مفاوضات عُمان فرص التفاهم هشة والمواجهة محتملة

مفاوضات عُمان: فرص التفاهم هشة والمواجهة محتملة

المغرب اليوم -

مفاوضات عُمان فرص التفاهم هشة والمواجهة محتملة

نديم قطيش
بقلم - نديم قطيش

تختبر مفاوضاتُ عُمان الأخيرة بين واشنطن وطهران توازنَ الردع بين النظام الإيراني وإسرائيل. لا تدور المحادثات بشأن الملف النووي فقط، بل أيضاً بخصوص مجالات النفوذ والحركة في الإقليم.

تدخل إيران هذه المحادثات بقلق لاعب شطرنج، يصارع لمنع الضربة القاضية، بعد أن فقد نصف قِطَعه الرئيسية... فالاقتصاد الإيراني المُتَهَرِّئ تُفاقم العقوباتُ الترمبيةُ اختناقَه، في حين تكفلت الآلة العسكرية والتقنية الإسرائيلية بطحن حلفاء طهران، لا سيما «حماس» و«حزب الله»، من دون أن ينجح الحوثي أو الميليشيات العراقية في ملء الفراغ. أما موطئ قدم إيران في سوريا، فقد ضاع مع سقوط نظام بشار الأسد. زد على ذلك الضغطَ المتفاقمَ على المرشد علي خامنئي للتفاوض؛ أكان من المعتدلين في نظامه ممن يحذرون من خطر مواجهة أميركا والتسبب في حرب معها، أم من المتشددين الذين يقرون على مضض بالحاجة إلى مسار تفاوضي يغيث الاقتصاد.

أولويات طهران واضحة... فقد قلصت العقوباتُ الأميركية صادراتِ النفط إلى ما دون المليون برميل، وسط تهديدات من وزير الطاقة الأميركي، كريس رايت، بأن بلاده قادرة على وقف تصدير النفط الإيراني بالكامل؛ لدفع إيران نحو عقد اتفاق نووي جديد.

وفي حين يتجاوز التضخم حدود 40 في المائة، وترتفع معدلات البطالة، لا سيما بين الشباب، مغذيةً السخط الشعبي، فإن أي خفض في قسوة العقوبات، كالوصول إلى أصول مجمدة أو تخفيف القيود المصرفية، من شأنه أن يسمح للنظام بالتنفس وضمان حد معقول من الولاء الداخلي والسمعة بين الوكلاء.

لكن في المقابل، البرنامج النووي مع تخصيب اليورانيوم بمستويات نقاء 60 في المائة، أي المستوى الأقرب إلى درجة التخصيب لأغراض عسكرية، مصدر حماية ونفوذ وكبرياء للنظام، لا سيما بعد خسارة حلفائه الإقليميين.

وعليه؛ تبدو استراتيجية إيران، إلى الآن، كمن يمشي على حبل مشدود: فهي تسعى إلى كسب تنازلات كافية لتثبيت النظام، من دون التضحية بالبرنامج النووي بالكامل، أي المصدر الأخير لمكانتها الإقليمية.

على المقلب الآخر، يتابع الإسرائيليون هذه المناورات الإيرانية بعين من يستشعر خطراً وجودياً، لا سيما إذا نجحت طهران في خداع أميركا، وأرضت الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، باتفاق يسمح لها بالإبقاء على البنية التحتية النووية، مثل القدرة على التخصيب، في مقابل التزامات بعدم تصنيع السلاح. فـ«الخط الأحمر» الذي حددته أميركا مؤخراً هو منع القنبلة، وليس تفكيك البرنامج النووي برمته كما تشترط إسرائيل، أي: صفرُ تخصيباً وموادَّ مخصبةً، وصفرُ أجهزةَ طردٍ، وصفرُ مفاعلاتٍ، وصفرُ رؤوساً حربية.

تَعدّ إسرائيل أنها معنية بمواجهة أي صفقة سيئة تسمح لإيران بتخصيب اليورانيوم بدرجات نقاءٍ دنيا، أو تُخفف العقوبات النفطية والمصرفية عليها، أو صفقةٍ تكتفي ببروتوكولات مراقبة غامضة... فكل ذلك مما ينظر إليه في إسرائيل على أنه يمكّن إيران من إعادة بناء نفوذها الإقليمي والاحتفاظ بمسارات نحو قنبلة.

والحال، إزاء حسابات إسرائيل التي تمزج بين الحاجة الدفاعية الملحة في مواجهة المناورات الإيرانية، والفرصة الاستراتيجية المتوفرة لضرب إيران بعد شلّ أذرعها وميليشياتها، أن السؤال يصبح عن كيف ستتحرك إسرائيل لا عمّا إذا كانت ستفعل.

الواضح أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أطلق حراكاً سياسياً دولياً عبر اللقاءات والاتصالات المباشرة، أو عبر الكونغرس والإعلام ومراكز الأبحاث الرئيسية في واشنطن، وبعض الحلفاء الأقوياء داخل إدارة ترمب، للتحذير من صفقة تمهد لـ«تنازل كارثي» لإيران.

ولن يكون مستغرباً أن تُفعِّل الأجهزة الاستخبارية الإسرائيلية، وفي مقدمتها «الموساد»، عمليات سرية تستهدف تأخير أو تعطيل البرنامج النووي الإيراني بوسائل غير تقليدية، مثل الهجمات السيبرانية على المنشآت النووية، وتخريب سلاسل التوريد، وعمليات تصفية لشخصيات محورية، على غرار اغتيال العالم النووي محسن فخري زاده عام 2020.

كما تتوفر لدى إسرائيل مساحات واسعة للمناورة العسكرية بمحيطها المباشر في رسالة ردع غير مباشرة لإيران، أو محاولة خلق مستوى من التوتر في غزة أو لبنان، وبدرجة أقل في العراق وسوريا واليمن؛ لتطيير المفاوضات.

كما تحتفظ إسرائيل لنفسها بحق تنفيذ ضربة أحادية ضد إيران، ولو أن مثل هذا الخيار ينطوي على تعقيدات استراتيجية ولوجيستية وسياسية هائلة... فمنشآت مثل «فوردو» و«نطنز» و«أراك» محصّنة وموزعة جغرافياً، وواقعة على بعد يتجاوز ألف كيلومتر من القواعد الجوية الإسرائيلية؛ مما يعني أن تنفيذ ضربة ناجحة يتطلب عبور أجواء حساسة، دعك من الحاجة إلى إعادة التزود بالوقود جواً، وقدرة تدميرية لا تملكها تل أبيب بالكامل من دون تعاون أميركي، لا سيما بشأن القنابل الخارقة للتحصينات.

بالطبع؛ إليك خاتمة قوية ومباشرة بلغة صحافية رصينة، تنسجم مع أسلوب المقدمة: في عُمان، لا تُرسم فقط حدود الاتفاق، بل حدود الاشتباك المقبل أيضاً.

كل تنازل تُقدمه واشنطن تقرأه إسرائيل تهديداً لوجودها. وكل خطوة تقطعها طهران نحو التسوية تحسب تبعاتها عليها في الشارع الإيراني الفاقد ثقته بنظام الثورة وخطابها. في ظل هذا التباين، تبدو فرص التفاهم محدودة وهشة، واحتمالات المواجهة مؤجلة لا ملغاة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفاوضات عُمان فرص التفاهم هشة والمواجهة محتملة مفاوضات عُمان فرص التفاهم هشة والمواجهة محتملة



GMT 15:28 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

مسلم ــ شيوعي ــ يساري

GMT 15:24 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

مَن يعبر مِن حرائق الإقليم؟

GMT 15:23 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

«الثنائي الشيعي» و«كوفيد ــ 26»

GMT 15:21 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

قتل العلماء أو قتل القوة؟

GMT 15:20 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

الغباء البشري

GMT 15:19 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

صلاح ومحمود «بينج بونج»!

GMT 00:48 2016 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

شيماء الزمزمي بطلة للمغرب في رياضة الجمباز

GMT 17:43 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 08:56 2019 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تنصيب ناروهيتو إمبراطورا لليابان رسمياً

GMT 17:34 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحتضن أول بطولة عربية في مضمار الدراجات «بي.إم .إكس»

GMT 08:59 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

هيفاء وهبي تؤكد وجود الكثير من النساء الذين يفقنها جمالًا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib