علم الوراثة البرجوازي ونظرية التطور البلشفية

علم الوراثة البرجوازي ونظرية التطور البلشفية!

المغرب اليوم -

علم الوراثة البرجوازي ونظرية التطور البلشفية

خالد منتصر
بقلم - خالد منتصر

العصافير لا تغرد فى الكهوف المغلقة، كذلك العلم لا ينمو ولا يتقدم إلا فى المجتمعات المتحررة، عندما يصبح العلم فى خدمة الأيديولوجيا المنغلقة أو الدوجما المتصلبة يموت، بل يصبح خطراً داهماً، لم يفعلها الفكر الدينى الأصولى المتعصب فقط واغتال العلم وأجهضه، بل فعل ذلك الفكر الشيوعى الستالينى عندما أخضع علم الوراثة للأيديولوجية، وكانت الكارثة التى كادت تطيح بالاتحاد السوفيتى، إنها كارثة ليسنكو، لكن ما قصة تلك الكارثة؟، ومن هو ليسنكو؟، تروفيم دينيسوفيتش ليسنكو (١٨٩٨–١٩٧٦)، عالم زراعة سوفيتى، ولد فى قرية كارلوفكا (فى أوكرانيا الحالية)، درس فى معهد الزراعة فى كييف، حيث حصل على درجة متواضعة فى الزراعة، لم يتلقَّ تدريبًا أكاديميًا رسميًا فى علم الوراثة، ما جعله يعتمد على أفكار بدائية وغير علمية فى هذا المجال، لم يعترف بعلم الوراثة لمندل ولا بنظرية التطور لداروين، رفضهما نهائياً، فى الثلاثينيات، لفت انتباه جوزيف ستالين، الذى أعجب بوعوده بزيادة الإنتاج الزراعى، أصبح رئيسًا للأكاديمية الزراعية السوفيتية، واحتكر تخطيط السياسات الزراعية، أطلق حملة شعواء ضد علماء الوراثة الذين يتبنون آراء مندل، زاعمًا أن نظرياتهم «برجوازية» ومعادية للماركسية!، وادّعى أن الكائنات الحية يمكن أن تُعدل صفاتها الوراثية بتأثير البيئة فقط، دون الاعتماد على الوراثة الجينية، ادّعى أن النباتات يمكن أن تتعلم التكيف مع ظروف قاسية من خلال تقنيات مثل تعريضها للبرودة (التطوير الشتوى)، زاعمًا أنها ستورث هذه التعديلات إلى الأجيال القادمة، يعنى لو أخذنا بذور القمح وزرعناها فى أرض باردة، فإنها «تتعلم» التحمل، وإذا زرعنا بذورها فى المستقبل، ستكون النباتات الجديدة أقوى فى البرد، رفض قوانين «مندل» فى الوراثة التى تقول إن الصفات تنتقل من الآباء للأبناء عبر وحدات ثابتة عُرفت بأنها الجينات فيما بعد، وللتبسيط ففى علم الوراثة الحقيقى المتهم بالبرجوازية المتعفنة، لو أن لون الزهرة سببه جين معين، فإن تغييره يتطلب طفرة جينية، أما ليسنكو فكان يظن أنه يمكن تغيير اللون فقط بتغيير التربة أو المناخ، وطبق نظرية تحالف العمال وتكاتفهم ضد الرأسمالية فى الزراعة والوراثة، فقال إن النباتات من نفس النوع تحب بعضها البعض، فاقترح زراعتها بشكل كثيف جداً، متجاهلاً أن النباتات تتنافس على الماء والضوء.

لم يقف ليسنكو عند ذلك، لكنه أقنع ستالين بقمع علماء الوراثة، فقاد حملة قمع واسعة ضد علماء الوراثة الحقيقيين، واعتقل كثيرا منهم وأعدم معظمهم، ومنهم العالم العظيم نيكولاى فافيلوف، أحد أهم علماء النبات فى القرن العشرين، مما أدى إلى توقف تقدم البحث العلمى فى علم الوراثة فى الاتحاد السوفيتى لعقود طويلة، ماذا كانت نتيجة إخضاع العلم للأيديولوجيا الشيوعية والديكتاتورية الستالينية؟، أدى ذلك إلى تراجع حاد فى الإنتاج الزراعى وفشل المحاصيل الأساسية كالقمح والذرة، حدثت مجاعة أوكرانيا الكبرى – الهولودومور (١٩٣٢–١٩٣٣)، والتى راح ضحيتها من ٤ إلى ٧ ملايين شخص، انهار الريف واختفى الملايين من السكان من القرى، فشلت الزراعة وتراجع الإنتاج لسنوات طويلة، انتشر الخوف، توقف الناس عن التفكير أو النقد خوفًا من القمع، حدثت مجاعات أخرى فى كازاخستان وجنوب روسيا وسيبيريا، بل سجلت حالات كثيرة لأكل لحوم بشر من فرط الجوع، لم يكن مجرد خطأ علمى، بل كانت جريمة إبادة بالتجويع، مات ملايين الأبرياء نتيجة إخضاع العلم ولى ذراعه لكى يتناسب مع الأيديولوجيا، هذه المأساة كانت نتيجة أن فرداً بالتحالف مع ديكتاتور قررا إلغاء الوراثة المندلية وعلم التطور ودور الجينات والطفرات باعتبارها «علما برجوازيا متخلفا متعفنا... إلخ»، وأعلن أفكاره التى عرفت باسم «الليسنكووية» كعلم رسمى وحيد معترف به!، لن ينجح العلم فى مجتمع القمع والإجابات الجاهزة والقوالب المصمتة. لن ينجح العلم إلا بتمرد السؤال، وتحليق الشك.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

علم الوراثة البرجوازي ونظرية التطور البلشفية علم الوراثة البرجوازي ونظرية التطور البلشفية



GMT 00:06 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

استقرار واستدامة

GMT 00:01 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

نسخة ليبية من «آسفين يا ريّس»!

GMT 23:59 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

بضع ملاحظات عن السلاح بوصفه شريك إسرائيل في قتلنا

GMT 23:58 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

ليبيا... أضاعوها ثم تعاركوا عليها

GMT 23:55 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

الأديان ومكافحة العنصرية في أوروبا

GMT 23:52 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

إن كنت ناسي أفكرك!!

GMT 23:49 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

سوء حظ السودان

نجمات الموضة يتألقن بإطلالات صيفية منعشة تجمع بين البساطة والأنوثة

دبي - المغرب اليوم

GMT 10:25 2016 الأربعاء ,18 أيار / مايو

أمير قطر يتسلم رسالة خطية من الرئيس السوداني

GMT 18:16 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

زيت شجرة الشاي لعلاج التهاب باطن العين

GMT 04:56 2016 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حركة النقل الجوي في مطارات المغرب بنسبة 1.79 %

GMT 13:04 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة "المغانا" تتبرأ من "تيفو" مباراة المغرب والغابون

GMT 22:00 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

ناصيف زيتون يحي صيف النجاحات وسط حضور جماهيري حاشد

GMT 19:55 2022 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

هبوط أسعار النفط مع تنامي مخاوف الصين من فيروس كورونا

GMT 15:06 2022 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أرباح "مصرف المغرب" تبلغ 438 مليون درهم

GMT 12:29 2022 السبت ,07 أيار / مايو

أفضل أنواع الهايلايتر لجميع أنواع البشرة

GMT 17:41 2022 السبت ,09 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4,3 درجات في إقليم الدريوْش

GMT 23:50 2022 الأربعاء ,26 كانون الثاني / يناير

"ناسا" ترصد مليون دولار لمن يحل مشكلة إطعام رواد الفضاء

GMT 20:42 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

مدريد تستعد لأشد تساقط للثلوج منذ عقود

GMT 01:34 2020 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

الحكم على المودل سلمى الشيمي ومصورها

GMT 22:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مُساعد جوسيب بارتوميو يظهر في انتخابات نادي برشلونة المقبلة

GMT 15:54 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز التوقعات لعودة تطبيق الحجر الصحي الكامل في المغرب

GMT 19:12 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أمن طنجة يحقق في اتهامات باغتصاب تلميذ قاصر داخل مدرسة

GMT 23:35 2020 الأحد ,13 أيلول / سبتمبر

فساتين سهرة باللون الأخضر الفاتح

GMT 23:41 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

بلاغ هام من وزارة "أمزازي" بشأن التعليم عن بعد
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib