«الكونكلاف» والبابوية نظرة تاريخية

«الكونكلاف» والبابوية... نظرة تاريخية

المغرب اليوم -

«الكونكلاف» والبابوية نظرة تاريخية

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

مع ظهور هذه الكلمات إلى النور تكون الكنيسة الكاثوليكية في طريقها لانعقاد أهم لقاءاتها التاريخية وأكثرها سرِّية المعروف بـ«الكونكلاف» أو مجمع الكرادلة، الذي سيختار بابا روما الجديد، خلفاً للبابا فرنسيس.

مَن سيكون البابا القادم؟

الجواب المؤكَّد هو أن أحداً لا يعرف، ولن يعرف قبل أن يتوصل الكرادلة، المعروفون بأمراء الكنيسة، إلى اختيار واحد من بينهم، لمنصب البابوية.

يتم الاختيار عبر اقتراع سري بين 135 كاردينالاً تحت سن الثمانين سنة، مع العلم أن هناك الآن نحو 253 كاردينالاً، بينهم 118 فوق سن الثمانين لا يحق لهم الترشح للبابوية، ولا المشاركة في الاختيار.

ما معنى «كونكلاف» بدايةً؟

الكلمة ترجع إلى اللغة اللاتينية، ومعناها «الإغلاق بالمفتاح»، وتشير إلى دخول الكرادلة كنيسة السيستين الشهيرة داخل حاضرة الفاتيكان، وإغلاقها بإحكام، فلا يدخل أحد إليها ولا يخرج منها، حتى تكون عملية اختيار البابا نزيهة، شفافة، مجرَّدة من أي ضغوط خارجية، كما يُمنع تواصلهم مع العالم الخارجي، فلا يحملون هواتف، ولا يتابعون إذاعات أو تلفزة خارجية... فقط صلاة وتأمل ومشاورات داخلية حتى يتم التوصل إلى البابا الجديد.

يخطر لنا التساؤل: لماذا يكتسي هذا الكونكلاف أهمية خاصة، على غير ما جرى في 2005 بعد وفاة البابا يوحنا بولس الثاني، أو في 2013، بعد استقالة البابا بندكتوس؟

الجواب، من دون الدخول في عمق النقاشات ذات الطابع الدوغمائي المعمَّق، يعود إلى ما قام به البابا فرنسيس من عمليات إصلاحية داخل الكنيسة الكاثوليكية، والتي معها اكتسب اسم «بابا إصلاح القلب»، أي البابا الذي سعى لتغليب المساقات الروحية على الدنيوية، وطبع بابويته بالرحمة، والعطف على الفقراء والمساكين، ونزع ثوب المطلقية عن الأحكام البابوية، وقد جرى على لسانه دوماً سؤال: «مَن أنا حتى أحكم على أو أُدين الناس؟».

كان من الطبيعي أن ينشأ عن رؤية البابا فرنسيس اختلاف بين جماعتين؛ التقدميين من الكرادلة، الذين يميلون إلى المسحة الليبرالية، وعندهم أن الكنيسة ينبغي أن تكون «Aggiornamenti»، أي كنيسة عصرانية، قادرة على مساءلة أيقونات العصر، ومشاغبة ملامح التطور الإنساني، لا سيما في زمن الذكاءات الاصطناعية، وعالم ما بعد الإنسان البيولوجي.

والوجه الآخر من الكنيسة، يمثله الكرادلة أصحاب الطابع التقليدي المحافظ، الأقرب إلى القول إن الخير في كل سلف والشر فيمن خلف. وهؤلاء اعترضوا بالفعل على كثير من التوجهات التي مضى البابا فرنسيس في طريقها، وارتفع صوتهم في كثير من المرَّات، لا سيما تجاه بعض «الإرشادات الرسولية» التي أصدرها البابا فرنسيس.

لماذا يهتم العالم بشؤون وشجون الفاتيكان، أو الكرسي الرسولي، إلى هذا الحد؟

في حقيقة الأمر، تظل البابوية واحدة من المؤسسات البشرية النادرة المستقرة والمستمرة عبر ألفَي سنة، مما أكسبها نوعاً من قوة الإقناع المعنوية، وخبرة بأحاجي الكون، وقرباً من مآسي الإنسانية، ولهذا يصفها المؤرخ الأميركي الشهير وول ديورانت في مؤلَّفه الكبير «قصة الحضارة» بأنها «أهم مؤسسة بشرية عرفها التاريخ»، انطلاقاً من قدرتها على التواصل والتسلسل، رغم كثير من الثنايا والحنايا البشرية التي عرفتها، كون القائمين عليها بشراً لا ملائكة.

يكتسب «الكونكلاف» هذه المرة، وعلى خلاف المرات السابقة، مذاقاً سياسياً مثيراً جداً، أسهم في تأجيج نيرانه الرئيسُ الأميركي دونالد ترمب، الذي أطلق تصريحاً بنكهة المزاح حول رغبته في أن يصبح هو البابا القادم، وقد جاء ذلك رداً على إحدى الإعلاميات التي سألته عمَّن يود أن يرى البابا القادم.

لكنَّ ترمب لا يمزح، وكثيراً من قضاياه الجدلية تنطلق في شكل نكات أول الأمر، كما فعل مع رئيس وزراء كندا السابق ترودو، بشأن ضم كندا إلى الولايات المتحدة واعتبارها ولاية مضافة.

في التصريح عينه، أشار ترمب إلى كاردينال نيويورك، تيموثي دولاني، الرجل الذي قاد الصلاة في حفل تنصيب ترمب لولايته الثانية. والمعروف أن هناك تسعة كرادلة أميركيين مشاركين في أعمال «الكونكلاف»، فهل يتطلع ترمب بالفعل إلى التأثير على المسيرة السرية لهذا الاجتماع، حتى يضمن السطوة الاقتصادية والعسكرية، وأخيراً الروحية الدينية للولايات المتحدة؟

قد يكون الأمر صعباً على 53 كاردينالاً أوروبياً القبول بفكرة بابا أميركي، ناهيك بتكتلات من كاردينالات أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، والقبول بالهيمنة الأميركية في الدائرة الكاثوليكية، ومع ذلك يظل الأمر، ولو نظرياً، وارداً.

مَن البابا القادم؟

التعبير الفاتيكاني الشهير: «مَن يدخل الكونكلاف بابا يخرج كاردينالاً»، أي إنه لا أحد قادراً على التنبؤ، قبل ظهور الدخان الأبيض من مدخنة كنيسة السيستين معلناً بابوية جديدة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«الكونكلاف» والبابوية نظرة تاريخية «الكونكلاف» والبابوية نظرة تاريخية



GMT 14:25 2025 الأربعاء ,27 آب / أغسطس

الصحيفة.. والوزير

GMT 19:42 2025 الأحد ,17 آب / أغسطس

إنذار جريمة طريق الواحات!

GMT 15:53 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

خريطة سعدون حمادي

GMT 15:34 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

مصر للطيران!

GMT 20:44 2025 السبت ,19 تموز / يوليو

الطعن على الوجود

ليلى أحمد زاهر تلهم الفتيات بإطلالاتها الراقية ولمساتها الأنثوية

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 23:23 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

بوتين يبدي استعدادا للقاء زيلينسكي في موسكو
المغرب اليوم - بوتين يبدي استعدادا للقاء زيلينسكي في موسكو

GMT 12:38 2020 الجمعة ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تركز الأضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 22:26 2019 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

عبيابة يشارك المغربية للإعلاميين الرياضيين أمسية العرفان

GMT 10:10 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

السرعة وغياب التشوير وراء حادث سير في تطوان

GMT 20:45 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام برنامج تعريفي لاستكمال الدراسات العليا في أميركا

GMT 02:07 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

انتهاء ريهام عبدالغفور من تصوير مشاهدها في "سوق الجمعة"

GMT 01:51 2017 الإثنين ,06 شباط / فبراير

الروائية إليف شفق تؤكّد أنها لا تؤمن بالأبطال
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib