فلول أكثر من أيلول

فلول أكثر من أيلول

المغرب اليوم -

فلول أكثر من أيلول

بكر عويضة
بكر عويضة

شخص واحد يقف اليوم في قفص الاتهام، عندما تنطلق محاكمة إرهابيي جريمة مسرح باتاكلان الباريسي، وما تزامن معها من جرائم إرهابية، إذ يُعتَقد أنه الوحيد الباقي على قيد الحياة. لم يكن ذلك المساء أيلولياً حين غشى «عاصمة النور» ليل حالك السواد، بل كان تشرينياً، فقد دوّى إرهاب تُبّع قوافل التنطع، وفكر التطرف المكفّر للجميع، تقريباً، يوم الجمعة الواقع في الثالث عشر من نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2015. لكن اختلاف التوقيت لن ينزع عن مرتكبي جرائم الإرهاب، بأي مكان، وأي زمان، حقيقة أنهم من فلول ذلك الضلال ذاته، الذي من رحم أفكاره السوداوية خرج أكثر من تنظيم إرهابي يزعم الوصاية على المسلمين كلهم أجمعين.

لافت للنظر أن يقترن سبتمبر (أيلول) بأكثر من حدث هز زلزال ارتداداته أطراف الأرض، من أقصاها إلى أقصاها، لأن صدى ما ترتب عليه تجاوز تأثيره مركز وقوعه، فاندلعت منه موجات أحداث عدة طالت جوانب كثيرة من حياة الناس كافة. ثم إن فلول مآسي شهور أيلول، عبر السنين، أمكنها الانتشار في أنحاء متفرقة من الكوكب. البعض منها توارى وراء جُدُر النسيان، ربما لأن العقلاء بينهم فضّلوا الاختفاء والصمت. إنما بقي بين الفلول مَن يحاول تحديث أساليب الإرهاب، فيستمر في ارتكاب أفاعيل التخريب، ونشر الرعب بين الناس، حيث يستطيع إلى ذلك سبيلاً، بصرف النظر عمن يقع من الضحايا، حتى لو أنهم أبرياء عزل، لا يستطيعون دفع الأذى عن أنفسهم، بل وحتى لو كانوا من قوم الإرهابي ذاته، ومن معتنقي الدين نفسه. تُرى، أي نوع من البشر هم أولئك المجرمون؟

حتى زمن غير معلوم، سيظل حدث جريمة الحادي عشر من سبتمبر 2011 هو الأول الذي يقفز لكل ذهن، عندما يأتي الحديث على فظائع أحداث إرهاب خواتيم القرن الماضي. متوقع هذا الأمر، ومفهوم المنطلق النابع منه، إذ إن موقع الحدث، من جهة، ثم أسلوب التنفيذ الأقرب إلى فيلم رعب سينمائي تفتق عنه خيال واقعي لدى عقلٍ عبقري الإرهاب، سوف يفرضان، على الدوام، ذلك السؤال المخيف، الذي يحوصل عدداً من تساؤلات مُحيّرة، بعضها باقٍ بلا جواب دقيق، حتى الآن، منها مثلاً: كيف أمكن لجمع من فلول حرب أفغانستان الأولى، أن يضعوا مخططهم، وأن يرسلوا عناصرهم، المُنتقين بفائق العناية، إلى ميدان جريمتهم، وأن يتمكنوا من تدريبهم على الطيران، ومتطلبات التحكم في الطائرة خلال التحليق، ثم إن أولئك الشبان طفقوا يتحركون بكامل حريتهم، بين مقار إقاماتهم، وأماكن استرخائهم، أو قضاء أوقات لهوهم، حتى نهار الإقدام على ضربتهم؛ كل ذلك جرى بلا حسيب يتنبه لما يفعلون، ولا رقيب يحول دون تنفيذهم تلك الجريمة الشنعاء؟ عِقدان سوف يمران السبت المقبل على واحد من أسوأ أفعال الشر المُرتكبة ضد الإنسان عموماً، بصرف النظر عن الدين والجنس واللون، ولم يزل المشهد ماثلاً في أذهان الناس كافة، كما لو أن الحدث الفظيع حصل يوم أمس.

إنما على امتداد أكثر من أمس بعيد، زمنياً، أطل الأربعاء الماضي يوم انقلاب معمر القذافي، فإذا به ذو حضور قائم على الرغم من غياب صاحبه. ذلك نهار أيلولي آخر سوف تبقى له علامات تميّزه، وها هو سيف الإسلام القذافي، الرمز الأهم بين فلول «الفاتح من سبتمبر»، يقفز إلى المشهد الليبي الراهن عبر لقاء مع صحيفة «نيويورك تايمز» نُشر يوم 30 يوليو (تموز) 2021، رغم أنه تم في رمضان الماضي، كأنما هو ذاته، أو غيره، يريد القول، بوضوح، إن الملف لم يُطوَ، بعد. هل نذهب أبعد قليلاً في حقول مآسي أيلول؟ حسناً، أيمكن لأحد، أياً كانت الأجيال، نسيان حرب «الإخوة الأعداء» وأنهار الدماء على جبال عَمان، فيما سُمي «أيلول الأسود»؟ أمن مزيد؟ نعم؛ هناك أيلول يمني قليلاً ما يُذكر، لكنه عصي على النسيان أيضاً. يوم 26 سبتمبر 1962، زلزل انقلاب عسكري صنعاء فأطاح حكم ما كان خالياً من سلبيات عدة، إنما لم يخلُ أي نظام جاء بعده من مآسٍ لا تزال أجراس آلامها تطن في رؤوس الأحياء من ضحاياها، أو ذويهم، حتى الآن. يا لك أيلول من شهر مؤلم حقاً، ويا للفلول التي خلفت وراءك ما بين المشارق والمغارب.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فلول أكثر من أيلول فلول أكثر من أيلول



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 00:22 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود
المغرب اليوم - بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 00:30 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

هالاند يحذر خصومه ويؤكد ما زلت أملك المزيد
المغرب اليوم - هالاند يحذر خصومه ويؤكد ما زلت أملك المزيد

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه
المغرب اليوم - أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib