك كلمة النائب محمد رعد في جلسة الثقة في البرلمان، ومنحه وكتلة نواب الحزب الثقة للحكومة.

فهل فعلاً بات الحزب مستعداً للتعايش مع الآليات الديمقراطية، والمداورة في السلطة والمناصب، ويعرف كيف يخسر ومتى يربح، وقادر على الاعتراف بالهزيمة كما الانتصار، وهو المعتاد على النصر الإلهي الدائم؟ أيُّ لبنان يريده الحزب بعد الاعتراف به وطناً نهائياً لكل أبنائه؟ لبنان مدني ديمقراطي متعدد حيادي بعيد عن المحاور؟ هل يتخلى عن ممارساته في بيئته بعد أن حوَّل الولاء للوطن ولاءً للحزب؟

الإجابة مرهونة بعوامل كثيرة، أبرزها وأصعبها هو قدرة الحزب ورغبته في التحول إلى قوة سياسية لبنانية، عبر قيامه بمراجعة تذهب أبعد من مجرد استحضار رمزية الإمام موسى الصدر، أو فكر العلامة محمد مهدي شمس الدين، باتجاه الانفكاك عن الولاء المطلق لولاية الفقيه بخاصة، وإيران بعامة، دون المس باعتماد مرجعية التقليد التي يرونها مناسبة. مراجعة منفتحة على مختلف النخب الشيعية، تسمح بحوار داخلي يعكس التعددية الفكرية داخل الطائفة.

وفي سياق العلاقة مع إيران، تبقى الأمور رهن مستقبل العلاقات الإيرانية الأميركية، وعلى أي بر سترسو، وكذلك علاقات تل أبيب بطهران وهي لصيقة أيضاً بعلاقات واشنطن بطهران ومآلاتها.

العامل الثاني مرتبط بخصوم الحزب، وأغلبهم مسؤول -ولو بنسب متباينة- عن تمكينه وسطوته والدرك الذي وصلت إليه الأمور على أكثر من صعيد. تراكم أخطاء وخطايا لأهل الحكم والمعارضة منذ الثمانينات، بتدوير الزوايا، والركض وراء المصالح الآنية والمذهبية والمناطقية والشخصية. الخطيئة الأكبر التي لا تزال متمادية، هي اختصار الطائفة الشيعية بـ«حزب الله»، وتناسي وتهميش على مدى أربعين سنة شريحة من خيرة الكفاءات السياسية الوطنية والفكرية، وتركها منسية بحجة أنها لا تمثل غالبية الطائفة. المطلوب اليوم هو دعم هذه الشريحة المستقلة والمثقفين الشيعة الذين ينتقدون سيطرة الحزب على القرار الشيعي.

العامل الثالث هو النجاح في وضع الدولة استراتيجية طويلة الأمد، تعيد جمهور الحزب إلى حضنها، عبر تفعيل أدوار المؤسسات الدستورية والإدارية والقضائية والأمنية، وبخاصة في المناطق الشيعية. يبقى دور المرجعيات الشيعية الدينية خارج سطوة إيران و«حزب الله» محورياً في لعب دور يعزز الفكر الشيعي النجفي العربي الذي لا يرى في ولاية الفقيه موجباً دينياً.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فك الارتباط بين «حزب الله» وبيئته فك الارتباط بين «حزب الله» وبيئته



GMT 00:10 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

أزمة النووي الإيراني.. أي مسار سنشهد؟‎

GMT 00:06 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

قمة لا غرب فيها

GMT 00:03 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

وميضٌ عربي في بحر الظلمات

GMT 00:00 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

لبنان وخطر العودة إلى العادات القديمة

GMT 23:58 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

«واقعة» صبي المنبر

GMT 23:56 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

«عيد ميلاد سعيد».. أمل جديد!

داليدا خليل تودّع العزوبية بإطلالة بيضاء ساحرة وتخطف الأنظار بأناقة لا تُنسى

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 22:07 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

سبع إشارات يومية قد تكون مؤشرا مبكرا لنوبة قلبية
المغرب اليوم - سبع إشارات يومية قد تكون مؤشرا مبكرا لنوبة قلبية

GMT 16:36 2019 الخميس ,07 شباط / فبراير

عملية جراحية ناجحة للاعب الفتح أنس العمراني

GMT 08:53 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

إدماج المرأة الجميلة في التنمية!

GMT 14:17 2015 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

نصائح جمالية لصاحبات العيون المبطنة

GMT 08:40 2016 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة السورية سارة نخلة تُشارك في مسلسل"هبة رجل الغراب 4"

GMT 02:49 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

النواصرة يستطيع تصميم أي مجسّم من الأسلاك

GMT 21:50 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الثلاثاء

GMT 00:49 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

بن ثاير مدربا جديدا للترجي لكرة اليد

GMT 13:22 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

اتيكيت وأصول التعامل مع مواقع التواصل الاجتماعي

GMT 18:11 2015 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

حادث سير مروع تسفر عن مقتل عشريني في مراكش

GMT 13:03 2017 الأربعاء ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عطر "Rose Synactif Shiseido" يضم مزيجًا مميزًا لعاشقات الورود

GMT 05:07 2025 الإثنين ,10 شباط / فبراير

جافي يكشف عن معاناته البدنية وسبب استبداله
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib