ما الذي يريد برّاك أن يعطيه للحزب

ما الذي يريد برّاك أن يعطيه للحزب؟

المغرب اليوم -

ما الذي يريد برّاك أن يعطيه للحزب

سام منسى
بقلم - سام منسى

لم تعد تصريحات المبعوث الأميركي إلى سوريا ولبنان توم برّاك تفصيلاً لا يجدر التَّوقف عنده؛ إذ باتت تتجاوز زلة اللسان أو التلميح العرضي، حتى أصبح وصفها بالسذاجة السياسية هو بحد ذاته سذاجة. برّاك هو مبعوث رسمي للدولة الأقوى في العالم، وينبغي مقاربة كلامه من هذه الزاوية.

بدأ سيل مواقف برّاك عندما قال لصحيفة «ذا ناشيونال»، إن «لبنان يُواجه خطر الوقوع في قبضة القوى الإقليمية ما لم يتحرك لمعالجة مخزونات أسلحة «حزب الله». وقال بعدها: «إذا لم يتحرك لبنان، فسيصبح مرة أخرى بلاد الشام». وفي الزيارة الأخيرة أقر برّاك بالمباشر بدور إيران في لبنان بوصفها «جاراً لا يمكن تجاوزه». وأضاف بلغة دبلوماسية: «لا يمكن للحزب أن يأخذ شيئاً من دون تقديم مقابل»، للقول سياسياً إن «حزب الله» لن يعطي شيئاً دون مقابل.

إذا استبعدنا السذاجة السياسية، مجمل كلام برّاك يدل إما على تخبط وضبابية الرؤية لدى الإدارة الأميركية، وإما عدم التنسيق بدرجة كافية مع إسرائيل، والنتيجة تشي أن لبنان من جديد ليس من ضمن أولويات الإدارة الأميركية، ويتم التعاطي معه بخفة.

تحاول معظم وسائل الإعلام اللبنانية الترويج لأهمية زيارة برّاك الأخيرة بالنسبة للمقررات الحكومية بشأن حصرية السلاح، متجاهلة المعاني المستترة في تصريحاته عن الحزب وإيران، في وقت تستدعي فيه هذه المواقف نتائج على أكثر من صعيد؛ فهي أولاً احتوت ما قاله أمين عام الحزب نعيم قاسم في كلمته الأخيرة «بمنع الحياة» في لبنان إذا مسَّ بسلاح الحزب، وأنه لا وجود له من دون المقاومة. بكلامه، كاد برّاك أن يقدم مكافأة للحزب لتدميره على مدى عقود البشر والحجر نتيجة مغامراته في الداخل والخارج، واعتبرها كأنها لم تكن. إلى ذلك، أتت هذه المواقف لتكبح الاندفاعة الرسمية النادرة لتنفيذ حصرية السلاح بعد تسلّم خطة الجيش بهذا الشأن، لتفتح الباب أمام ما عهدناه في الحياة السياسية لهذا البلد، أي التأجيل أو تدوير الزوايا أو التعابير الملتبسة وحمّالة الأوجه. محصلة كلام برّاك توحي بأنه يطرح مكاسب للبيئة الشيعية تحصيناً لمكانة وموقع الطائفة ضمن النظام اللبناني، بينما في الواقع، وبحسب ميزان القوة الراهن، يكرس الحزب وصياً على الطائفة وممثلها الأوحد ولو بتناغم ظاهر مع حركة «أمل». بمعنى أوضح، اختصر المبعوث الأميركي الشيعة بالحزب وفي أحسن الأحوال بالثنائي «أمل - حزب الله»، متجاهلاً الشرائح الشيعية المناهضة لهما على أهميتها، إضافة إلى كل نتائج هذه السياسة على الاجتماع اللبناني.

لم يُفهم من برّاك ما تريده واشنطن من الشيعة، هل التحرّر من «حزب الله» المسلح لكن البقاء تحت سطوته من دون سلاح، غير آبهة بآيديولوجيا الحزب وبعلاقته العضوية بإيران وتأثيرهما؟ ها هو برّاك يستحضر إيران شريكاً بوصفها جاراً للبنان، متجاهلاً موقف الحكم السوري الجديد منها، بينما يدعو لبنان إلى تسوية تاريخية مع سوريا الجديدة التي أبعدت إيران نهائياً بعد سقوط نظام الأسد.

الواقعية السياسية تقتضي الاعتراف بأنه يصعب القفز فوق الحزب ومحيطه في أي تسوية مقبلة، وحصرية السلاح هي قضية واحدة من جملة مشكلات أخرى متعددة مع الحزب ومحيطه، منها ما يتعلق بنهائية وقف العمليات العسكرية ضد إسرائيل من لبنان وموقف لبنان من النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني بعامة. يضاف إلى ذلك طبيعة العلاقة بين الحزب وإيران، التي هي كما ذكرنا أكثر من مرة، مركبة ومعقدة ومتعددة الأوجه دينياً وثقافياً واجتماعياً، وأقلها خطراً على الاجتماع اللبناني هو السلاح القابل للتسوية على عكس القضايا الشائكة الأخرى.

وتقتضي أيضاً، رفض التسويات الناقصة التي تحمل في باطنها بذور نزاعات قديمة وأخرى مستجدة لتأثيرها السلبي في تركيبة الاجتماع اللبناني. إن الاعتراف بالحزب وحتى بالثنائي ممثلاً للشيعة، ستكون له انعكاسات لعل السفير برّاك يجهلها، وستؤثر في المؤسسات العامة والقوى الأمنية والتربية والكثير غيرها من المجالات بفعل آيديولوجيا الحزب وعقيدته الدينية المتشددة وروابطه الوثيقة مع الحكم الإيراني.

في المحصلة، تصريحات برّاك بالصيغة التي صدرت ليست بريئة ولا عرضية، بل ضبابية في الموقف الأميركي. الخوف أن يكون رأس جبل الجليد يخفي إعادة نظر ترصدها الإدارة الأميركية على ضوء مصالحها وأهدافها في المنطقة.

سبق في هذه الزاوية بالذات في الثالث من أغسطس (آب) الحالي وتحت عنوان «ربع ساعة تشاؤم وربع ساعة تفاؤل، لغز توم برّاك»، أن كتبنا: «من غير المستبعد أن تكون هذه (السذاجة السياسية الظاهرة) عند السيد برّاك غطاءً لتحركات أكثر تعقيداً تتجاوز الأطر الرسمية، وتستند إلى تفاهمات ضمنية يجري نسجها بهدوء في الكواليس»... تحدث «تنازلات ميدانية من الحزب مقابل ضمانات سياسية أميركية». يبقى على السلطة اللبنانية، وضمن فن الممكن، عندما تعطي الحزب أن تتشدد فيما سوف تأخذه منه، وأول بند في اللائحة ينبغي أن يكون موافقته على خروج لبنان نهائياً من الأعمال القتالية خارج حدوده، والاعتراف بالهدنة الدائمة مع إسرائيل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما الذي يريد برّاك أن يعطيه للحزب ما الذي يريد برّاك أن يعطيه للحزب



GMT 18:30 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

وادي الكنوز

GMT 18:28 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

يومٌ مصريٌ للتاريخ

GMT 18:19 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تتغيّر إيران الآيديولوجيّة آيديولوجيّاً؟

GMT 18:16 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

انكسار «الطائفية» وتجدد «الأصولية»

GMT 18:14 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الغد كان أفضل

GMT 17:58 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

ولا يبقى الوضع كما هو عليه!

GMT 17:54 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الميثاق الإعلامي العربي الحلم المستحيل!!

GMT 17:50 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

نغمة تنال من المتحف

شريهان تتألق بالملابس الفرعونية في احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير

القاهرة _ المغرب اليوم

GMT 21:19 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

هولندا تعيد تمثالاً فرعونيًا عمره 3500 عام إلى مصر
المغرب اليوم - هولندا تعيد تمثالاً فرعونيًا عمره 3500 عام إلى مصر
المغرب اليوم - إيلون ماسك يطلق ميزة جديدة في غروك لتحليل منشورات منصة إكس

GMT 09:09 2016 الجمعة ,29 كانون الثاني / يناير

7 فنانين مصريين أكدوا نظرية "الموهبة ليست لها وقت أو سن"

GMT 01:07 2017 الخميس ,23 شباط / فبراير

خالد عبد الغفار يشدّد على تحسين "البحث العلمي"

GMT 16:42 2020 الخميس ,10 أيلول / سبتمبر

إصابة مدير سباق فرنسا الدولي للدراجات بكورونا

GMT 15:00 2019 الثلاثاء ,16 تموز / يوليو

محمد باعيو يكلف الجيش الملكي 100 ألف دولار

GMT 21:04 2019 الإثنين ,01 تموز / يوليو

تنتظرك أمور حزينة خلال هذا الشهر

GMT 11:17 2019 الأحد ,28 إبريل / نيسان

أبرز صيحات موضة 2019 بأسلوب كارلا حداد

GMT 22:17 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

أبرز مواصفات سيارة "Vitara" المعدلة

GMT 09:00 2019 الخميس ,07 آذار/ مارس

أبرز عروض الأزياء بأسبوع الموضة في باريس

GMT 15:37 2019 الأربعاء ,30 كانون الثاني / يناير

مواجهة حامية بين "يوفنتوس" و"أتالانتا" لخطف بطاقة التأهل
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib