حبل التكاذب طويل

حبل التكاذب طويل

المغرب اليوم -

حبل التكاذب طويل

بكر عويضة
بقلم - بكر عويضة

حصل هذا منذ زمن بعيد جداً، في مختلف مجتمعات العرب، بكل ما تحفل به من عادات تتباين، وثقافات تتعدد في مجالات عدة، وبكل ما تعرف من تقاليد تتشابه حيناً، وتتباعد أحياناً، إذ جرت الألسن بمثل شعبي يقول التالي: «حبل الكذب قصير». ذلك تعبير صحيح عن رفض عموم الناس السويين تقبّل سلوك الكذابين، وبالتالي توجيه تحذير لهم أن أمر كذبهم سينكشف عما قريب، ولو ظنّوه بعيداً. بيد أن بعض الخلق، بصرف النظر عن العِرق، والجنس، والأصل، سوف يستمرئ أن يكذب دائماً، وقد يقال فيه إن فلاناً ليس كذاباً فحسب، بل هو «كذوب»، فقد أدمن الكذب حتى أنه أضحى بمثابة الشيء العادي عنده، وربما يجد في ممارسته حلاوة ترضي جانباً غير معروف للغير عنه، حتى لو أبدى من الندم ما قد يُسكت تأنيب ضمير مؤقت، سرعان ما يذهب أدراج الرياح، لسبب شديد الوضوح، خلاصته أن الكذب المستمر بات هو المنهج الدائم لدى تلك الشرائح من البشر، أما المبادرة من جانبها إلى اعتذار خجول، في حال افتضاح كذب مفاجئ لها، فمن الصحيح، منطقياً، إدراجها ضمن تصنيف «التكاذب»، الذي قد يُعامل بتسامح، وأحياناً يُقابل بالصفح حتى من قِبل ضحاياه، فأين العجب، إذنْ، إذا طالت حباله، وتعددت أشكاله، وامتدت أزمانه سنوات؟
ليس من عجب، ولا ثمة ما يدهش. إنما يثير الاستغراب ألا تبالي فئات محددة بتأثير الذي تمارس مما يروق لها من أقوال التكاذب على قطاعات بين الناس تسارع إلى تصديق ما تسمع، بلا بذل أدنى جهد بغية التدقيق، وبلا تلمس لحقائق الأفعال التي تتنافر تماماً مع كل كلام بَرّاق يُقال، فتبدو كما مخدوع يستعذب الخداع لمجرد أن ذلك يشبع عواطف يُراد استرضاؤها، أو إقناعها بإمكانية تحويل سراب رمال الصحراء إلى واقع موهوم. الفئات المعنية هنا هي، تحديداً، حركات وأحزاب وجبهات تحترف العمل السياسي. إنها تتوارث ذلك الاحتراف جيلاً بعد جيل، ثم تجدها لا تتورع عن إعطاء ما تمتهن، سياسياً، صفات تنتحل «نقاء» النضال، أو «ورع» الجهاد، ولن تعوزها حيل التفنن في استحداث الجديد من قوالب أوصاف تتناسب مع كل المراحل. مثلاً، ما سُمي «الصمود والتصدي» في ثمانينات القرن الماضي، صار يحمل وصف «المقاومة والممانعة» في الزمن الحالي. بالطبع، تقف وراء تلك التنظيمات، دائماً، أنظمة وحكومات يعنيها أن تمد الذين صاروا بمنزلة الحلفاء لها بكل أسباب البقاء كي تضمن استمرار أطراف تمارس كل أنواع الكذب السياسي نيابة عنها، مع أنها ليست تخشى الممارسة ذاتها في التعامل مع شعوبها أساساً. ضمن هذا السياق، يعكس النظام الإيراني، وحليفه السوري، مِثالين بوسع كل متابع رؤية انعكاسات ممارساتهما للكذب السياسي على واقع الشعبين في سوريا وإيران أولاً، وعلى شعوب الفصائل والتنظيمات المتحالفة معهما، ثانياً.
لعل من الواجب التذكير هنا بضرورة الفصل، دائماً، بين قواعد تلك الأحزاب والحركات التي تضم عناصر أتت من صفوف بسطاء الناس، والتي يجب احترام ما يعتمل في نفوسها من أحاسيس وطنية، وبين الأطقم القيادية التي تتحمل على نحو مباشر مسؤولية إبرام التحالفات مع مختلف القوى، وما يترتب عليها من ممارسات. الفرق بيّنٌ، وإذا كان هناك أي قدر من لوم على سوء تقدير الحسابات، فهو واقع - كما يؤكد منطق العمل السياسي ذاته - على عاتق مَن يقود، وليس مَن يتبع فيطبق ما يتلقى من تعليمات. تلفت النظر، في هذا الجانب، مفارقة يستطيع ملاحظتها كل دارس لمسار الحركات السياسية، وكل ممارس للعمل السياسي خلال مرحلة من حياته، خلاصتها أن كثيراً من القيادات الحزبية، أو الحركية، خرجت أصلاً من تلك القواعد نفسها، لكن تصرفاتها، أو مواقفها، بعدما تربعت على قمة الهرم القيادي، ليست هي ذاتها حين وجودها في الصفوف الخلفية. نعم، الاستثناء قائم في أكثر من حالة، ثم إن التعميم المُطلق ليس موضوعياً على الإطلاق. خطورة حبل تكاذب الساسة الطويل، حتى حين يُبرر بأنه تكتيك سياسي، هي أنه يطيل عمر أوهام تضيّع من أعمار أجيال الشعوب سنين طويلة، بلا جدوى تُلمس عملياً، أو فائدة تُجنى واقعياً. أليس ممكناً رؤية دليل ذلك في الواقع الفلسطيني، أكثر من غيره؟ بلى، لكن التفصيل يتطلب مقال أسبوع مقبل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حبل التكاذب طويل حبل التكاذب طويل



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 07:55 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

إعادة فتح مطار بروكسل بعد توقف مؤقت نتيجة رصد طائرات مسيرة
المغرب اليوم - إعادة فتح مطار بروكسل بعد توقف مؤقت نتيجة رصد طائرات مسيرة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه
المغرب اليوم - أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib