جزيرة العرب كما لم نعرفها 1

جزيرة العرب كما لم نعرفها (1)

المغرب اليوم -

جزيرة العرب كما لم نعرفها 1

زاهي حواس
بقلم :زاهي حواس

من المؤكد أن مشروع التعاون المشترك بين الفريق البحثي لهيئة التراث بالمملكة العربية السعودية، وفريق خبراء معهد «ماكس بلانك» الألماني لعلوم تاريخ الإنسان، الذي تمت صياغته تحت عنوان «الجزيرة العربية الخضراء»، هو أحد أهم المشاريع العلمية في مجال الدراسات البيئية والحضارية في الربع الأول من القرن الواحد والعشرين. وأهمية هذا المشروع البحثي تكمن أولاً: في الهدف الذي انطلق من أجله، وهو دراسة التغيرات البيئية والمناخية في شبه الجزيرة العربية وتأثيراتها على الهجرات البشرية من وإلى شبه الجزيرة العربية، وبالتالي وضع تصور للنشاط الاستيطاني بشبه الجزيرة العربية عبر عصورها الجيولوجية والبيئية المختلفة.

ثانياً: تأتي أهمية مشروع «الجزيرة العربية الخضراء» من كونه أخضع ولأول مرة مناطق وكهوفاً بالمملكة العربية السعودية لم تتطرق لها الدراسات والأبحاث العلمية من قبل، رغم أهميتها القصوى في الدراسات الأثرية وكذلك البيئية. ومن أمثلة ذلك كهوف منطقة الصلبة وحمة أم جرسان، وكذلك وحرة كشب وحرة البقوم، وغيرها من كهوف المنطقة الشرقية.
ولقد كشف المشروع العلمي عن الكثير من النتائج المهمة لعلماء الآثار والأنثروبولوجي والبيئة وكذلك المعنيين بالدراسات المناخية وتأثيرها على النشاط الإنساني. وقدم المشروع الأدلة القاطعة أنه ومنذ ما يقرب من نصف مليون سنة، كانت هناك أنهار وبحيرات بالمئات في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية، التي كانت تشهد عصراً رطباً مطيراً أدى إلى تحويلها لمنطقة غنية بالنباتات والحيوانات حيث كانت تعيش بها النمور والضباع، وهي حيوانات آكلة للحوم، الأمر الذي يؤكد على توفر مصادر غذائها من حيوانات آكلة العشب كالغزلان والأيائل والظباء وغيرها. ساعدت تلك البيئة الرطبة على وجود نشاط استيطاني وتوسعات سكانية، كون الجزيرة العربية تقع بين أفريقيا وآسيا، فكانت معبراً وناقلاً مهماً للحضارات والثقافات المختلفة.
ولم تتوقف الدراسات عند حد تقديم صورة لما كان عليه النشاط البشري والاستيطاني خلال عصور بيئية ومناخية مختلفة بالجزيرة العربية، ولكن تعدى ذلك إلى البحث عن إجابة لسؤال غاية في الأهمية، وهو كيف كانت التجمعات البشرية تتصرف أو تعمل عند تغير المناخ والظروف البيئية التي تعودت عليها؟! هذا السؤال كان دائماً ما يشغل ذهن علماء الأنثروبولوجي وعلماء الآثار الذين ظلوا يحلمون بالعثور على أدلة تثبت أن جماعة بشرية بعينها كانت تقيم وتعمر أرضاً ما وتنتج أدوات حياتها اليومية وكذلك ما يخدم حياتها الدينية والفنية إن وجدت، ثم وتحت ضغط تغيرات بيئية ومناخية اضطرت تلك الجماعة السكانية إلى الهجرة لمكان آخر تناسب بيئته ما تعودوا عليه في بيئتهم القديمة، وهنا تكون دراسة المنتج الحضاري الجديد كاشفة لمدى تأثيرات البيئة والمكان على الأثر رغم أن الصانع هو نفسه لم يتغير.
هذا على فرض أن الإنسان كان يهاجر دوماً وراء بيئة مناسبة لحياته ونشاطه، حيث يوجد فريق من علماء الآثار والأنثروبولوجي يدحضون فرضية الهجرة قائلين إن الإنسان كانت لديه القدرة دوماً على التكيف مع التغيرات البيئية والمناخية، والدليل أننا ما زلنا نرى تجمعات سكانية ونشاطاً استيطانياً في بيئات قاحلة ووسط ظروف مناخية قاسية. وموضوع البيئة والمناخ وهجرة البشر في شبه الجزيرة العربية هو ما سنناقشه بالتفصيل في المقال القادم بإذن الله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جزيرة العرب كما لم نعرفها 1 جزيرة العرب كما لم نعرفها 1



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

GMT 10:45 2025 الثلاثاء ,10 حزيران / يونيو

تاه جاهز للعب مع بايرن في مونديال الأندية

GMT 15:33 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

استقرار مؤشرات الأسهم اليابانية في ختام التعاملات

GMT 10:19 2022 الجمعة ,18 شباط / فبراير

الرجاء المغربي ينهي استعداداته لقمة وفاق سطيف

GMT 13:30 2021 الثلاثاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"هواوي" تطرح أجهزة رائدة في السوق المغربية

GMT 07:05 2020 الخميس ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بعد إصابتها بـ”كورونا” الفنانة المصرية نشوى مصطفى تستغيث

GMT 13:00 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

أحدث صيحات فساتين الزفاف لعام 2020

GMT 12:10 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي علي حقيقة صورة محمد هنيدي مع إعلامي إسرائيلي

GMT 00:44 2018 الخميس ,05 تموز / يوليو

بولهرود يغير وجهته صوب "ملقا الإسباني"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib