هل يسخر التاريخ منا ٢
هزة أرضية بقوة 4.7 درجة على مقياس ريختر تضرب مدينة شاهرود في إيران جماعة الإخوان المسلمين المحظورة يتهم «الإخوان» بجمع أكثر من 30 مليون دينار بشكل غير قانوني الجيش اللبناني يُوقيف 144 سورياً بـ«جرائم» الدخول غير الشرعي والاتجار بالسلاح احتجاجات في 3 محافظات يمنية ضد إنتهاكات الحوثيين رافضة لسياسات القمع وفرض الإتاوات والاختطافات وزارة الصحة اللبنانية تعلن سقوط 6 جرحى في حصيلة أولية جراء غارات طائرات الاحتلال الإسرائيلي على منطقة البقاع عودة الحكمة التركية أليف كارا أرسلان للتحكيم بعد إيقافها بسبب فضيحتها الجنسية إستشهاد وزير العدل الفلسطيني الأسبق محمد فرج الغول بقصف إسرائيلي على مدينة غزة إرتفاع حصيلة ضحايا الفيضانات في ولاية تكساس الأميركية الى 131 قتيلًا وسط تحذيرات من أمطار جديدة زلزال بلغت قوته 5.8 درجة على مقياس ريختر يضرب جزيرة لوزون في الفلبين انفجار في حقل سارانج النفطي يوقف عمليات شركة إتش كيه إن إينريجي بالعراق
أخر الأخبار

هل يسخر التاريخ منا؟ (٢)

المغرب اليوم -

هل يسخر التاريخ منا ٢

زاهي حواس
بقلم : زاهي حواس

مات الفرعون الصغير توت عنخ آمون دون أن يترك وريثًا لملك الأسرة الثامنة عشرة، أعظم أسرة حاكمة فى تاريخ مصر والشرق الأدنى القديم والتى يصفها المؤرخون وعلماء الحضارات القديمة بأنها العصر الذهبى للحضارة المصرية، والتى بدأت بالنجاح فى تطهير أرض مصر من الهكسوس المحتلين، وانتهت بالملك توت عنخ آمون الذى حاول أن يصلح ما أفسده أبوه أخناتون وإعادة مجد أجداده، فراعنة مصر العظام من أحمس وحتى جده أمنحوتب الثالث، ولكن كانت شمس هذه الأسرة قد غابت دون أمل فى أن تعود. حكم أى ومن بعده حورمحب وكل منهما لا ينتمى لملوك الأسرة الثامنة عشره الا بالمصاهرة، وقد فشلا كذلك فى أن يترك أى منهما وريثًا يحكم مصر، حتى اعتلى عرشها القائد العسكرى رمسيس معلنا تأسيس أسرة جديدة وعودة ما يعرف بالملوك المحاربين أو الفراعنة الذين قادوا الجيوش وحاربوا دفاعًا عن أرض أجدادهم ويصبح القائد العسكرى هو الملك رمسيس الأول مؤسس الأسرة التاسعة عشرة.

كان من المتوقع حسب قواعد المنطق والتاريخ أن تختفى ذكرى الملك توت عنخ آمون بوفاة آخر من عاش فى عصره أو آخر من يحمل اسمه فى ذاكرته!، وكل الإشارات التاريخية اللاحقة لوفاة الملك توت كانت تعضد تلك الفرضية حيث سرعان ما قام خلفاؤه على العرش بمحو اسمه من على عمائره وآثاره غير المكتملة، ووضع أسمائهم عليها بعد استكمالها. كذلك لم يجد الفراعنة اللاحقون أن اسم توت عنخ آمون يستحق أن يوضع على القوائم الملكية التى تخلد أسماء فراعنة مصر!، ومن أشهر الأمثلة على ذلك، قائمة الملوك بمعبد سيتى الأول بأبيدوس. فعندما قام فرعون مصر رمسيس الثانى، ثالث ملوك الأسرة التاسعة عشرة، باستكمال معبد أبيه سيتى الأول، صور نفسه هو وأباه وهما يحرقان البخور ويقدمان القرابين ويتلوان الصلوات على أسماء فراعنة مصر بدايةً من مؤسس الحضارة المصرية فى الأسرة الأولى، الملك مينا، وحتى حكم الملك سيتى الأول، وتجاهلت القائمة اسم توت عنخ آمون كما تجاهلت اسم أبيه أخناتون، ومن قبلهما اسم الملكة حتشبسوت، كونها امرأة لا يحق لها أن تحكم باسم حورس، عنوان الملكية فى مصر القديمة.

وعندما قام المهندس المعمارى الخاص برمسيس الثانى باختيار موقع مقبرة الفرعون أوقعه الحظ فى مكان يجاور مباشرة مقبرة توت عنخ آمون الصغيرة والمختفية أسفل ركام الفيضانات بالوادى، ليس هذا فقط بل إن أمام مقبرة رمسيس الثانى تقع المقبرة رقم ٥٥ والتى دفن بها أخناتون!، ولو كان رمسيس الثانى يعلم بمن هم جيرانه فى وادى الملوك ما كان بالطبع وافق على هذا المكان.

وبعد أكثر من ثلاثة آلاف سنة على وفاة الملك توت واختفاء ذكراه تظهر فى بدايات القرن العشرين آثار قليلة أهمها إناء من الفيانس الأزرق لا يتعدى ارتفاعه ستة سنتيمترات، إضافة إلى آثار أخرى تحمل اسم الملك المجهول وتشير إلى احتمالية دفنه بوادى الملوك لكن أين؟، كان هذا هو السؤال الذى لم يشغل ذهن أحد من الحفارين العظماء فى ذلك الوقت سوى الإنجليزى هيوارد كارتر، مفتش مصلحة الآثار بوادى الملوك، والذى نجح فى إقناع اللورد كارنانفون بتمويل حفائر فى الوادى على أمل كشف مقبرة ملكية جديدة. خمسة مواسم حفائر تمر ومعها خمس سنوات من الانتظار بداية من سنة ١٩١٧ وحتى بداية شهر نوفمبر ١٩٢٢، حينما قرر التاريخ وبلا أى مقدمات أو مبررات أن يعيد فتح صفحة الملك توت عنخ آمون من جديد بل يجعله الاسم الأكثر شهرة فى تاريخ ملوك العالم القديم، وذلك بمجرد الإعلان عن كشف مقبرته فى الرابع من نوفمبر عام ١٩٢٢.

كلمتان فقط هما عنوان هذا الكشف الأثرى «أشياء رائعة» نطق بهما هيوارد كارتر عندما سأله اللورد كارنانفون الواقف إلى جواره مكررًا السؤال «هل ترى أى شىء؟». وعلى الرغم من أن اسم كل من هيوارد كارتر واللورد كارنانفون سيظلان يذكران جنبا إلى جنب مع اسم توت عنخ آمون لكن كليهما لم يستفد شيئا من هذا الكشف!، أو فلنقل إن حياة كل منهما لم تصبح أكثر سعادة بعد الكشف!، مات اللورد بعد نحو أربعة أشهر فقط من الكشف فى ظروف مثيرة للشفقة والألم «تسمم فى الدم من لدغة بعوضة يليها جرح فى نفس الموضع الملتهب أحدثته شفرة الحلاقة!»، أما كارتر فقد أمضى ما تبقى له من سنوات لا يفعل شيئا سوى السجال والحرب مع الحكومة المصرية بدعوة أحقية أسرة اللورد فى الاحتفاظ بنصف مكتشفات المقبرة، الأمر الذى وصل إلى قاعات المحاكم المصرية، بل أدى لخروج المصريين فى مظاهرات تطالب بطرد كارتر من مصر وبقاء توت وكنزه فى بلده مصر!، وما بين أمر حكومى بمنع كارتر لمدة عام من دخول المقبرة ثم السماح له بشروط إلى العودة واستكمال العمل بالمقبرة وتسجيل ووصف وترميم ونقل كنوز الملك من وادى الملوك إلى المتحف المصرى، ظلت الأمور صعبة على كارتر الذى لم تلاق محاضراته النجاح المطلوب فلم يكن يوما بالمحاضر البارع وكان يفتقد الحماس فى محاضراته التى كان الحاضرون يمنون أنفسهم بكثير من الإثارة والألغاز حول الكشف وحول المقبرة وكنوزها ثم يفاجأون بالنوم يغلبهم بعد دقائق من بدء المحاضرة!.

سنوات ويموت كارتر وكثير من المعلومات عن الفرعون الذهبى لم يكن قد تم الكشف عنها بعد. والسؤال الذى لم يتم الإجابة عنه إلى الآن بصورة شافية هو لماذا اعتلى توت عنخ آمون قمة التاريخ وصار رقم واحد فى سجل الملوك؟، هل لأن مقبرته الصغيرة المجهزة على عجل هى السبب؟! أم أنه بريق الذهب وحجم الكنز المكتشف؟ أم أن السبب هو الجنون الذى حدث بعد الكشف عن مقبرته وأصاب العالم كله بهوس اسمه توت عنخ آمون؟، فظهر اسم الملك وصور تحفه على خطوط الملابس وحتى زجاجات الخمور والعطور، وديكورات المحلات حول العالم كله!، وإلى يومنا هذا تعتلى معارض توت عنخ آمون حول العالم عرش المعارض الأثرية، محطمةً كل الأرقام القياسية لأعداد الزائرين. وقد اقترح بعض العلماء المنشغلين بقضية الملك توت ووضعه التاريخى الحقيقى بين ملوك العالم القديم أن سبب تلك الشهرة الواسعة هو كل ما تقدم من أسباب يضاف عليها ثلاثة أسباب أخرى رئيسية وهى بالترتيب: أحداث ما قبل الكشف عن المقبرة، ويقصد بها سنوات البحث بداية من الأمل ثم اليأس ثم الكشف، وثانيًا: أحداث ما بعد الكشف، ومنها موت اللورد وعدد من الذين ارتبطت أسماؤهم بالكشف أو زيارة المقبرة واختراع الصحافة لما يعرف بـ «لعنة توت عنخ آمون، ولعنة المومياء». وكذلك ما حدث من مشكلات بسبب سلوك كارتر واللورد كارنانفون اللذين منحا دون وجه حق جريدة التايمز اللندنية الحق الحصرى فى نشر أخبار الكشف دون باقى الصحف ووسائل الإعلام. وأخيرًا لا يمكن أن ننسى أن أحد أعظم أسرار شهرة توت عنخ آمون يرجع إلى سحر قناعة الذهبى المصنف كأغلى وأعظم قطعة أثرية من العالم القديم.

إذًا لم تكن شهرة الفرعون المصرى صغير السن لها علاقة بحياته أو فترة حكمه أو أعماله ولكن مقبرته وكنوزها وقصة كشفها هى جميعًا سبب شهرتة، وهذا ما دعانا إلى أن نختم مقالنا السابق بالقول إن كل ما فعله توت عنخ آمون لينال هذه الشهرة هو أنه مات!، ولو كان بيننا الآن ملك من ملوك مصر القديمة مثل خوفو أو أمنحوتب الثالث أو رمسيس الثانى مثلًا وشاهد معنا ما صار إليه توت عنخ آمون من شهرة وسلطان لتعجب، بل لا نغالى إذا قلنا لمات غيظًا وكمدًا!، والسبب أن ما اختاره القدر ليحفظه لنا من كنوز فراعنة مصر العظام هو أصغرهم حجمًا وكمًا، ومع ذلك وعلى الرغم من قرب مرور مائة عام على الكشف عن مقبرة توت عنخ آمون فلا يزال هذا الكشف هو النافذة الوحيدة الباقية من العالم القديم التى نطل من خلالها على عالم الفراعنة ونتخيل ما كانت عليه كنوز ملوك حكموا مصر لسنوات طويلة وأثاروا الأرض تعميرًا وتعدى سلطانهم حدود الشرق الأدنى كله ليصل إلى حد كشف آثارهم فى قارات بعيدة مثل أوروبا.

أتذكر أننى قلت مرة فى محاضرة من محاضراتى إننا محظوظون لعدم العثور على كنوز ملوك مثل خوفو ورمسيس الثانى؟!، وعندما وجدت الدهشة على وجوه الحاضرين، شرحت لهم أن العثور على كنوز هؤلاء كان سيتسبب فى عدم إطلاق العنان لخيالنا عن هذا العالم المثير، ودائمًا يكون إطلاق الخيال أجمل من الاكتفاء بإدراك الحقيقة. إن التاريخ لم يسخر عندما اختار توت ليمنحه كل هذا المجد والخلود، ولكنه أعطانا الفرصة لإطلاق الخيال وكل منا يرسم فى ذهنه صورة خاصة عن عالم الفراعنة الساحر والمثير

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يسخر التاريخ منا ٢ هل يسخر التاريخ منا ٢



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

GMT 17:24 2015 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

دنيس هوف يفضح عائلة كيم كارداشيان

GMT 11:30 2017 الأربعاء ,14 حزيران / يونيو

عدنان العاصمي يقترب من الانتقال إلى أولمبيك آسفي

GMT 22:53 2023 الأربعاء ,11 كانون الثاني / يناير

مليارديرات روس ازدادات ثروتهم بشكل ملحوظ في 2022

GMT 23:33 2023 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

خطة سوناك لإنعاش الاقتصاد البريطاني

GMT 23:03 2021 الإثنين ,18 تشرين الأول / أكتوبر

علماء الأرض داخل "نفق عملاق" يصل إلى "نهاية الكون

GMT 08:33 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الحوت الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 11:26 2020 الجمعة ,10 تموز / يوليو

أزياء الـArmy تعود للصدارة من جديد في 2020

GMT 18:57 2020 الجمعة ,10 كانون الثاني / يناير

تفاصيل مقتل سائق تاكسي في أغادير

GMT 00:51 2019 الأحد ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

وفاة رجل شرطة بملعب "محمد الخامس" أثناء "الديربي البيضاوي"

GMT 14:26 2019 الثلاثاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

المغرب الفاسي يعترض على مشاركة لاعبين بشباب الحسيمة

GMT 17:31 2019 الأربعاء ,08 أيار / مايو

رسمياً فورد تكشف عن الموديل الجديد من Edge2
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib