السودان كعب أخيل في الجسد العربي

السودان ..كعب أخيل في الجسد العربي

المغرب اليوم -

السودان كعب أخيل في الجسد العربي

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

هل كان الجسد العربي المثخن بالجراح في حاجة جديد للمزيد من مواقع ومواضع الألم ؟
من أسف شديد يتابع المرء ما يجري في هذا البلد الشقيق بحسرة بالغة ، واللغة هنا ليست إنشائية أو بلاغية ، بل تعبير حقيقي عن واقع حال لما يمثله السودان من أهمية للأمن القومي العربي وحدة واحدة .
ولعل ما يجري في السودان كان متوقعا وليس مفاجأة ، فلا يمكن لدولة ويستفالية عصرانية ، أن تمضي بوجود جيش وميليشيات معا ، فهذا أمر لا يستقيم ، ولدينا من التجارب العربية المحزنة ما يكفي ، في اليمن ولبنان ، في سوريا وليبيا .
من نافلة القول أن إهتراء النسيج المجتمعي السوداني نتيجة حتمية لثلاثة عقود من حكم البشير ، بل إن أخطاءه القاتلة دعت الجنوب الغني بموارده الطبيعية وفي مقدمها النفط ، أن ينسلخ عن وحدة السودان ، ويستقل بجمهورية قائمة بذاتها ، ليغير من جغرافية السودان الموحد من مئات السنين .
أما الخطأ الفادح الأخر ، فتمثل في السماح بتكوين ميليشيات لا علاقة لها بالعقيدة القتالية العسكرية الوطنية ، وإنما خدمة لأهداف شخصية لا تخفى عن أحد ، وبهدف مواجهة ما يجري في دارفور بنوع خاص .
يبدو السودان اليوم مربعات نفوذ ، وخرائط جاهزة للتقسيم ، ما بين الجنوب الذي مضى بعيدا ، ودارفور التي يمكن أن نرى حكما ذاتيا فيها عما قريب ، عطفا على أقليم البجه شرقا ، وقد رأينا مؤخرا كيف أن قبائله بدت أقرب إلى التمرد على الحكومة المركزية في الخرطوم ، وأغلقت بالفعل الطرق والدروب في وجه الأخرين .
أي سودان حزين ومتألم نحن بصدده ،الأمر الذي يطرح علامة الإستفهام المؤلمة ، والتي لا تنفك تتردد منذ بدايات العقد المنصرم ، وزمن ما عرف بالربيع العربي ، وإن أثبتت التجربة أنه كان ربيعا مغشوشا ، بل شتاء قارس الأصولية .
أما التساؤل فهو :" هل ما يجري في السودان مؤامرة خارجية لها أبعاد تتجاوز السودان بجغرافيته الواسعة ؟
مرة جديدة وحتى لا نتهم من الجماعات المغرقة في التغريب نقول ، إنه إن لم يكن التاريخ مؤامرة ، فإن المؤامرة قائمة دون أدن شك في بطون التاريخ .
هنا يمكن القطع بأن تلك الجماعة الأخوانية التي خربت السودان من القلب وحتى العمق طوال ثلاثينية البشير ، ليست بعيدة عن أصابع الإتهام بالعمالة للتنظيمات الظلامية الكبرى حول العالم ، والتي لها خريطة واحدة لا تغيب عن أعين الراسخين في العلم .
هيأ هذا الفريق الأبوكريفي الملعب السوداني ، ليضحى اليوم خارطة شطرنج لحروب الوكالة ، وليس أدل على ذلك من التوجهات العسكرية المثيرة والمقلقة التي تجري من حول السودان وقت كتابة هذه السطور .
لا يمكننا فصل السودان اليوم وما يجري فيه ، عن القارة الإفريقية المستهدفة من الأقطاب الدولية القائمة والقادمة ، والصراع جار على قدم وساق على مواردها الطبيعية ، ومواقعها الجغرافية ، سيما انها تتوسط الكرة الأرضية .
الناظر للسودان اليوم يكاد يصاب بصدمة من القوى الفاعلة على أرضه ، ما بين الصين التي لا يشغلها سوى الحصول على النفط بأرخص الأسعار ، ولهذا تسارع في تقديم القروض الساخنة المغرية التي تغني عن صندوق النقد وأموال العم سام المزعجة ، وبين روسيا المتشظية ما بين جماعات فاغنر التي تعد جيشا روسيا بالوكالة ، والعين الروسية على موانىء السودان على البحر الأحمر.
عطفا على موسكو وبكين ، لا يوفر المرء الإشارة إلى قوة إقليمية أخرى لا تخفى عن الأعين ، تسعى لتعظيم دورها في المنطقة .
يتساءل أي محلل عروبي :"وأين أهل السودان مما يجري ؟
الجواب يجده المرء على شاشات التلفزة الدولية ، من إقتتال أهلي داخلي ، وتهجير للأهالي ، وجثث تملأ الشوارع ، وأسواق تُحرق ، وخدمات طبية شبه منعدمة ، وعلى مرمى البصر ، ومن غير منظار ، يمكن إعتبار السودان دولة فاشلة حال أمتدت الأيادي الخفية لتدلف من كعب أخيل إلى بقية الجسد السوداني .
يكاد السيناريو المخطط للسودان يتضح يوما تلو الأخر ، وغالب الظن سوف تبدأ حلقاته بعد إجلاء كافة الرعايا الغربيين من الداخل ، سيما بعد التجمعات العسكرية الكبيرة من حوله ، سواء في جيبوتي ، أو عبر البحر الأحمر ، والناظر إلى ما رصدته الاقمار الإصطناعية في الأيام الثلاثة الماضية ، يمكنه وبسهولة رصد تحركات أمريكية أكثر بكثير من حاجة واشنطن لإجلاء رعاياها .
هل هي لحظة تدخل قوات مسلحة أجنبية إلى السودان ، ومن ثم إعادة تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ ، وربما تحت شعار حماية دولية وإستنقاذا للمدنيين ، وبقية الشعارات الممجوجة التي ألفناها منذ زمان وزمانين ؟
مؤكد أن هناك من أوقع السودانيين في الفخ ، وساعده بعض من أهل هذا البلد الطيب من سوء الطالع ، وعليه يتبقى السؤال الحيوي والمصيري :" إذا لم يكن السودان قادرا على إنقاذ نفسه ، فلماذا لا يسارع العالم العربي لإستنقاذه من الأفواه الضارية التي لا تحمل له خيرا في الحال أو الإستقبال ؟
ليس سرا أن هناك خطة جهنمية قائمة بعينها في السودان ، تتجاوز شعبه وموقعه الجغرافي ، وتمتد إلى ما حوله من دول عربية رئيسة ، بعضها راسخ يواجه الأقدار بصمود وشجاعة نادرين ، والبعض الأخر سقط في جب الفتنة والحرب الأهلية وماض بدوره في سيناريو التقسيم إلى ثلاث دول .
الخطة هي شد الأطراف ، لصاحبها بن جوريون ، ومفادها القيام بالتأثير على التخوم ، حتى يمكنك أن تصيب المركز الذي تريد في مقتل ، ومن غير أن تتكبد عناء إطلاق رصاصة واحدة عليه .
الوقت ليس في صالح السودان ولا السودانيين ، ولا نتجاوز الحقيقة إن قلنا أن الأمر يكاد يكون قد أفلت من بين يدي شعب السودان ، والتعويل على مواءمات سياسية داخلية ، وتوافقات بينية ، هو نوع من أنواع العبث وإضاعة الوقت ، سيما أن القاعدة المعروفة في هذه الأحداث المميتة .." حين تسيل الدماء تتعذر المصالحة ".
ما من حل يصون أمن ووحدة السودان ، سوى تدخل عربي عاجل ، سياسي أول الامر من خلال مؤتمر قمة عربي طارئ إستثنائي ، ومن دون أن يتعارض مع القمة العربية القادمة في السعودية في وقتها المحدد .
ثم وإن لزم الأمر ، التفكير في طرح عسكري عربي – عربي ، لنزع فتيل الأزمة ....
شرارة ما يجري في السودان يمكن أن تلهب جغرافية المنطقة بأكملها ...
الجرأة والإقدام هما الحاجة الماسة في الوقت الحاضر، لسد ذرائع كعب أخيل جديد في الجسد العربي برمته .

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السودان كعب أخيل في الجسد العربي السودان كعب أخيل في الجسد العربي



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 19:13 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة
المغرب اليوم - ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة

GMT 17:49 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها
المغرب اليوم - بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها

GMT 13:39 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر
المغرب اليوم - حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر

GMT 19:34 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الشيخة حسينة تتحدث لأول مرة منذ الهروب
المغرب اليوم - الشيخة حسينة تتحدث لأول مرة منذ الهروب

GMT 18:50 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أروى جودة تتعرض لموقف محرج في «الجونة»

GMT 21:59 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"كيا" تطلق سيارة كهربائية متطورة قريبا

GMT 02:14 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

برج "برواز دبي" يَجذب مليون زائر في عام واحد

GMT 21:28 2018 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

سفير المغرب في هولندا يكرم البطل التجارتي

GMT 02:30 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

"50 فكرة عن" الاقتصاد" كتاب حول النظم الاقتصادية

GMT 02:02 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

عمرو عمارة يبيّن أسباب تسوس الأسنان

GMT 15:25 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

الفنادق الأكثر جاذبية في العالم خلال عام 2018

GMT 18:10 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

لعبة "أسياد الشرق" صراعات ملحميّة تحاكي صراع الجبابرة

GMT 22:51 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يرغب في استقبال الدفاع الجديدي في ملعب العبدي

GMT 04:26 2016 الخميس ,25 شباط / فبراير

حرق سعرات حرارية دون بذل مجهود

GMT 21:07 2015 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

ميرفت أمين بين نجوم فيلم "هتقتل تسعة"

GMT 03:10 2017 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

منتجع جزيرة ميليدهو ملاذ زوار المالديف في فصل الشتاء

GMT 05:56 2015 الأربعاء ,23 أيلول / سبتمبر

أبطال مسلسل "البيوت أسرار" يكملون تصوير مشاهدهم

GMT 09:29 2016 الجمعة ,07 تشرين الأول / أكتوبر

عطور نسائية تجذب الرجال وتزيد من دفء العلاقة الحميمة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib